الأحد، 27 ديسمبر 2015

تهريسة طفل

منذ سنواتٍ لا أذكر عددها لأني لم أعُدها يوماً , و ما فائدة عد السنوات التي مضت , فهي قد مضت , مالفارق بين السنة التي مضت و السنتين؟! , فكلاهما بات من الماضي لا يمكن أن تلمس فيه شيئاً ,
كنت طفلاً  كغيري من الأطفال يعيش في عالمٍ سحري من الخيال , تارة يكون فيه طياراً و تارة أخرى يكون فيه طبيباً .
كنت صغيراً في العمر كبيراً في الطموح , فهذا ما كبرت عليه , هذا ما تعلمته , من كل شيءٍ كان حولي , من الأغاني التي تعلمتها في فصول الروضة , كنت دائماً أتخيل ذاك العصفور الذي تتحدث عنه الأغنية التي حفظتها عن ظهر قلب ( يا عصفور يا صغير يا بوجناح حرير ريشك مزال صغير ماتقدرش تطير) , تخيلت ذاك العصفور يقف على كل شجرة رأيتها أمامي , كانت البراءة عنواناً , صباحي كان بين قاعات الروضة مع أطفالٍ أخرين , و مسائي  بين كواكب سبيس تون , تلك الكواكب التي كبرنا بينها و بين أغانيها,  عندما كانت تلك القناة (قناة شباب المستقبل) , تلك كانت أمنياتي , بأن أكبر و أصبح شاب من شباب المستقبل , بأن أكبر مثل ذاك العصفور و أصبح قادراً على الطيران في سماء الوطن .... وطني الذي أحببته و عشقته عندما كنت طفلاً , الوطن الذي تمنيت أن يفنى عمري من أجله يوماً ما , ف(شرف الوطن أسمى مني و من ما قد يجول  بفكري في أي زمن) , تلك كانت كلمات  كبيرة كبر الوطن في عقلي , ربما كنت أرددها في طفولتي دون أن أعرف معانيها , و لكن كان لها طعم مجهول السر.

كبرت و انتهجت ما تعلمته في تلك الرسوم , تعلمت الشرف و عهد الأصدقاء , تعلمت الإصرار و عدم اليأس من حسان صاحب الشعر الأحمر ذاك , كانت تلك الكواكب هي المدرسة التي كنت ارتادها بعد عودتي من مدرستي الصباحية ..... طفلٌ صغير تملئ عقله الأحلام و الأفكار كما تملئ الكتب حقيبة ظهره, و لكن للأسف لم أكبر لوحدي , بل كان وطني هو الأخر يكبر , فما أن وصلت لشبابي حتى شاب وطني , شاب و أصابه الخرف فخرج من بيته و تاه , ضاع مني الوطن فأصبحت أنا ريمي و بات الوطن أمي الذي أبحث عنه , تاه الوطن في برد الشتاء كبائعة الكبريت , لعله وقف مثلها يستجدينا بأن نلقي له اهتماماً , و لكن لم نفعل , كان كلٌ منا يبحث عن مصالحه ولم ننتبه للوطن الواقف هناك يرجو المساعدة , كبرت و لم تعد تلك الأغاني بالنسبة لي إلا مجرد أغاني حفظتها يوماً , فذاك العصفور تعلم الطيران و طار بعيداً و هاجر , و ذاك الأرنب الذي غنينا له ( أرنب أرنوبي أرنب احذر من غضب الثعلب) , كبرنا و اكتشفنا بأن هذا الأرنب هو الثعلب نفسه , و روضتي التي كنت أتغنى بها قائلاً (ما أحلاك انتي يا روضة ) , لم تعد إلا مبنى مهجور بعد أن أصبح روادها الحاليين أطفالاً يلعبون بالسلاح في الشوارع ... أما أنا فقد وقفت في شرفتي ناظراً للغيوم الماطرة في السماء مستذكراً أنشودة تقول ( يا غيمة يا جايبة قطرات امية عندي وردة ذابلة اسقيها ليا ) , نعم ... ولكن ليست الوردة هي التي ذبلت لكن وطني هو الذي ذبل , و قد وجدتنا جارتنا شمسيتها (الرايحة) و ودعتنا , و قطوستنا ماتت برصاصة طائشة وقعت من العدم , و أنا فمازلت أريد (حوش خوالي اللي فيه ظلالية) ظلالية العائلة الدافئة , أه يا أيام الطفولة.

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

براد شاهي 7 ( بكرج القهوة)

ها أنا ذا , بعد أن كتبت و أطلت( براريد الشاهي) , و عبرت فيها عن كل ما جال في خاطري و خيالي , ثم قررت اعتزال الشاي و هجر كل إدمانه , وجدتني قد وقعت في إدمانٍ أخر , إدمان القهوة , تبدل البراد فبات بكرجاً , و تبدلت الطاسة فأصبحت فنجاناً أستحضره أمامي كل صباحٍ , أَمَتِع أنفي برائحته , و تستمع عيناي بالنظر إليه ... لماذا أحببت القهوة ؟.... لا أدري ولا أعلم , ولكن يبدو بأن الله خلقني رجلاً لا يستطيع إلا أن يُحب شيئاً , فإن لم تكن الشاي سيكون القهوة, و إن نسيت كلاهما .... لا أريد التفكير في ما بعد القهوة .

حديث العهد هو إعجابي بالقهوة , لا أعلم سبب إعجابي بها , أتراه لونها ؟ أم لعله عطرها الزاكي ؟ , قد يكون تناقضها و امتزاج المرورية بالحلاوة فيها , ما أعلمه هو أني أُعجبت بها , و أدمنتها حتى أصبحت هي وحدها خليلتي في كل صباح , لا بل في كل اليوم , أجلس لها اليوم كله أخاطبها و أشاركها تفكيري فتسمعه يخرج عاليا من عقلي رغم أني لا أنطق , هي كل شيء جميلٌ ربما أكون قد تخيلته يوماً , و لكن لن أحدثها عن ذلك يوماً , ولما أحدثها عن ذلك ؟! , لماذا تُخبر أحدهم عن مشاعر و أحاسيس ؟! .

