الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

ألحان خالدة


(يسلم عليك العقل و يقولك نبيك اما خطاوي الرجل صاعب عليها تجيك) , كم تصف هذه الكلمات حالتي و أحوالي , نعم عقلي يسلم على من لم أستطع إليها وصولاً , هو لا يسلم فقط بل يسلم و يفكر و يشتاق في كل لحظة , و ما أصعب الشوق ف(الشوق قاسي و الرياف يذل) , ما أقسى الشوق حينما يكون إلى من لا يفكر فيه , وليس كل الشوق يأتي من فراق , بل نشتاق حتى لمن نحدثهم في كل يوم , لكننا نحدثهم شكلاً فقط , نحدثهم و نحن في حالة من الهيام و هم لا يبالون , أرسلت لها مراتٍ و لم ترد فقلت لها (دزيتلك مرسول و انتي ردي هاتي الدواء ولا تعالي عزي ),  و انتظرت ردها, و طال إنتظاري , لم أعرف مالعمل أو الحل لذلك خرجت للشوارع باحثاً عنها لعلي أجدها , لم أعرف إلى أين المسير فوقفت وسط الناس وقلت لهم ( قولولي وين دياره نا واحشني أخباره ,قولولي  وين نلقاه و أين طريق تجيبه ) , وقف الناس ولم يفهموا من كلامي , لم يعرفوا عن من أتحدث و طلبوا مني وصفاً لها , فكرت قليلاً و حرت في أمري فهي حقاً تتماشي مع تلك الأغنية القائلة : ( كيف نوصفك للناس و انت عالي فوق نجوم الليل اللي شغلها حالي ) , حاولت البحث عن وصفٍ لها أو لشكلها لعلهم يتعرفون عليها و لم أجد سوى أنها : (من دونهن شالت العقل معاها , هي بدر و الباقي نجوم إحداها ) و قلت لهم : ( جميلة و ما ريت كيفها جميلة) , نظرت لعيون الناس حولي فوجدت الحيرة فيها , أدركت بأن وقوفي هنا بدون فائدة , هممت بالرحيل فأوقفني شيخٌ كبير قائلاً لي بأن أنسى فقلت له و هل نسى الصافي ليلى ؟ أو هل نسى بونقطة فاطمة ؟ , ليس النسيان بسهل على قوم العاشقين , فقال لي بأن أصبر إذا فأجبت : ( صابر لين صبري زاد دايا صبر مر لا ماهو الزين , صبر أيوب صابر للنهاية و أوعر صبر العاشقين ) , عجز الرجل الكبير عن الرد علي , و ماذا تراه يقول ؟!
, كيف تراه يهون على من أذله الحب و رماه؟!
 سرت في الشارع ترمي أمواج الهوى قلبي ذات اليمين و ذات اليسار , لم أجد من يهدي مركبي و يرسيني , تمنيت لو أني لم أرها لعلي حالي كان سيكون أفضل ( يا ريتني ما ريت سود أنظاره)و (يا ريتني ما ريتها ولا رتني و لا صار بيني و بينها موال...) هاهي تأتي نحوي , فكرت في أن أوقفها و أقول لها ( حبك برد ماعاد توقد و لا عاد تخطر يا كحيل أنظاره ) لكني لم أستطع , أصابني ضعف كان مصدره قلبي فقلت لها : ( ليش بطى مرسالك عني)  نظرت هي نحوي ولم ترد بل تابعت السير دون أي ردة فعل , سمعت أصوات تحطمٍ في المكان لكنها لم تكن بالخارج , بل كان مصدرها من داخلي , نظرت إلى قلبي و قلت له : ( و الله الباين فيك مانك قلبي رضاهم تريد و راحتي ما تبي ), تابعت سيري في الشوارع دون أن أعرف إلى أين المسير , دون ان تكون لي وجهة معينة , كل ما أعرفه بأني كنت أقول : (ذبتي ذوب يا شمعة طفيتي لا ما تقول ما عمرك ضويتي ) , صرخت باسمها بسرعة قبل أنت تنطفيء الشمعة وقلت لها : (احترت معاك هيا دبريلي ), لكنها لم تكترث لقولي و تابعت مسيرها فزادت حيرتي , دخلت إلى صيدلية على جانب الطريق فقال الصديلاني خيراً ما بك , أجبته : ( عندكش دواء للمحبة يهون عالخاطر مرجاه للمحبة ؟!) خرجت و علامات الحزن بادية على وجهي قابلني صديقٌ لي سألني عن سر حالتي فأجبته : ( اللي شقيت في غيابه اليوم لاقاني ) سألني مالذي حدث بعد ذلك فقلت : ( واطى النظر ماتقول عمره راني ) , حزن صاحبي لحزني و سألني كيف رأيتها أسير في الشارع و عندما نظرت أمامي وجدتها : ( جت تدنى ركبة بركبة تقرب منا ريح تهب من ريح الجنة)  قال لي أكتب رسالة تشكو فيها حالك , و كيف أرسل له الرسالة  قال عن بواسطة الحمام ألم تسمع قدماء القوم من عاشقين يقولون " جاني المرسول على جناح الحمامة" , أخذت ورقة و قلماً و هممت أكتب لم يخطر ببالي سوى ما قاله الشاعر يوماً :
"
الشمس تجي و اتعدي و الأيام تفوت ما تهدي
وانا و انت زي الريح ودك ما رافق ودي مرة الهوى ياخدنا للفرح معاه يسعدنا و مره نتاخصم و احنا عارفين الخصام يبعدنا و الحيرة تلعب بينا تعبانة خطاوينا انا و انت مش عارفينوين جينا وين ماشيين لا فرحنا مع بعضنا و لا قدرنا على الحنين و الحيرة تلعب بينا تعبانة خطاوينا".

