الثلاثاء، 5 يوليو 2016

في العيد

هاقد جاء العيد و انتهت أيام رمضان , سيعود مدخن الحشيش إلى دخانه اليوم , و سيعود شارب الخمر إلى كؤوسه , أما أنا فكم أتمنى أن أكون على شواطيء قبرص في ثاني أيام العيد, سأذهب إلى هناك وقت الغروب رفقة تلك الحسناء القبرصية أو الإيرانية , أو كلاهما لامشكلة , سنأخذ معنا زجاجة جاك دانيلز وسكي ""مشبرة" بلسان أهل مصر , نتبادل أطراف الحديث قليلا و تعلو الضحكات بين كل حين , تسألني القبرصية :"هل مررت ببنغازي ؟" .
تضع الكحول المشوشة على تفكيري أمامي مشهدا من فيلم الرسالة , الأعرابي الذي جاء في المدينة  و سأله حمزة ذات السؤال الذي سألته القبرصية , فقلت لها بلسان الأعرابي :"
نعم مررت , حتى تستريح جمالي , في بنغازي تستريح الجمال أكثر من أي مكانٍ في الدنيا ".
عادت القبرصية لتسأل:" و ما أخبار بنغازي ؟".
قلت لها بعد أن إرتشفت قليلاٍ من الكحول ازيد به تليف كبدي :" لا تسركم , في بنغازي تقرع طبول الحرب ".
تذهب الكاميرا إلى بنغازي , بدل المزمار و الدف اللذان استخدمهما العقاد أستعمل أنا صفير الرصاص و أصوات الإنفجار ,
في بنغازي يا سيدتي الفاضلة وجدت أناساً يمر ملك الموت بجانبهم , لا يخافون منه ولا ينتبه هو لهم , وجدت قوماً ماتوا و يرفضون الإعتراف بموتهم , بل و مازالوا يحاربون حتى يعودوا للحياة , وجدت مدينة مظلمة بعد أن إنقطع النور من وجوه أهلها , كل أهل بنغازي صاروا محاربين , إما في الجبهات أو داخل المدينة يكافحون الحياة بحثاُ عن لقمة تسد الجوع و لو قليلاً , في بنغازي صارت الكراسي الطبية و العكاكيز أكثر البضائع المباعة ".

صمت و شردت أنظر في البحر
نفسٌ من الدخان أزيد به إسوداد رئيتي
عدت للحديث من جديد :" بنغازي صارت أكثر سواداً من رئتي هذه من أثر دخان القذائف الواقعة في كل مكان , في بنغازي رأيت العجب العجاب , رأيت سيارة تنفجر في أكثر شوارع المدينة إزدحاماً , و إستمرت الحياة بعده بدقائق كأن شيئاً لم يكن , رأيت ناساً إعتادت على تنوال الطعام مع الموت فلم تعد تخافه .
في بنغازي رأيت كل المساجد قد صارت متشابهة ,
لم أجد في بنغازي بعض المعارف و عندما سألت عنهم قالوا لي بأنهم ماتوا , كذلك ماتت الطفولة و كل شيء في بنغازي , حتى الفن قد مات و إختفى صوت الصافي من الخلفية , بنغازي صارت كتربة خصباء مات كل زرعها و ماتت الحياة فيها , لكن لأنها خصبة سينموا زرع هذه الأرض بعد عقودٍ من جديد."

و بعد أن أنهي هذا الكلام سأجد الفتاة القبرصية أو الإيرانية أو كلاهما تبكيان , ثم سننهض جميعاً لنرحل , و ينتهي خيالي هنا فأجد بأني مازلت في بنغازي , و كل ما قلته لم يكن إلا خيالاً , فأنا لن أجلس مع قبرصية أو إيرانية أبداً , و أبدا لن أحتسي الخمر , سأجد بأن كل ماقلته كان كذباً , كله إلا الحديث عن بنغازي .