كان هذا هو السؤال الذي جال بخاطري منذ همسات الصباح الباكر اليوم , فكرت فيه لساعات و ابتعدت عنها حتى لا تشوش على تفكيري , فلقلبي قدرة تشويشٍ علي لا يمكن لي أن أقاومها , ولا يمكن لعقلي المُتبجح بحكمته دائماً أن يقاوم هذا العقل , عقلي الذي دائما كان يقول بعدم جواز البوح بالمشاعر , و ضرتها بالصحة , فهو الذي دائماً كان يقول بأن الاعتراف بالمشاعر ضُعف و ما هو إلا تقديم ذراعيك لسجان حتى يقيدهما بسلاسل ضخمة ثم يتحكم فيك كما يشاء , أعادها عقلي مرات و مرات , أما قلبي فقد كان يكفيه القول بأن هذا الاعتراف لن يكون مثل غيره , أحمقٌ هو قلبي فالسجان هو سجان مهما كان شكله و كلامه .

بدأت مناظرة بين قلبي و عقلي , وقف فيها القلب محامياً عن بكرج القهوة , أما العقل فكان المدعي العام , تنحنح قلبي في بدلة المحاماة مُغنيا :" قاضي البلاج يا قاضي مشتاق للصيف الماضي و جيت على الحبايب لقيت مكاني فاضي" , ثم بدأ في الحديث عن حاجتي أنا لشيء أحبه , و أنه ليس ذنب المتهم بل هو ذنبي أنا , فجاء رد عقلي قائلاً للقاضي المجهول الجالس على كرسيه بالأعلى , بأن هذا القلب الذي يدافع الآن عن المتهم هو الذي شبكنا و أوقعنا في كل هذا "و اللي شبكنا يخلصنا" ,  هكذا استمرت الجلسة و في كل مرة يبدأ أحد أعضائي هذه - و اللذان لا أملك أدنى سيطرة عليهما – في الحديث , في كل مرة يقول أحدهما شيئا فترتسم على شفتيه ابتسامة النصر ظناً منه أنه المنتصر , قبل أن يبدأ الآخر في الرد عليه فيُسكته و يُفحمه , كان هذا ما حصل في أخر مُرافعة لقلبي و الذي ظن بأن هذا القاضي سينطق بالحكم لصالحه , بأنه سيأمرني بأن أعترف للقهوة بحبي لها , قبل أن يستدعي العقل شاهده الوحيد , دخلت نفسي من باب القاعة شاحبة اللون , أمرها القاضي بأن تبدأ الحديث , فبدأت بالحديث عن أول حُب لها :" أول مرة تحب يا قلبي و أول يوم اتهنى ", ثم استمر في الحديث عن ذاك الحُب الكارثي الأول حتى وصل ل:" ياما على نار الحب قالولي ولقيتها من الجنة " فالتفت حينها تجاه القاضي و قال :" بأن كل هذا كذبٌ يا سيدي القاضي" , فالحب بالنسبة لي لم يكن الا صفعات تلقيتها مِن من كان حبيباً , سواء كان الحبيب الأول الذي (سافر من غير وداع ساب في قلبي جراحه) أو الثاني الذي كان لسان حال الواقع يقول عنه (لست وحدك حبيبها) بل كل الذكور كذلك .
بدأ القاضي في النطق بالحكم بعد أن أنهى الطرفين كلامهما فقال.............
اللعنة لقد نفذ فنجان القهوة .

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

تهريسة ميلود

صباح يوم الميلود...
لم أشعل قنديلي البارحة .. ولم نعصد اليوم , ليس لأنها بدع , إنما لأنها الغربة , خرجت بالأمس باحثاً عن قنديلٍ أشتريه , درت في بلاد الفرنجة هذه فلم أجد سوى الأشجار في اسواقها , فميلاد المسيح عيسى هو الأخر قريب , و كما يقول المصريون , محمد نبي و عيسى نبي و كل من له نبي يصلي عليه , عدت من بحثي للبيت خائباً حزيناً , فالليلة هي المرة الأولى منذ عشرين عاماً لا يكون لي قنديلٌ أنيره , و كم كنت محتاجاً لذاك القنديل , لعله يضيء لي بعضاً من ليل الغربة المظلم , هي المرة الأولى منذ وصولي التي أفتقد فيها لمة الأهل , اجتمع رفقاء الغربة و إخوة المهجر , علت بيننا الضحكات و النقاشات , و بداخلي علت أصوات الذكريات , تذكرت اجتماع الأهل في بيت الجد , تضيء الشموع و القناديل المكان , و يملئ المكان صوت اللمة و أصوات الأغاني الخارجة من القناديل , مرت كل القناديل التي امتلكتها يوماً أمامي , و استحضرت أذناي كل الأغاني التي خرجت منها , ابتداءً من (طلع البدر علينا) و (يا طيبة) , تذكرت عندما كنا نخرج في الشارع كصبيانٍ صغار يحمل كل منهم قنديله أو (بيلته) , كان أكثرنا فرحا من حصل على ليزر, لم نكن نعرف لتلك الأشياء استخداماً سوى أنها تعطينا الفرحة في تلك الليلة , قبل أن نفقد اهتمامنا بها , فقد كبرنا , من ذا الذي قال بأن الإنسان يكبر على هذه الأشياء ؟! ..... لا أدري , ولكن اكتشفت اليوم مدى حماقتي عندما صدقته , فالمرء لا يكبر على الفرحة , بل هو يصغر أمامها , ارتسمت على شفتاي ابتسامة كنت قد فقدتها منذ أن فقدت طفولتي , قبل أن يقوم الجمع ويرحل و أدخل لغرفتي فأنام , للمرة الأولى أنام باكراً في هذا اليوم , للمرة الأولى منذ أن أبصرت على هذه الدنيا , أنام و بطني خالية من تلك المكرونة التي كانت عشاءً لنا في هذا اليوم , كان لها طعماً مميزاً و وراءها سراً غريباً , ربما يكمن السر في أن كل نساء العائلة تجتمع لتطبخها , كل منهن لها دورٌ فيها , فيكون العشاء مطبوخاً على دفيء العائلة , مُتبلاً بطعم الفرحة .