السبت، 13 أغسطس 2016

شلتتة

قد كان صباحاً مملاً أحاول جعل ساعاته تمضي بسرعةٍ أكبر بتقليب صفحات التواصل الإجتماعي , حتى وجدت منشوراً على صفحة أحد الأصدقاء يعرف فيه مصطلح "شلتوت" , هنا توقفت كثيراً و ساءلت نفسي , لقد تمت محاربة الشلتوت من قبل المجتمع و أفراده , فلماذا حدث هذا ؟, ولماذا لم يعرف أحدٌ ظاهرة الشلتتة بأي طريقة كانت , و لأنني لم أجد طريقة أفضل من هذه لتمضية الوقت فقررت أن أناقش ظاهرة الشلتتة و سبب محاربتها من منظورين , إجتماعي و نفسي , من المنظور الإجتماعي فإن محاربة الشلتوت هي على مستوى المجتمع ككل , أما في المنظور النفسي , فإن المحاربة هي على مستوى أفرادٍ فقط , يبقى أن أقول بأن ما يلي ليس إلا مجرد رأيٍ شخصي قد يكون صواب و قد يكون #تهريس.
يقول علماء الإجتماع بأن ما ينظم الحياة في أي مجتمع هو مجموعة القوانين و الأعراف , تكون القوانين مكتوبة من قبل سلطة عليا عادة و يتم تطبيق عقوبات مادية ملموسة  لمن يتجاوز أحد هذه القوانين قد تصل إلى حد الإعدام , أما بالنسبة للأعراف فهي ما تعارف عليه المجتمع و عمل به , دون أن يكون مكتوباً , و عقوبة تجاوز هذه الأعراف تكون معنوية , حيث تتم معاملة الفرد المتجاوز معاملة أسوء من أقرانه , و من هذا المبدأ قد كانت محاربة الشلتوت , فالشلتوت شخصٌ تجاوز بعض الأعراف التي يسير بها المجتمع سواء كانت فيما يتعلق بالمظهر ككل أو في أسلوب الكلام و الحديث .
قد يرى البعض - و أنا منهم- , بأن الشلتوت قد يكون بطلاً من زاوية معينة , حيث أنه رفض أن يسير بعادات لا يؤمن بها و أعلن رفضه الصريح لهذا , في مجتمع يقدس العادات تقديساً كبيراً , في مجتمع مزال يرفض فكرة أن العادات وُضِعَت ليتم كسرها و إستبدالها بأخرى .

من منظورٍ أخر , و هو منظور نفسي , ولنقل منظور (سايكو- داينمكي) , يقول هذا المنظور في علم بأن تصرفات الإنسان و طريقة تفكيره سببها قوى خفية ألا و هي العقل الباطن , يحاول الإنسان في كل يوم أن يوافق بين رغباته الغرائزية المتمثلة في عقله الباطن , و بين قواعد الحياة المتبعة في المجتمع الذي يعيش فيه متمثلة في عقله الواعي , و في حالة مجتمع كمجتمعا فإن أغلب الرغبات الموجودة في العقل الباطن سيتم كبتها و فرض قوانين المجتمع عليها , بإستثناء ذاك الشاب الشلتوت , الذي انتصرت رغباته على القوانين فراحت كل القوانين عنده من الحياة , أصبح شخصاً يعيش بحرية شبه كاملة , تقف حريته عندما تصل لحدود حرية شلتوتٍ أخر , لا نقول بأن هذه الحرية و انتصار هذه الرغبات هو شيء جيد , على العكس هذه الحرية ستجعل المجتمع يبدو كغابة , فهذه الرغبات هي رغبات حيوانية في مجملها , و ليس لهذا حارب الأفراد ظاهرة الشلتتة , ليس لأنها تمثل رغبات حيوانية , بل حاربوها لأنهم محرومون منها , لأن عقلهم الباطن يود لو أن ينطلق مثلهم لكنهم يخافون كسر القوانين ,  ذاك الشاب الذي ينظر للأرض عند مرور فتاة بجانبه يتمنى أن ينظر إليه و أن ينطق بكلمة غزل أو اثنتين , لكنه يخاف أن تكون قريبته التي لا يتذكرها , و يخاف أن يمر أحد يعرفه فيقوم بتوبيخه , و هي أشياء نسيها الشلتوت و رماها خلفه , لهذا ينظر له الأفراد بهذه النظرية المتكبرة و التي تخفي ورائها عقدة نقصٍ كبيرة .

