تجلس في ليلة عاشوراء مع كبار السن في
العائلة لتستمع لأحاديثهم و قصصهم في أحد منازل بنغازي و الذي إن قُطع التيار
الكهربائي عنه فهو نائرٌ في هذه الليلة بنور لمة الأهل و اجتماعهم , و بينما أنت
منصتٌ لحديثهم تأخذ الذكريات أفكارك و تعود بك لزمن الطفولة , عندما كنت مرسولاً
لطبق الحمص و الفوصل , عندما كنت تعود في مثل هذا اليوم من المدرسة منهكاً في يوم
شتويٍ ماطر فترمي حقيبتك ثم تبدأ بماشرة مهامك كسفيرٍ للنوايا الحسنة بهذا الطبق ,
فتحمل الطبق الذي تسلمه لك أمك و تذهب به لجارتكم فلانة , تقرع الباب و تقف و
عندما يسأل المنادي من المنزل :" من ؟" تجيب ببراءة الطفولة :"
أنا" , تفتح الجارة و تسلمها الطبق و معه الرسالة المحمولة :" تسلم عليك
أمي و تقوللكم كل سنة و انتوا طيبين " , ثم تقف منتظراً كما أمرتك جارتكم حتى
تأتيك بطبقهم , يمنعك حياء الأطفال أحياناً من الدخول و من النظر لما بداخل المنزل
أحياناً أخرى , تأخذ الطبق و تعود به في رحلة العودة إلى منزلكم تلتفت يميناً و
يساراً لتتأكد بأن الشارع خالٍ من المارة ثم تدك إصبعك بالطبق لتتذوق بعض ما فيه
قبل أن تدخل به إلى المنزل , ثم تعيد كل ما فعلته سابقاً مع كل جارة , و في كل مرة
تتذوق من طبق الجارة فرغم أن الفول واحد و الحمص واحد و لكن النكهة تختلف من بيتٍ
لبيت , و تختلف طريقة التحضير من عائلة إلى عائلة حسب أصول هذه العائلة , فهذه تسلقه
و هذه تطبخه , تعطيك إحدى جارتكم طبق فتنظر له بنية التذوق فتجده طبق
"بليلة" فتحل الفرحة بقلبك لأن أمك الدرناوية لا تصنع هذا الطبق كعادة
الدراونة .
تعود للغرفة الحالية في الزمن الحالي تنظر لكل الأقرباء و على وجهك ابتسامة فرح بسبب الذكريات , تجد بأن الكبار ما زالوا يتحدثون عن ذكرياتهم أمام المائدة التي شملت بواقي طبق "السليقة" و أطباق البليلة التي أعدتها جارتكم , تستمع لحديثهم مستمتعا ببساطة الحياة حينها عندما كان الأطفال يدورون في الشوارع باحثين عن الفول و الحمص و طالبين لعاشورتهم مرددين :" اللي ما تعطيش الفول يقعد راجلها مهبول" , و كيف أنهم كانوا يخافون من الفتاشة , تلك الغول التي كانت تأتي لتفتش بطون الأطفال في أسطورة لا أذكر بقيتها , عند بوسعدية و ركضهم خلفه مرددين :" وين حوش بوسعدية" , وكيف تجلس الفتيات عند العمة أو الخالة التي تأخذ الكحل بيدها و تضعه على أعينهن .
تكتشف بأننا بدأنا في نسيان هذه العادات,بأنه شيئاً فشيئا بدأت عاشوراء تفقد متعتها , بل و كل المناسبات كذلك فمن الطفل الذي سيصدق وجود غول اليوم , ربما سيصدق وجود مصاص دماء أو "زومبيز" و لكن لن يؤمن بالغولة فهي أسطورة قديمة , حتى بعض الفتيات لن يعجبهن الكحل العادي , و سيرفض بعض الأطفال توزيع طبق الفول و الحمص على الجارات , فالحياة باتت أصعب و أقسى و بات الناس يرفضون أن يحتفلوا بمثل هذه الأشياء وسط الحزن و الألم و وسط أصوات النشاز الهاتفة :" بدعةٌ بدعة " , فبوسعدية أصبح مفقوداً خرج و لم يعد , و بيته لم يعد إلا ركام تراب يرقد بجانب منارة إخريبيش , أما الكحل على أعين الفتيات الصغيرات قد ساح بعد امتزج بدموع حزن على أخٍ قُتل غدراً و القاتل مجهولة .
تعود للغرفة الحالية في الزمن الحالي تنظر لكل الأقرباء و على وجهك ابتسامة فرح بسبب الذكريات , تجد بأن الكبار ما زالوا يتحدثون عن ذكرياتهم أمام المائدة التي شملت بواقي طبق "السليقة" و أطباق البليلة التي أعدتها جارتكم , تستمع لحديثهم مستمتعا ببساطة الحياة حينها عندما كان الأطفال يدورون في الشوارع باحثين عن الفول و الحمص و طالبين لعاشورتهم مرددين :" اللي ما تعطيش الفول يقعد راجلها مهبول" , و كيف أنهم كانوا يخافون من الفتاشة , تلك الغول التي كانت تأتي لتفتش بطون الأطفال في أسطورة لا أذكر بقيتها , عند بوسعدية و ركضهم خلفه مرددين :" وين حوش بوسعدية" , وكيف تجلس الفتيات عند العمة أو الخالة التي تأخذ الكحل بيدها و تضعه على أعينهن .
تكتشف بأننا بدأنا في نسيان هذه العادات,بأنه شيئاً فشيئا بدأت عاشوراء تفقد متعتها , بل و كل المناسبات كذلك فمن الطفل الذي سيصدق وجود غول اليوم , ربما سيصدق وجود مصاص دماء أو "زومبيز" و لكن لن يؤمن بالغولة فهي أسطورة قديمة , حتى بعض الفتيات لن يعجبهن الكحل العادي , و سيرفض بعض الأطفال توزيع طبق الفول و الحمص على الجارات , فالحياة باتت أصعب و أقسى و بات الناس يرفضون أن يحتفلوا بمثل هذه الأشياء وسط الحزن و الألم و وسط أصوات النشاز الهاتفة :" بدعةٌ بدعة " , فبوسعدية أصبح مفقوداً خرج و لم يعد , و بيته لم يعد إلا ركام تراب يرقد بجانب منارة إخريبيش , أما الكحل على أعين الفتيات الصغيرات قد ساح بعد امتزج بدموع حزن على أخٍ قُتل غدراً و القاتل مجهولة .