استيقظت هذا الصباح بمكالمة للأهل في الوطن , الكل يقول لي بأن مكان خالٍ , و أنهم افتقدوني في هذا اليوم , ولكن أنا الذي افتقدتهم , افتقدت صباحاً كنت استيقظ فيه على صوت العالي , صباحٌ كان يبدأ من رؤية الجد و الجدة , ربما لهذا مازلت أشعر بأن صباحي لم يبدأ اليوم بعد , فالجدة في دارها هناك , والجد في دار الحق عند ربه , أنهيت المكالمة و أسندت رأسي إلى حيث كنت أجلس , فلاح أمامي خيال طفلٍ صغيرٍ أخذه أبوه في مثل هذا اليوم منذ 16 عاما تقريبا إلى الزاوية , كانت المرة الأولى التي يذهب فيها ذاك الطفل إلى هناك , دخل فوجد المكان مزدحم بالناس و في المنتصف , جلس رجالٌ بيض الثياب يحمل بعضهم طبلاً و بعضهم بنديراً و يجلس آخرون هكذا , دونما شيء يحملونه , بدأ ضرب البنادير و الطبول , ضربٌ إيقاعي , جعل قلب يخفق مع كل ضربة , و بدء الجالسون يغنون ..
لا لم يكن ذلك غناءً بل كان شيئاً أخر أجمل و أسمى , كان اسم الله و اسم نبيه يُذكر في كل المكان , ولم يعلم إذا ما كان أحدهم رش عطراً في الجو أم أن هذا الذِكر هو الذي فاح عطره , الكل كان سعيداً و مبتهجاً, حتى ذاك الطفل الذي وقف مبهوراً بالعالم الذي اكتشفه , وما زاد فرحته و بهجته تلك الحلوة لذيذة الطعم التي اشتروها من هناك , لم يحفظ هذا الطفل اسم تلك الزاوية يوماً , و لكنه كان يحفظ مكانهاً , كانت بجوار محكمة الشمال , يحتضنها من الخلف شارع عمر المختار و مسجد بن كاطو , و عن شمالها ويمينها كانت المحكمة و أزقة ضيقة خرجت من الشابي تبحث عن مصدر هذا الصوت , الصوت الشجي الذي كان يردد :"
يا أمنة بشراك
سبحان من  أعطاك
بحملك لمحمدٍ
رب السماء هناكِ".

ما زال يذكر كل هذا حتى لو أن سنواتٍ قد مرت على ذهابه هناك أخر مرة , سنواتٌ مرت على خروجه منها حاملاً قطعة حلوة يتلذذ بها و هو يتمشى على الكورنيش , مازال يذكر كل هذا , كان هذا الطفل أنا , أنا الذي توقفت عن الكتابة الآن وجال بخاطري سؤال ..... هل يذكر البحر مشيِّ بجواره أم أن تتابع الأمواج جعله ينسى , هل تذكرين يا زاوية الرفاعية أم أنساكِ صوت القذائف حولك كل تلك الطبول التي قُرعت بداخلك ؟ ... هل تذكر أنت يا اخريبيش تجوالي فيك بعد الخروج من هناك ؟ , هل تذكر عندما كان أبي يُعرفني عليك و على كل أبنائك من شوارع ضيقة مُمتدة في حضنك , أم أنك كتبت هذه الذكريات على حجارة مبنى عتيق ضربه صاروخ فأوقع الحجارة أرضاً و أردى المبنى قتيلاً؟!؟!.

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

بدعة


زكاتك من المال ........ بدعة
أكلك للعصيدة .......... بدعة

وزعوا مناشيركم ,و لتُبَدُّعوا, و لتكفروا أنتم أيضاً من يخالفكم , ما الفارق بينكم و بين من يسمون بالخوارج ؟! فالتكفير هنا و هنا , فليقل لي أحدكم لماذا تسمونهم تكفيريين ؟! ولكنكم لا تملكون لهذا وقتاً , فالحديث عن قيادة المرأة للسيارة و كيف تؤثر القيادة على مبايضها يأخذ كل وقتكم .

خذوا ما تشاءون  من وقت في هذا , فهو حقاً لإنجاز علمي , و لتأتوا بعد ذلك فتعتلون منابرنا , تصرخون بأعلى حناجركم في وجوه المواطنين تنهونهم عن مثل هذا الفعل , لم يعد للأمة مشاكل و هموم سوى الإجابة على السؤال ( هل ينقض الوضوء حمل قربة فيها ريح خرجت من أحدهم؟) , فليصرخ خطبائكم بأعلى صوتهم و أخشنه , وليزمجروا , و لينهروا بقوة الصوت من لا يمتثل لهم , فهذا الشعب الفاسق المبتدع يعطي زكاة الفطر مالاً , و جعل مولد النبي احتفالاً , اصرخوا فيهم , فهم لا يفقهون .

أما تعلمتم درساً من الذين سبقوكم ؟ أما علمتم بأن القوة لا تجدي نفعاً مع هؤلاء شيئاً ؟ ألم تنظروا لسيرة من تقولون بأنكم تتبعونهم و عرفتم كيف كانوا يخاطبون الناس ؟, فليصرخ خطبائكم على المنابر , و لكن أخبروهم أن يخفضوا صوتهم قليلا , فمكبرات الصوت ستتمزق من شدة صوتهم , ولا يوجد بالمسجد مالٌ نشتري به مكبراتٍ أخرى فالمتبرعون قد نفروا و هجروا المسجد بعد امتلاءه بأصواتكم الشذية .

حتى لو أرسلتم إلى الأسواق نفراً منكم , ومنعتم بيع العسل و الرب , سأكل العصيدة , فالدقيق موجودٌ عندنا, و كذلك السمن , و حتى لو نفذ, سأخذ من جيراني , سأكلها حتى لو منعتم بيع كل مكوناتها , ولكن قولوا لي أنتم , من أين ستأتي فتوايكم إذا ما فقدنا الاتصال بالسعودية ؟! , سأعلي صوت جلسات المدح و الحضرة , حتى لو لم أكن يوماً من مستمعيها , و لكن في هذا اليوم سأعليها , وليلعني كلٌ منكم ويصفني بالمبتدع , ولكن فليجبني أحدكم , هل كان الرسول يوماً سلفياً ؟! , هل اجتمعت مجموعة من التابعين و تفرقوا عن المسلمين بأن سموا لمجموعتهم اسماً و قالوا بأنهم هم الوحيدون الناجون الداخلون الجنة و قال بأنهم سلفية ؟
لم أقرأ يوماً في تاريخنا عن شيء كهذا , و لم أعرف في القرآن من مسمياتٍ سوا (مسلمين) , فمن أين أتيتم باسمكم هذا ؟ , أم تراه هو الأخر بدعة  ؟!!!!.