الاثنين، 1 أغسطس 2016

يا بائع الورد


في الحديقة جلست , ليلة قليلة البرودة و لكنها لطيفة , شوارعٌ هادئة و تكاد تخلو من سائريها  , الساعة كانت تقول بأنها العاشرة مساءً , وقت إشراقي متجولاً في هذه الشوارع ,حتى أصل إلى الحديقة للجلوس فيها ,  في الكرسي القريب مني جلس إثنان من الأحبة , قالت ملامحهم بأنهم في سن المراهقة , نظرت نحوهم بضعة مرات و لكني لم أطل النظر , تهمس أصواتهم بالحديث أحياناً و بالضحك أحياناً أخرى , لم يكن هناك من يقلق خصوصيتهما إلا أنا , لهذا ربما كانا يتهامسان , ربما ضنا بأني من أهل البلد و لم يريدا مني أن أعرف عما يتحدثان , مكالمة من أحدٍ أبى أن يتركني و عزلتي في شأننا , أنهيت المكالمة على عجلٍ دون أي معلوماتٍ عن موقعي و مكاني , فمثلما هرب هذان الإثنان من الناس التي في الشوارع , جئت أنا أيضاً إلى هنا و انتظرتها , لم أحدد موعداً معها بل جئت من مبدأ رب صدفة خير من ألف ميعاد .
تفطن اولئك الإثنان للساني الغير تركي فارتفعت اصواتهم بالحديث , لا يهم صوتهم الأن فمهما قالا لن أتمكن من فهمه , على دراجة بها سلة في المقدمة جاء بائع ورود , ورود حمراء جعلها تراصها بجانب بعضها ترسم لوحة تفوق الجمال , أشار له الشاب العاشق بأن تعال , أخذ منه وردة و أهداها إلى فتاته , و قبل أن يرحل البائع ناديته , جاء و بدأ في النظر حولي ثم قال لي هل تريد شيئاً؟ , فأجبت
:" نعم أريد وردة أهديها لمن ستأتي" .

عاد ليسألني :" و هل أنت متأكد بأنها ستأتي يا صديقي , فالساعة الأن هي العاشرة , في أي وقتٍ كان موعدكما ؟"

فعدت لأقول :" لم يكن بيننا موعد , بل أنا أجلس هنا أنتظر مرورها صدفة و أريد أن أفاجئها بوردة"

انطلقت ضحكة عالية من هذا الصبي البائع للورد و قال :" صدفة ؟! , أمجنون أنت ؟! , أنظر حولك لكل هؤلاء الناس , لم يتواجدوا معا بالصدفة , ثم كيف تتوقع مني أن أترك وردة مع مجنون مثلك".

جعلني كلام هذا البائع أشعر ببعض الألم :" فقلت له هي لم تعلم شيئاً عما يدور بداخلي , ثم مالعيب في ترك وردة معي".

فأجاب:" يا صديقي ليس الأمر عيباً , لكن الورد كالمشاعر سيذبل بعد فترة بسيطة , هو يحتاج لعناية و إهتمام , و أنت لم تهتم لمشاعرك و تركتها في طريقها للذبول فكيف ستهتم بوردة هي لحبيبة لم تأتي "
فقلت له :"ما رأيك أن أعطيك بعض المال و رسالة لتوصلها لها , و لا تقلق ستجدها بسرعة , اذهب حيث ترى أجمل عينين قد رأيت قبلاً , هناك ستجدها ".
وافق على مضض فبدأت على عجلٍ كتابة الرسالة :
" إليكي أنتي يا من لا أستطيع قول إسمك , ليس خوافاً ولكن شفتاي تستحي أن تنطق اسمك في غيابك , لقد جلست في إنتظار مرورك صدفة , أقول من جديد صدفة , فقد رأيتك صدفة , و عرفتك صدفة , و أُعجبت بك صدفة , ثم وقعت في حبك صدفة أيضا , فكيف لا أنتظر مرورك صدفة , إني أنتظر صدفاً كثيرة , لعلي بالصدفة أعرف مشاعرك تجاهي , ربما صدفة قد أعرف عن وجود أحدٍ ما في حياتك , و ربما سأنتظر صدفة لعلي أنساكِ , أو أتعلم التظاهر بنسيانك , فالحق ليس لي طاقة و لا قوة على تحمل كل هذه الصدف , لقد  جلست اليوم في هذه الحديقة التي زرتيها لأربعة أيامٍ متتالية , لكن عندما جلست أنا في اليوم الخامس لم تأتِ , هل هذه إشارة من السماء أو مثل هذا؟ أنا حائرٌ في أمري حقاً , و كنت أتمنى وجودك هنا لعلك تقولين لي شيئاً , كم أتمنى أن أبوح لك بكل شىء , لكن .... كم هي مرعبة كلمة لكن , لن أطيل عليك الخطاب , لقد أرسلت لك هذه الخطاب مع بائع الورد رفقة وردة كهدية ود و صداقة , هي بمثابة إعترافٍ مني بكل ما بداخلي , إذا ما أعجبتك فاحفظيها عندك  , و إن لم تعجبك رجاءً لا ترميها , فما ذنب الوردة في خطيئة ارتكبتها أنا بوقوعي في بحر حبٍ لا أعرف السباحة فيه ".

نظرت أمامي لأعطي البائع قطعة الورق الصغيرة لكني لم أجده , حتى أنت يا بائع الورد قد رحلت , أرجو أن تمر بجانبها هي و أي كان , و أرجو أن يهديها ذاك الشخص وردة أتمنى أن تكون وردتي التي أخترتها , فعلى الأقل ان لم أتمكن من اللقاء بها فستلتقي بها وردتي .

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

في العيد

هاقد جاء العيد و انتهت أيام رمضان , سيعود مدخن الحشيش إلى دخانه اليوم , و سيعود شارب الخمر إلى كؤوسه , أما أنا فكم أتمنى أن أكون على شواطيء قبرص في ثاني أيام العيد, سأذهب إلى هناك وقت الغروب رفقة تلك الحسناء القبرصية أو الإيرانية , أو كلاهما لامشكلة , سنأخذ معنا زجاجة جاك دانيلز وسكي ""مشبرة" بلسان أهل مصر , نتبادل أطراف الحديث قليلا و تعلو الضحكات بين كل حين , تسألني القبرصية :"هل مررت ببنغازي ؟" .
تضع الكحول المشوشة على تفكيري أمامي مشهدا من فيلم الرسالة , الأعرابي الذي جاء في المدينة  و سأله حمزة ذات السؤال الذي سألته القبرصية , فقلت لها بلسان الأعرابي :"
نعم مررت , حتى تستريح جمالي , في بنغازي تستريح الجمال أكثر من أي مكانٍ في الدنيا ".
عادت القبرصية لتسأل:" و ما أخبار بنغازي ؟".
قلت لها بعد أن إرتشفت قليلاٍ من الكحول ازيد به تليف كبدي :" لا تسركم , في بنغازي تقرع طبول الحرب ".
تذهب الكاميرا إلى بنغازي , بدل المزمار و الدف اللذان استخدمهما العقاد أستعمل أنا صفير الرصاص و أصوات الإنفجار ,
في بنغازي يا سيدتي الفاضلة وجدت أناساً يمر ملك الموت بجانبهم , لا يخافون منه ولا ينتبه هو لهم , وجدت قوماً ماتوا و يرفضون الإعتراف بموتهم , بل و مازالوا يحاربون حتى يعودوا للحياة , وجدت مدينة مظلمة بعد أن إنقطع النور من وجوه أهلها , كل أهل بنغازي صاروا محاربين , إما في الجبهات أو داخل المدينة يكافحون الحياة بحثاُ عن لقمة تسد الجوع و لو قليلاً , في بنغازي صارت الكراسي الطبية و العكاكيز أكثر البضائع المباعة ".

صمت و شردت أنظر في البحر
نفسٌ من الدخان أزيد به إسوداد رئيتي
عدت للحديث من جديد :" بنغازي صارت أكثر سواداً من رئتي هذه من أثر دخان القذائف الواقعة في كل مكان , في بنغازي رأيت العجب العجاب , رأيت سيارة تنفجر في أكثر شوارع المدينة إزدحاماً , و إستمرت الحياة بعده بدقائق كأن شيئاً لم يكن , رأيت ناساً إعتادت على تنوال الطعام مع الموت فلم تعد تخافه .
في بنغازي رأيت كل المساجد قد صارت متشابهة ,
لم أجد في بنغازي بعض المعارف و عندما سألت عنهم قالوا لي بأنهم ماتوا , كذلك ماتت الطفولة و كل شيء في بنغازي , حتى الفن قد مات و إختفى صوت الصافي من الخلفية , بنغازي صارت كتربة خصباء مات كل زرعها و ماتت الحياة فيها , لكن لأنها خصبة سينموا زرع هذه الأرض بعد عقودٍ من جديد."

و بعد أن أنهي هذا الكلام سأجد الفتاة القبرصية أو الإيرانية أو كلاهما تبكيان , ثم سننهض جميعاً لنرحل , و ينتهي خيالي هنا فأجد بأني مازلت في بنغازي , و كل ما قلته لم يكن إلا خيالاً , فأنا لن أجلس مع قبرصية أو إيرانية أبداً , و أبدا لن أحتسي الخمر , سأجد بأن كل ماقلته كان كذباً , كله إلا الحديث عن بنغازي .