السبت، 12 ديسمبر 2015

براد شاهي 6 (الشاهي أم القهوة؟)

صباحٌ أخر خرجت فيه متجهاً إلى الجامعة في بداية يومٍ دراسيٍ أخر , انتظرت في محطة الحافلات قليلاً قبل أن تأتي , شققت الصفوف و قاتلت حتى تمكنت من الصعود وسط جموع الطلبة , و بمعجزة من أعلى وجدت مقعداً شاغراً ينتظرني من بعيد , أسرعت إليه و جلست , فأخر ما تريده في هذه الحافلات أن تظل واقفا في هذا الزحام , جلس في المقعد الذي أمامي فتاةٌ زنجية ذات شعرٍ أحمرٍ فأدرت رأسي ناحية النافذة , و جعلت عيناي تتأملان الطريق و كل شيءٍ في الخارج , أما عقلي فقد سبح بعيداً .... إلى أين ؟! ..... لا أعرف ولكنه لم يكن هنا في هذه الحافلة ولا في هذا البلد , بل ولم يكن في هذا الكون أصلا , سبح إلى كونٍ أخر , إلى عالمٍ موازٍ تجلس فيه حسناءٌ بيضاء ذات شعرٍ كستنائي و عينان عسليتان , بدلاً عن هذه السمراء الموجودة أمامي الآن .
و بينما أنا كذلك داس أحدهم على قدمي فقطع حبل أفكاري و أعادني من عالمي إلى عالمهم , نظرت فوجدت أن الحافلة قد توقفت و بدأ البعض ينزل منها , لم أهتم لذلك ولكن أسندت رأسي إلى النافذة و أدرت عيناي للخارج محاولاً العودة لعالمي , ولكن عبثاً حاولت , أوقفني عن محاولاتي رائحة عطرٍ أنثوي
جميلٍ , اقتحمت أنفي و جَعَلَت عيناي تبتعدان عن الخارج و تنظران لمصدر هذه الرائحة , صُدمت حين رأيت بأن تلك الفتاة الزنجية قد ذهبت و جلست مكانها أخرى , كانت هي التي رأيتها في عالمي الموازي , نفس الشعر , ذات العينين ... هل ما أراه حقيقي أم أني مازلت أسبح في خيالي ؟ لم أزعج رأسي بكثرة الأسئلة , و حتى لو حاولت إزعاجه , فعقلي قد توقف عن التفكير بي و بما حولي , قد ذهب عقلي معها , و تركت عيني تأمل ما خلقه الله في الخارج و بدأت تتأمل في التي خلقها الله قبل سنوات ثم أجْلسها أمامي
 الآن , لم تكن مثل ما رأيت من نساءٍ أبدا , أتراها عربية أم أعجمية ؟ كل ذلك لا يهم , ملامحها و لونها كانت تدل بأنها من حوض المتوسط , ما أجمل المتوسط و ما أجمل نساء المتوسط , نظرت إلى كتبها التي في يدها فعرفت بأنها تركية , نعم إنها تركية كتلك اللائي نراهن في المسلسلات , إنها سلطانة من عهد السلاطين , و ماذا عساي أن أكون في ذلك العهد ؟ ... سأكون أي شيء سأكون خادماً في قصر السلطان, حتى أتمكن في رؤية هذا الجمال في كل يوم و سأكون شاكراً و مسبحاُ لله على ذلك , فعندما يُرى هذا الجمال يجب ذكر الله بعده وقبله , و هذا ما فعلته , شكرت الله على قيام تلك و جلوس هذه أمامي حتى أنظر و أتمعن النظر , ولكن لن أفعل شيء غير النظر , فحتى لو كتبت أصابعي شعراً  لهذا الجمال و غنت عيناي هذا الشعر , فإن لساني هو دائماً أبكم أمام كل جميل , لا ينطق إلا في خيالي , تخيلت بأني علاء الدين و هي ياسمين , و هذه الحافلة ليست حافلة بل هي بساط الريح يأخذنا إلى حيث نريد , لم ترمش عيني منذ أن جلست , و الحمد لله بأني مرتدٍ لنظاراتي و إلا لانتبهت هي بأن هناك من يحدق بها منذ قعودها , ولكن ليس الذنب ذنبي فحتى الأطيار و الأشجار التي كانت تنشد أناشيد الصباح في الخارج , امتنعت عن الغناء و وقفت تراقبها مأسورة من جمالها .
فجأة قامت على قدميها و خرجت , سُحبت مرة أخرى إلى الحافلة و نظرت حولي فوجدت بأن محطتي قد فاتت , لم أهتم إلى ذلك فمحطتي عند هذه الجميلة , نزلت و سرت خلفها قليلاً مفكراً في أن أخاطبها لعلي أعرف موعد قدومها ورحيلها , ولكني عدلت عن ذلك , وفضلت جعل رؤيتها صدفة كما حدث اليوم , فأجمل الأشياء تلك التي تأتي دون تخطيطٍ مسبق , اللهم إلا لو كانوا ضيوفاً جاؤوا لمنزلكم .
شعرت برغبة في أن أكتب عنها , ولكن لم يكن عندي قلمٌ أو ورقٌ حينها فأبقيت عقلي منشغلاً بالتفكير بها حتى لا أنسى أي تفاصيل عنها , و في المساء عدت إلى المنزل , وبدأت في الكتابة بينما أشرب بعض القهوة , بعد أن اعتزلت الشاي , و عندما أكملت تساءلت , هل يمكن أن تحل القهوة مكان الشاي ؟