الأحد، 26 يونيو 2016

البس لبستك

حدثونا في مدارسنا قديماً عن الغزو الثقافي كثيراً , نبهونا إلى الفكر القادم من الغرب لكنهم أبداً لم يحدثونا عن الغزو الثقافي القادم من شرقنا , ليس خفياً على أحد إنتشار أزياء تقليدية لشعوبٍ أخرى بين كل فئات المجتمع من شبابٍ و شيب ,و  تتلخص فكرة إنتشار هذه الملابس ببساطة يرجع لثلاثة أسباب ألا و هي :

1- إرتباط هذه الملابس بمجموعات ذات خلفية إسلامية  , ربما من يتذكر بنغازي قبل سنوات سيتذكر معها صوراً لأشخاصٍ يرتدون الزي الأفغاني , حيث إرتبط هذا الزي بمن كانوا يحاربون الإتحاد السوفييتي في أفغانستان سبعينات القرن الماضي , ثم إنتشر هذا الزي و إتخذته الجماعات المقاتلة بعد ذلك كلباسٍ لها إسوة "بقادة الجهاد" .
على الطرف الأخرى نرى إنتشار الجلابيب السعودية عند أصحاب الفكر السلفي إسوة بدعاة السلفية و من باب إتباع الصالحين و تقليدهم , لكن الأمر الذي خفي على هؤلاء هو أنهم يقلدون تقليد العمي , فمشائخ السلفية الكبار قد إتخذوا من هذه الجلابيب لباساً لهم لأنها ملابسهم التقليدية و لأن هذا ما لبسه أبائهم و أجدادهم من قبلهم , و لم يرد في أي نص ديني بأن هذه الملابس كانت هي ملابس المسلمون الأوائل .

2- من منظورٍ مرتبط بالمنظور الأول من الممكن أن نستنج سبباً ثانيا لإنتشار هذه الثياب , لكن هذه المرة سيكون مرتبطاً بعامة الناس , للتوضيح أكثر اقصد أي مسجدٍ كان يوم الجمعة وقت الصلاة , سترى أفراداً من كل الفئات العمرية ترتدي الأثواب الخليجية بإختلاف أنواعها من إمارتي إلى سعوديٍ و عماني , و قد اتخذ هؤلاء من هذه الثياب ملابس خاصة بيوم الجمعة تطور الأمر بعد ذلك لتصبح هذه الملابس الغريبة علينا ملابساً للأعياد أيضاً حتى إذا ما زرت محلاً يبيع هذا النوع من الثياب ستجد أكواماً من البشر تتدافع لتشتريه و تترك الزي الليبي التقليدي -و الذي أراه في نظري ذو جمالٍ و هيبة أكثر - , تتركه على جنب دون حتى النظر إليه , سبب تدافع هؤلاء هو رؤيتهم للثوب الخليجي كثوبٍ مرتبط بدافعٍ دينيٍّ أيضاً من باب تقليد مشائخ أرض الحرم و لكنه تقليدٌ أعمى أيضاً فبالإضافة إلى تناسي هؤلاء بأن هذا الزي هو الزي التقليدي للمشائخ إياهم فقد وصل هذا التقليد إلى إرتداء ثياب نومٍ سعودية و الخروج بها في الشارع و الذهاب إلى صلاة الجمعة بها .

3- أخيراً و ليس أخراً إنتشرت هذه الملابس بين الشباب كنوعٍ من الأناقة و كعلامة على الغنى و الثراء , تعدى الأمر هنا إرتداء الثوب فقط بل وصل أيضاً إلى إرتداء العقال و الشماخ و التصوير بها .
و من وجهة نظري أرى بأن هذه الظاهرة هي الأخطر لأن في ذلك تقليدٌ ينم عن جهلٍ و تخلفٍ و يُظهر عقدة نقصٍ كبيرة لأنه تقليدٌ راجعٌ إلى سببٍ سطحي تماماً و قد يظن أحد هؤلاء بأن الناس تنظر إلى لباسه هذا بنظرة إعجاب , لكنهم يجهلون بأن فئة كبيرة من الناس تنظر لهم نظرة إحتقارٍ و استهزاء , و مثل هؤلاء كمثل الطائر الذي أعجبته مشية الحمام فحاول تقليدها ثم فشل في ذلك و نسي مشيته , فصار يقفز قفزاً , و أقول لهم ما قاله مغني راب ليبي ذات مرة  :" البس لبستك , امشي مشيتك , شكلك شين لما حاولت تكون غيرك ".

ختاماً أود القول بأن السبب وراء حديثي حول هذا الموضوع , هو ما شعرت به من أسى و أسف عندما رأيت الزي الليبي يضيع بين هذه الأزياء المستحدثة و التي لا تمت لنا بصلة أبداً , خصوصاًَ أن وراء الزي الليبي تاريخ و حضارة أكبر و أقدم من تلك الأزياء , ثم لا ننسى بأن التمسك بما تركه الأوائل من موروث ثقافي كان سبباً في تقدم من تلاهم , و لنا في شعب اليابان خير مثالٍ على ذللك , فرغم تقدم هذا الشعب و تطوره مزال محافظاً على كل مواريثه الثقافية إبتداءً من زيه التقليدي .

الخميس، 23 يونيو 2016

رمضان يجمعنا

في كل عام تصدمنا القنوات العربية بكمية العبث المعروض على شاشاتها في شهر رمضان , برامجٌ و مسلسلات تعطيك إنطباعاً عن مدى تدهور الإنتاج العربي و فقره من الناحيتين , القصصية و التمثيلية , و في كل رمضان أشاهد حلقة من برنامج أو مسلسل فأطرح على نفسي ذات السؤال دوما , كيف يشاهد الناس هذه الأشياء ؟! , هذه المرة حاولت أن أقوم بالإجابة عن هذا السؤال و كانت الإجابات كالتالي :

-في باب أحمد الشقيري و الصدمة :  تظهر هذه البرنامج سواء كانت لأحمد الشقيري (خواطر , قمرة ) أو الصدمة الضيف الجديد في هذا العام , تظهر هذه البرامج بعض الظواهر الإيجابية في المجتمع و التركيز عليها في محاولة منها لإصلاح المجتمع العربي و لو قليلاً , تجد هذه البرامج مكاناً على شاشات المشاهدين , لسببين :
1.هي إن كانت تتحدث عن أشياء في المجتمعات الأخرى (خواطر في بعض أجزاءه مثلا) , فهي من رأي الخاص تحفز عقدة الخواجة عند مواطنينا .
2. السبب الثاني هو حديث هذه البرامج أحياناً عن ظواهر إيجابية في مجتمعاتنا  (بعض حلقات خواطر و الصدمة ) , هنا يكون سبب متابعة الجمهور لهذه البرامج هو أنها تمنحهم قليلاً من النشوة و السعادة بصورة يطالها قليلٌ من التزييف أحياناً .
و في الحالتين يكتفي المتابع لهذا النوع من البرنامج بالجلوس و المشاهدة دون أن يفكر ولو قليلاً بأن يحاول أن يبدأ في نشر ما رأه فيها .

-في باب الدراما العربية (الخليجية منها و السورية) :
في كل عام تثبت الدراما العربية أن الإنتاج العربي ما يزال بعيداً عن الدراما العالمية ,فأولاً  ستحتاج فقط لمشاهدة بضعة مسلسلاتٍ خليجية ثم ستكون قادراً على التنبؤ بقصص كل المسلسلات القادمة بالممثلين , فرغم الميزانيات الضخمة الموضوعة لهذه المسلسلات إلا إنها تفتقر لقصة و تفتقرلممثلين , بإختصار تفتقر لكل شيء يجعلها مسلسلات .
و لا يختلف الحال عن الدراما السورية التي باتت تهتم بمظهر الممثلين فيها دون الإلتفات إلى نص المسلسلات بنفس القدر .
سبب متابعة هذه المسلسلات أحياناً  قد تكون كمية الدراما و الحزن في قصة هذه المسلسلات فيراها الناس كملجأ لهم ينفسون بها عن الضيق و الغم المتراكم بداخلهم ,و قد تكون قصص الحب الجانبية في المسلسل سبباً أخر يجعل من مثل هذه الإنتاجات محط إهتمام و مشاهدة خصوصاً لدى فئة السيدات و الإناث بصفة عامة .
كذلك تظهر هذه المسلسلات تأثراً كبيراً من قبل طاقم التمثيل و المشاهدين بالثقافة التركية خصوصاً الظاهرة في المسلسلات المدبلجة منها من ناحية الديكور و لبس الممثلين و ما إلى ذلك .

في باب رامز جلال و إخوانه :
هذه النوعية من البرامج هي السبب الرئيسي لكتابة هذه المقالة و ذلك لأن إنتشار هذا النوع من البرامج بل و نجاح بعضها و إستمرارها لعدة مواسم وصلت إلى ستة في حالة رامز جلال مثلاً و الذي إنتقل من قناة متوسطة إلى أقوى شبكة قنوات عربية يعد مؤشراً خطيراً حيث أن هذا الشيء يظهر و بوضوح مقياس السادية العربية و ربما يفسر أيضاً سبب إنتشار أعمال العنف و القتل عند المجتمعات العربية إذا علمنا أن هذه البرامج تصنف كبرامج فكاهية أو كوميدية , و أين الكوميديا في رؤية تصرفات إنسان في موقفٍ تكون فيه حياته على المحك , فالضيف في هذه البرامج يواجه خطر الموت حرقاً في برنامج رامز جلال مثلاً أو هو يواجه خطر الموت ذبحاً بعد أن وقع ضحية في  أيدي مايعرف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في برنامج أشرف رعايش , و الطامة الكبرى أن هذا الأخير برنامجٌ من أنتج و أعد من قبل ليبين في ليبيا البلد التي يعاني مواطنوها من هذا التنظيم .

في باب الحارة :
في رأي الشخصي بأن باب الحارة قد إنتهى تماماً من بعد جزئه الثالث و أن ما تلى ذلك قد بات إجتراراً لذات المواضيع المطروحة في الأجزاء السابقة بطرقٍ جديدة , لكن رغم ذلك فمزال لهذا المسلسل الذي فقد كل ممثليه تقريباً , مزال له شريحة كبيرة من المشاهدين , و السبب في ذلك قد يكون حبنا كمجتمعات عربية محافظة للعادات و التقاليد و قد بات باب الحارة لعديد الأشخاص جزءً من عادات شهر رمضان كطبق الشربة في ليبيا و فانوس رمضان في مصر ,و لأننا محبون لهذه العادات و يصعب علينا كسرها أرى أنه من الصعب أن تنتهي سلسلة باب الحارة إلا بإفلاس المنتجين أو بتغير الذوق العربي العام فجأة .