الجمعة، 11 ديسمبر 2015

لماذا نؤمن بالله ؟

لماذا نؤمن بالله ؟ هل رآه أحدٌ منا أو كلمه ؟ إذا لماذا نؤمن بما لا نراه و نقوم بعبادته ؟ أم أنها مجرد عاداتٍ توارثتها الأجيال؟
إيمان البشر بوجود إله يأتي من شعورهم بالصغر و العجز في هذا الكون و إحتياجهم لمن يلجؤون إليه عند الضعف و طل المساعدة و بأنهم مهما تطوروا في كل المجالات سيبقون عاجزين عن صُنع شيء له روح أو شيء معقد التصميم , كهذا الكون بما فيه من أشياء ليش لها حدود كالمجرات بما فيها من كواكب و شموس أو كشيء صغيرٍ يعيش على الأرض كالذبابة , لذلك كان لا بد أن يؤمنوا و يضعوا كامل إيمانهم بمبتكر هذا الكون , أن يؤمنوا بقدرة عظيمة صانعة , بعضهم سمَّاها إلهاً و بعضهم سمّاها الطبيعة .
فلو نظرت و تأملت في كل الأشياء حولك ستدرك بأن صنعها مهندسٌ عظيم , ولكن سيدور كثيراً في عقلك إن وُجد , ستسأل كثيراً من هذا المهندس ؟ و هنا نعود إلى السؤال الأول لماذا نؤمن نحن بالله ؟.
إن كل ما حولنا يدعونا بطريقة أو بأخرى للإيمان بالله , ستحتاج فقط إلى التفكر في كل ما حول من مخلوقات , ربما ستصل في نقطة ما إلى أن تنكر وجود الله , و في الغالب يكون سبب هذا الوصول أسلوب الدعوة الدينية الهابط عندنا مقارنة بأساليب الدعوة الأخرى , و لكن في النهاية إذا ابتعدت عن هذه المؤثرات و واصلت على دربك قد يوصلك هذا إلى إيمان حقيقي نابع من عقلك وقلبك كما حدث مع الدكتور مصطفى محمود رحمه الله , الذي رغم إلحاده إلا أنه عندما أسلم , كان مقتنعا بحقيقة الإسلام فمزج بين علوم الدين و العلوم الأخرى و هذا ما نراه في كثير من كتاباته , و بالحديث عن الإسلام , لماذا نحن مسلمون ؟ و مايدرينا بأن الإسلام هو الدين الصحيح أو القويم ؟
سألت ذات مرة صديقا فقلت " لماذا تصلي؟" فأجاب :" لأنها فرضٌ من فروض الإسلام الذي هو ديننا" , فقلت :" وكيف علمت بأن الإسلام هو الدين الصحيح؟" , نظر إليَّ بتعجبٍ ثم  طلب مني أن أستغفر الله , دون أن أعلم لماذا الإستغفار , هل كان سؤال مُحرماً ؟ لا أعلم , ولكن سيكون هذا رد فعل أي شخص تخوض معه هذه المحادثة في الشارع , ربما سيختلف الجواب قليلاً فيقول البعض بأنهم مسلمون بالفطرة , و أنهم وجدوا أهلهم مسلمين فإتبعوهم .
هل هذا ما يريده الإسلام من أتباعه حقاً ؟ هل يريد أتباعاً لا يعلمون لما أسلموا ؟ ألم يكن كفار قريش يعبدون الأصنام ويقولون (هذا ما وجدنا عليه أبائنا و أجدادنا)؟ إذا نحن لا نختلف كثيراً عنهم , نحن مجرد قوم يعبدون الله دون معرفة السبب , فقط لأن عائلته كذلك.
ألم يتسأل أحدٌ يوماً لماذا كان إسلام الصحابة الأوائل و إسلام أهل الغرب اليوم أقوى من إسلامنا نحن ؟ مالعامل المشترك بين أبي بكرٍ مثلاً و بين أي شخصٍ مُسلمٌ و أبواه غير مسلمين ؟ الإجابة بأن كلاهما اختار الإسلام عن إقتناعٍ كاملٍ به , الإثنن فكرا في الإسلام و دخل الإسلام عقولهم ثم قلوبهم و لم يرثوا الإسلام عن أحدٍ , فالصلاة و الصيام ليست عادات تنقل من جيلٍ لأخر.
و بالعودة إلى طلب صديقي الذي أمرني بالإستغار , هل يُعقل بأن يهبني الله عقلاً أفكر به و يأمرني في كتابه بالتفكر و التعقل فيقول (ألا تتفكرون) , (ألا تعقلون) , بل و يدعوني إلى التأمل في خلقه و التفكر فيه , و التفكر يشمل في أن تسأل عن كل شيء تراه و تفكر في إجابات له , ثم عندما أفعل ذلك و أتفكر و أتعقل أكون مذنبا ؟ , فلنعد إلى سيرة عليٍ ابن أبي طالب الذي عندما دعاه ابن عمه محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام قال له :" يا محمد دعنِ أفكر يامحمد) قالها و هو ابن الإثنى عشرا ربيعاً .
هل حقاً يريد الله عباداً يؤمنون به و يدينون بإسلامه دون بصرٍ أو بصيرة , دون أن يدركوا لماذا هم مسلمون , أو أن يقومون و يصلون و يصومون فقط لأن أهلهم كانوا مسلمين و إذا ما سألهم أحدهم عن دينهم يقولون (هذا ما وجدنا عليه ابائنا الاولين) ؟
و أخيرا يقول الحديث (بدأ الإسلام غريبا وسينتهي غريبا فطوبى للغرباء) , سيأتي بضعة أشخاص من جماعات مخلتفة يتباهون بأنهم الغرباء , و لكن كيف يكون الإسلام غريبا بين ملايين البشر , كيف سيتنهي غريبا و في كل بقاع الأرض هناك مسلمون ؟
ربما لأنه بات مجرد عادة نتوارثها ولم نشعر بها حقاً , فنحن مسلمون كما تشهد حكوماتنا ببطاقتها و كم تشهد تطبيقات الفيسبوك و التويتر من أدعية و خلافه , و لكن هل تجاوز إسلامنا ذلك و دخل العقول و القلوب , هل أسلمت أنت يا من تقرأ الأن عن إقتناع أم أن الدين هو شيء أخر إختاره لك والداك ؟.

الخميس، 10 ديسمبر 2015

حبيبتي الأولى

قد هجرتك و رحلت فاعذريني
ليس الفراق مني بل على الفراق
أنت أجبرتيني
فضلتي علي هؤلاء الطامعين ورفضتيني
أحببتك و عشقتك ولكن يبدو أنك
لم تحبيني
قدمتك على كل شيء
و بحبك أنتِ عذبتيني

قد مرَّ شهرٌ أو اثنان على فراقك , لا أعرف ولكن ها أنا برفقة أخرى و للأسف لم انساك , مازلت أراك فيها, أقارنك بها , أقارن إنحنائتها بإنحنائتك , دفيء حضنك بحضنها , ولا أعرف لماذا؟ مالذي فيك لا يُنسى؟ مالجمال الذي تملكينه و لا تملكه غيرك؟ أنتِ من أبشع مما رأت عيناي أبداً , ولكن يبدو بأنه الحب الذي يُعمي العين و يُوقف العقل.