في باب الاسطورة
: دائما ما كانت الافلام او المسلسلات المصنفة تحت بند اكشن ذات تقيم ضعيف لخلوها من قصة و اعتمادها غالبا على الحركة و المشاجرات الكثيرة فيها ، لا يختلف هذا الامر على الصعيدين العربي و العالمي .دارت قصص الاكشن في الاعمال العربية حول بطل يواجه ظروفا صعبة منذ مرحلة الطفولة ثم يبدأ في محاربة الاشرار في البيئة المحيطة بيه ، كانت قديما مرتبطة ب"فتوة" الحي (عاشور الناجي) و استمر الامر كذلك حتى ظهور ابراهيم الأبيض لتتحول القصص و تركز على الشاب القادم من احياء مصر العشوائية .نجحت هذه المسلسلات و انتشرت بين الشباب العربي لقرب البطل من المستوى المعيشي للشباب من ما حفز شعورا بينهم بإمكانية ان يعيشوا هم هذه القصص ، من ناحية أخرى كان لأعمال العنف المتصاعدة في العالم العربي  سبباً في ذلك أيضاً , حيث وجد المشاهد هذه الأعمال كملجأ للتنفيس و إخراج كمية العنف المترسبة داخل عقل المشاهد .


هذا مجرد تحليل تهريسي بسيط لمسلسلات و برامج رمضان من وجهة نظري البسيطة و ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً , في الختام برأيك عزيزي القاريء مالسبب الذي يجعل الناس تشاهد هذه المسلسلات و البرامج رغم إنحدار مستوى بعضها ؟.

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

قرار وزاري

نشرة أخبار الثامنة مساء في عام 2030
السادة و السيدات مساء الخير
قرر وزارة التربية و التعليم إضافة مادة اللغة الإيموجية إلى المنهج التعليمي في المدارس لتحل محل مادة اللغة العربية ,و قد جاء هذا القرار  بعد دراساتٍ و مناقشاتٍ و بحوثٍ نتج عنها أن مستعملي اللغة العربية في الكتابة قد باتوا مهددين بالإنقراض لذلك كان لزاماً على الوزارة أن تتحرك بسرعة لمواكبة التطور في العالم الخارجي , فتم إدخال لغة الإيموجي إلى المدارس و وضع من مزال يستعمل العربية للكتابة في محمية طبيعية.
و سيتم البدء في دراسة اللغة انطلاقاً من العام القادم , حيث سيشرح المنهج للطلبة  استعمال كل ايموجي و وظيفته , بالإضافة  إلى أنواع الجمل و طريقة صياغتها و تصريف أفعالها , و من أمثلة ما  سيُدرس في المدارس بعد هذا القرار هو المثل الشعبي (القرد في عين أمه غزال ) حيث صار يكتب بهذه الطريقة , *قرد*عين*إمرأة كبيرة في السن*غزال* , و قد لاقى هذا القرار استحساناً و قبولاً عند الطلبة و أولياء الأمور , و في حديثٍ مع أحد أولياء الأمور حول هذا القرار قال بأن هذا القرار قرارٌ حكيم من الوزارة لتسهيل الدراسة على الطلبة بعد أن انتشر استعمال هذه الرسوم مؤخراً .
هذا و قد نشر السيد وزير التربية و التعليم بيانا على صفحته الخاصة على موقع التويتر يقول فيه :
هذا القرار جاء بعد (دراساتن) وجدنا فيها أن الطلبة يعانون (كثيرن) مع قواعد الرفع و النصب و علامات التنوين , و أن الإيموجيات ذات استعمال أسهل بالنسبة لهم ,و سيتم في القريب العاجل فرض قوانين (أخري علي) الأقلية المستعملية للغة العربية , حيث سيتم الغاء حرف الألف المكسور (ى) بعد أن لم يعد الناس يفرقون بينه و بين حرف الياء (ي) , كذلك ندرس استبدال اسم لغة الضاد بلغة *وجه يضحك بدموع* بعد أن بات صعباً على الناس التفريق بين ال(ض) و ال(ظ) , خصوصاً بعد أن بات هؤلاء الناس يهاجمون كل من له أخطاء إملائية عند الكتابة , و من وجهة (نضرنا) بأن كل هذه الحروف و القوانين ليست الا شكليات تعيق تقدمنا كما تعيق ابداع أبنائنا ."
و ختم الوزير بيانه برسمات لي *يدان مرفوعتان للسماء*رسم خط بداية*رجل يمشي* , حيث قال مترجمون بأن هذه الجملة تعني "الحمد لله هذه بداية المشوار .