هجرتك و لم أكن نادماً على ذلك , فقد سئمتك , سئمت كل أولئك الرجال الذين يستغلون كل شيء فيك , و الذي كنتي مادية معهم , فالبسطاء منهم جعلتيهم يقفون بالطوابير تحت شباكك لينالوا لحظة فرحٍ معك , و أصحاب البدلات يعبثون بلحمك في كل ليلة , أذكر وقوفي في طوابيرك رفقة البسطاء, سمعت أحادثيهم عنك و صبرت عليها كثيراً , رأيتهم كل يوم يأتون طامعين فيك , وصبرت على كل ذلك , لم أغر و لم أفكر يوماً أن أنطق أو أعترض بل كنت ذلك الذي إحتمل كل عيوبك , كل قرفك و مزاطك , لهذا رحلت و لهذا تركتك , فإلى متى سأظل صامتا ؟.
بالأمس رأيت بعض الصور القديمة لك , صور حركت مشاعري و عبت بذاكرتي , عندها أدركت بأنك قد كنتِ جميلة في يومٍ ما , بل رائعة الجمال , تذكرت كل ما أعجبني فيك , تذكرت الحضن الدفيء الذي لطالما وجدته فيك , تذكرت كم مرة سرت أتجول بين أحضانك حيث وجدت نفسي , ربما لم أرى الكثير , ولكن كل اللوائي رأيتهن لم تكن مثلك يوماً , رأيت صوراً لمنزل العائلة القديمة في خريبيش, فسبح عقل حتى وصل إلى شواطئ طفولتي , عندما كان يأخذني والدي إلى هناك , تذكرت أول مرة لامست فيها ماضيك و ماضيَّ أنا , عندما دخلت من ذلك الباب و نظرت فوقي إلى السقف , كانت المرة الأولى لي في منزلٍ من هذا النوع, منازل أهلنا القديمة , دخلت إلى المنزل و تجولت في غرفه أو ما تبقى منها , رغم أن أغلبه كان مهدما لكبر سن حجارته , و لكن شيء ما في هذا المنزل جذبني , و كأني تربيت فيه طول طفولتي , ربما لأنه ضم بعض ذكريات العائلة , أو ربما تراه شجرة الورد البلدي تلك ذات الرائح الخلابة , أراني أبي تفاصيل الحاضر من البيت و حاولت تخيل المفقود منه , ثم خرجنا من البيت , خرجنا سائرين ولكن جزء من قلبي ظل هناك , وفي ذاك اليوم جزء أكبر من قلبي أصبح لك , استمر أبي في الحديث عن الشوارع و البيوت , و أنا كنت طفلاً مبهوراً يمشي سعيداً و كأنه في محل حلوى , ربما كانت هذه الشوارع ألذ من الحلوى بالنسبة لي, كنت بشوارعك أجمل ما عندي.
تحسر أبي كثيراً على أيامهم تلك , و ها أنا اليوم أتحسر على أيامي و أيامه , قد كنت حقي رائعة , ولكن منذ أن عاشرتي زمرة الفاسدين هؤلاء الذين جاؤوا من شرق البلاد و غربهم طمعاً فيك , منذ أن رحبتي بهم و أسكنتهم داخلك و بالقرب منك , وأنتي مثلهم فاسدة , شوهوك , فأريتي من يحبك هذا الوجه المشوه لك , لم تعودي أنتي التي أعرفها , لم تعودي تلك التي فُتنت بها , ولكن ستظلين دوماً حبيبتي الأولى .

الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

رسائل مغترب (عزيزي الفوكس)

عزيزي كريم ..
كيف حالك أيها الملعون ؟ أنا بخيرٍ و لكني ألومك كثيراً , لماذا لم تعد تأتي كل يومٍ لتزعج أمي في كل صباح بإيقاظك لي و تزعج كل من حولنا من جيرا بتبيبك حتى أخرج إليك بوجهي المتكرمش من أثر النوم في الحر , حاملاً معي كوب الشاهي و الحليب خاصتي , إني لأشتاق لتلك الأيام حقاً.
طمئني هل وجدت مرافقاً صباحياً أخر يحل محلي على مقعد مساعد السواق في تلك التيدا المتهالكة التي تقدسها؟ أنا لم أجد أي شيء , لا من يزعجني في الصباح ولا حتى تيدا مثل التي عندك .
اشتقت لتلك الأغاني التي سمعناها كل صباح في مسيرتنا للقندلة على عباد الله محاولين إيجاد  من يؤمن لنا جرعات تكيف دماغنا الصباحية , و يا أخي أخبرني ماذا فعلت أنت في تلك الأغاني ؟ فسماعها هنا لم يعد يكيفني ولا أدري أهو تأثيرك أم تأثير سيارتك فيها .
كيف حال الجميع ؟ كيف حال صاحب مطعم ال كي اف سي (كول فاصوليا ساخنة) عمران , هل وُفق في مشروعه أم لا ؟ إنه لحقاً أحد الناس الجيدين القلائل الذين رافقتهم في سيارتك .
كيف حال بنغازي و شوارعها ؟ هل ما تزال مزدحمة كريهة ؟ يا ولدي رغم إني هنا في ما ترونه جنة و لكن كم أحن إليها , أحن إلى أصوات المدافع البعيدة , إلى أصوات الرصاص , و إلى النوم بلا كهرباء , نعم أحن لكل هذا , فبنغازي لي كإمرأة أعشقها , و أعشقها بكل قذارتها , فأنا كما تعرفني لم أحب إلا القذرة .
لا تخف لم أدمن شيئا هنا حتى الآن , مازلت أشرب القهوة صباح مساء ممزوجة غالباً بأغاني ذاك الفاجر بالتي أو بعضاً من حفلات الحضرة و أغاني التصوف التونسية التي أخذتها من أنس لعلي ألاقيكما فيها.
لا أعرف ماذا أقول أيضا ولكن بلغة عربية فصحى اشتقت لك و لقذارتك و سوداويتك , اشتقت إلى معارض الفنون , و إلى تقريم عباد الله وسبهم تحت تلك الشجرة عند منزل جدي , أرى خيالك هنا في كل تيدا تمر أمامي , رغم أن التيدا هنا ليست منتشرة كثيراً و هذا أمرٌ جيد , لعلي أنساك يا وجه الفقر.
أرسل سلامي إلى كل أولئك الكريهين الذين عرفناهم , و في الختام أدعو الله أن تموت و أنا هنا , لا أضطر للوقوف في عزائك , فيكفي أنك أتعبتني في محياك , و لا أريد أن تتعبني في موتك .
دمت بصحة يا فوكس
صديقك الحي في بلاد الأحياء
 هكسي الملقب بأحمد

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

رسائل مغترب (عزيزي أنس)

عزيزي أنس
بعد السلام و التحية
قد وصلني بالأمس خطابك ولم أعلم لما قرأته مرة و اثنان وثلاث , وفي كل مرة كنت ابتسم , بخصوص الجاك دانيل يا صديقي فلم أعلم لما لم أشربها حتى الآن , ربما بسبب ذاك الضمير الذي يحدثني في كل مرة بأن ما اقترفت من ذنوبٍ عندكم تكفيني أو لرؤية نماذج من أولئك الذين يشربونها , فالفئة الضالة المسماة بالليبين هنا نوعان برجوازيون متعفنين يقبعون في منازل فخمة يؤجرون السيارة و يشربون هذه المشروبات في الليل هم في الحانات وفي الصباح نائمون , و طبقة كادحة نست كل هذه الأشياء و تسعى لأن تكد في ما جاءت هنا لأجله , و لأنني كما تعرفني نابذ للبرجوازية كارهٌ لرائحته قررت أن أنظم للفئة الكادحة حتى في المهجر .
هجرت المقاهي و الجلوس فيها فهي غالية هنا يا أخي ولا يوجد فيها إلا أشياء لا أعرف أسمائها و حتى إن عرفت بعضاً منها فهي إما باهضة الثمن ككوب الإكسبرسو الذي يعادل ثمنه ثلاثة دنانير من عملتنا , أو إنها عديمة الطعم ولا أعرف كيف يشربونها , ربما لأنهم لم يتذوقوا قهوة الخطاب , اعتزلت بضعة عادات أدمتنها سابقاً ولكني لم أستطع أن أعتزل اليونايتد , فبالرغم من مستواه الهابط و كل شيء مازال ذاك الفريق يجذبني لسرٍ عظيم , ربما هو كبنغازي رغم دمارها ولا كل مافيها و لكن مازال لها في القلب عشق , ربما لأني أشاهد كل مبارة و حسبي بأنك تشاهدها .
كيف حال كل أولئك الذين جلسنا معهم ؟ كتبت خطاباً للفوكس ولخالد و سأرسلهما قريباً, ولكن طمئني على أولئك الذين لن اقدر على الكتابة لهم , كيف حال ذاك البغباء المزعج , و كيف حال شمامٍ و أوس و أحمدٍ و الطبولي , رأيت لك صورتين الأولى مع شمام و الثانية مع أنس "اللياس" كما تناديه و أحمد بن موسى و شخصٌ أخر لم أعرفه , قد سرني بأني لمحت ذاك الاوريس على الطاولة , و قد سرني بأنك مازلت بديناً , لا أعلم إذا ما كنت كثير الكلام و لكني أرجو ذلك , أرجو بأن يمنحنا أحدهم ساعة ربما نجلس فيها على طاولة نعيد فيها بعضاً من الحديث , لا أعلم أي نوع من أنواع الحديث كان ذاك , أكنا نجلس أم نطير ؟
وجدت في ذاك الحديث سجن القلعة الذي اجتمع به العشاق على رأي صديقنا الشيخ إمام .
على ذكر ذاك العجوز الخرف فإني مازلت في كل يومٍ انفرد به و استمع له و هو يغني لابنه عبد الودود , و ظني بأن هذا حال أبي جاركم في بوهديمة , هو يحدثني في كل مرة عن أخبار المنطقة و عن كم رصاصة انتهى بها مداها عندهم أو في ما حولهم , وفي كل مرة أرجو بأن تكون مقصورتك بخير بعيداً عن هذا , مازلت اقرأ ما تنشره من شباكك و في كل مرة أقول بأني سأكتب مثلك يوماً ما , هنا خطب ما أصابني فلم تعد أصابعي تحن للرقص مع القلم كما كانت , ولم تعد الأفكار تقنص دماغي الفارغ , ربما هو هواء تلك المدينة الموبوءة هو ما كان يجعلني أكتب , ولكن إن حدث و كتبت هنا فبالتأكيد لن أنسى أن أرسل لك , أم الدراسة و ما تلاها فلا تحملني ما لا طاقة لي به .
في الختام قد يقع هذا الخطاب في يد أحدهم و يظن ظن سوء بأننا مُثليان و لكن أقول له ما قال ذاك الشلتوت ذو الشفرولية الرمادية أمام مقهى لافازا , و أنت تعرف ما قاله , ولا تنسى بأن تقرء السلام مني لكل من ذكرتهم .


الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

انا و السيلفيوم

في كوخي الصغير استيقظت , كوخٌ ليس ككل الأكواخ , هناك في بلاد الواق واق الأسطورية خلف كل الجبال و السهول , هناك حيث تتلون السماء باللون الوردي أما الغيوم فما هي إلا قطعٌ خفيفة من غزل البنات , هناك حيث كنت أعيش وحدي و لا يعيش أحدٌ من البشر إلا بضعة ملايين إنسان لم أعرفهم و لم يعرفونِ .
خرجت أتجول في غابات الأمازون المطرية أبحث عن بضعة أغصان نعناع أقطفها لأَعد بها شاهي أشربه بعد غداء اليوم , فالغداء اليوم هو (مكبكة) و بضعة أفخاد من لحم الطائر الأسطوري المسمى عنقاء , بحثت و بحثت و طال بحثي , و بينما أنا كذلك أدور في هذه الغابة مررت بوريقات الكسبر و المعدنوس دون أن أفرقهما عن بعضهما كالعادة , نظرت إليهما طويلاً حتى شردت عن أقدامي التي تابعت السير حتى تعثرت هي و وقعت أنا , في بركة من (زبط الجنة) , نظرت أمامي فإذا بي أجد نبتة السيلفيوم , دُهشت لرؤيتها و سرحت فيها ناظراً حتى أحست بوجودي و انتبهت لنظراتي , ثم نظرت للأرض بخجل , فقلت لها :"أعذرينِ أيها النبتة الجميلة , ولكن أنا الذي تحدثت أساطير بلاده عنك ولم يرك يوما , و عندما رآك تاه في جمالك " .
نظرت هي إلي وقالت :" يبدو لي أيها الشاب أنك من بلاد أجدادي , من ليبيا".
فأجبت موافقا و سألتها عما أوصلها هنا و حدثتها عن أنهم قالوا لنا بأنها انقرضت منذ قديم الزمان , نظرت باتجاهي بينما حركت نسمات هواء آلاسكا الحارة أرواقها كشعر امرأة جميلة , وقالت: "لا أيها الشاب لم أنقرض , ولكن هم أجدادي من ملوا من الحياة هناك و كرهوا بلادك فهجروها " وقبل أن أنطق بحرفٍ واحد قالت: " نعم تستطيع النباتات أن تهاجر , و إنها لقصة طويلة اجلس لأقصها عليك ".
جلست أنا و بدأت هي بالتحدث فقالت:" مل أجدادي العيش هناك فقرروا الرحيل , فحزموا أمتعتهم في حبوب الرحيق و طرحوها أرضاً , و أتت صديقتنا الودودة الريح و حملت هذه الأمتعة و وضعتها على أغصان إخوتنا العمالقة (الأشجار) كان هذا قبل موسم عودة السمان من جديد , لم تمر فترة حتى بدأ السمان بالعودة لوطنها , عندما تقف هذه الطيور على أغصان الأشجار يتم تحميلها بأمتعتنا , و انطلقنا نحو الشمال , نحو بلاد جديدة , عبرنا البحر المتوسط مررنا بدول كثيرة "
صمتت هي لوهلة هنا و قالت:" هل تعلم يا بني سمعت يوماً أحدكم يقول بأن هذه الطيور غبية بإمكانها الهجرة و دائما ما تعود إلى هنا , هل تعلم بأنكم أنتم الأغبياء فهذه الطيور ليست إلا مساجين من السمان يؤدون فترة عقاب إلزامية في بلادك , ألم تستغرب يوما بأن قائدهم لا يتوه عن الطريق , فهو ضابط تابع للسجن يقود الرحلة عبر البحار وحده لا حراسة ولا مراقبة , فمن كان يريد الهرب فليهرب فنهايته لن تكون إلا ميتاً" .
"وصلنا أخيراً لبلاد مجهولة الاسم , قومها غير قومنا في كل شيء لا نفس اللسان ولا نفس الكلام ولا اللباس , رمتنا طيور السمان على متن عربة كنا نظن بأنها تتجه بنا نحو غابة بعيدة , ولكن هذه العربة دخلت سفينة عظيمة مهولة , كل من فيها كان فرحاً بشرٌ و حيوانات , و نحن الممثل عن جنس النباتات , و لا أقول بأننا أحسنا التمثيل حينها , انطلقت هذه السفينة و بعد أيام وليالٍ عانينا من دوار البحر فيها , سمعنا صوت اصطدام مهيب , و اذا بنا ارتطمنا في جبل جليدي مهيب , و بدأنا في الغرق , توزعت عائلتي كل يبحث عن شيء ينجيه من الغرق , و بينما كنت أسبح تقدمت لي قطعة من الخشب أبناء عمومتنا فأمسكت بيها , لم أكن لوحدي عليها , فقد كانت هناك شابة نائمة عليها و شابٌ ممسكٌ بها , و نتيجة لثقل وزنهما و ضعفي أصبحا هما المتحكمان بقطعتي يحركانها يميناً و يساراً حتى غرقت و وقعت في المياه المتجمدة و كنت صغيرة وقتها لا أعرف السباحة , ظلت التيارات ترميني ذات اليمين و ذات اليسار حتى رمتني أخيرا في القاع , ظللت هناك أيام و أسابيع و شهور حتى أخيراً جاء نوعً لم أره في هذا المكان قط أسماك جميلة كبيرة يقال لها "سالمون" , بينما أنا أشاهد لم أنتبه إلا أن شي بحري ما قد داس علي و بأن هذا الشيء قد ابتلعه شيء أخر , أصبحت و لمدة طويلة غير قادرة على الرؤية ثم فجأة في يوم لم يكن كباقي الأيام صدمنا شيء ما , و في لحظات بدأت أسمع صوت شيء ما يأكل شيء أخر و في ثانية كانت السماء أمامي و أمامي أيضا دب بني ضخم كان يأكل ما تبقى من سمكة السلمون ثم تركها , مرَّ الصيف و جاء الشتاء و أنا بداخل و تحللت السمكة بالتربة تحت و أمطرت السماء و امتزج سماد السلمون بالتربة و احتضناني , لأنمو هنا , هنا الحب و الراحة يا بني هنا حيث كل الكائنات تتعاطف مع بعضها عشت لسنوات هنا لم أجد أحدهم يكتب على شجرة جميلة (ذكري من مسعود لمسعودة ) و بذلك يشوه جمال هذا الكائن النقي , لهذا هجرت بلادكم ,
هنا تحترم الكائنات بعضها , أما عندكم فيعبث هذا الإنسان بكل شيء ظنا منه الأقوى و الأذكى , هو ينقش على شجرة لأنه يستطيع , يقتل الطيور و القطط لأنه أكبر حجماً , يضرب الكلاب لأنه يريد ذلك , تصور بأنه عندكم يظن بأن بإمكانه خداع الأسد إذا حاصره في الغابة , صدقني لن يريد الأسد أن يأكل أي منكم ,
فهل يعقل بأن يأكل ملكة الغابة لحم إنسان مُر؟".
هنا سمعت صوت صراخ شخص ما فاستيقظت و اكتشفت بأني كنت أحلم و لكن الصراخ استمر رغم ذلك , فتحت نافذة كوخي و إذ بي أجد سيبتيموس سيفروس يصارع تنين مجنحا أبيض العينين.