كانت هذه نشرتنا *يد تلوح إلى اللقاء* حتى نلقاكم في نشراتٍ أخرى 

الاثنين، 6 يونيو 2016

العودة إلى المستقبل (الإنترنت)


العودة إلى المستقبل أو Back to the future , فيلم من سنة 1985 من إخراج روبرت زيميكس ,يتحدث عن شابٍ يسافر بالزمن عن طريق ألة سفر إخترعها صديقه البروفيسور . إذا كنت من متابعي الأفلام فربما ستعرفه و إن لم تكن فعلى الأغلب ستتجه إلى العم جوجل و تقوم بالبحث عن الفيلم , قبل أن تفعل ذلك , هل تذكر كيف تطور الأمر بك لتصبح اليوم قادراً على إستعمال الإنترنت في البحث عن المعلومات ؟!
قبل عشر سنواتٍ تقريباً , اتجهت في ذات يوم إلى الكفي نت القريب منكم , دخلت و قلت بأنك تريد ساعة انترنت , فتح الرجل العامل بالمكان أحد الأجهزة و ذهبت إلى الجهاز المطلوب , جلست و قمت بفتح الإنترنت اكسبلولر المتصفح الوحيد الذي كنت تعرفه و الذي تعامله اليوم بإحتقار بعد أن كان له الفضل الكبير في أن علمك كيف تستعمل الشبكة العنكبوتية , ناديت صاحب المكان و قلت له بأنك تريد أن تفتح موقعاً على النت , عرف هو أنك تريد إنشاء بريد إلكتروني , ففتح لك واحدٍ على الياهو , في تلك اللحظة صار ذاك الرجل أذكى رجلٌ في العالم من وجهة نظرك , صار هو خبير الإنترنت عندك , بعد أن خرجت توجهت إلى صديقك و أخبرته عن فتحك للموقع , أعجبت الفكرة صديقك و اتفقتما على الذهاب معاً في اليوم التالي , جاء اليوم التالي دخلتما معا أخذتما جهازين و أنشيء صديقك بريداً , اكتشفتما في ذاك اليوم (الياهو ماسنجر) , بعد ذلك بأسبوع صار لكل أصدقائك بريد و صرتم تذهبون جميعا إلى الكفي نت لتتحدثوا معاً عن طريق الياهو ماسنجر , تزعجون بعضكم بخاصية  البز فيه و ترحلون , فتحتم إشتراكاً هناك و صرتم من الرواد الدائمين له ,تعرفت على مواقع أخرى كمكتوب و الMSN,  صرتم تعرفون الجوجل و أنه بإمكانك عن أي شيء فيه , بحثتم في الجوجل عن ألعاب فظهر لكم موقع ألعاب شمس , تعرفتم على موقع منتديات الخليج , فصرتم تدخلون بأسماءٍ وهمية , تعرفت على فتاة من السعودية على الأغلب كان اسمها عنود الرياض أو عيون الريم , أقنعتها بأن عمرك هو 21 سنة و تحدثتم معا طويلاً حتى تركت هي المنتدى فصار اسمك الأمير المجروح .
في مرحلة ما عرفت أن  الجوجل يجد لك حتى الصور  ,بدأت الإختلافات الفكرية بينك و بين أصدقائك بدأ كلٌ منكم في تغير صورة الياهو ماسنجر كل يوم , أنت كنت مهتماً بصور السيارات , صديقك الأخر كان مهتماً بكرة القدم و صور كاكا , أحدكم كان يضع صور مايكل سكوفيلد و بريزون بريك ,لكنكم اتفقتم في بعض الأشياء كبحثكم عن صور العجائب و الغرائب و صور الجن و الفتاة الذي سخطها الله إلى شيء يشبه القرد بعد رمت المصحف و سبت أمها , اتفقتم في البحث عن صور سنوات الضياع و صورة لميس بالزي الليبي التي صدقتم أنها حقيقية لجهلكم بالفوتوشوب , اشتركتم في بحثكم عن صور هيفاء و هبي و ..... احم احم .
بعد حصولك على هاتفك المحمول الجديد ربطته فوراً بالإنترنت , إنترنت ليبيانا و المدار وبدأت بالتعمق حينها , أكثر المواقع التي كنت تزورها كان واب تريك حيث كنت تجد الدردشة و الألعاب بالإضافة إلى الصور و أشياء أخرى , حتى استيقظت ذات صباح قبل سبع سنواتٍ تقريباً لتكتشف وجود مودم انترنت في بيتكم , بدأت علاقتك مع الإنترنت حينها بالتطور شيئاً فشيء , ربما دخلت و استكشفت الHI 5 قبل أن ينقرض و يحل محله الفيسبوك , أو قد تكون قد تعمقت في النمبز و صرت تكتب س ع و ش ج , تعملت كيف تقوم بتحميل الأشياء منه , سمعت من أحدهم عن الفيسبوك فصرت من أتباعه و مدمنيه حتى صارت كل حياتك قائمة عليه , عانيت من إنقطاعه فترة الثورة , ثم عدت له بقوة بعد أن هو و اقتحمت التويتر .
هكذا أو بشكلٍ مختلف قليلا بدأت و تطورت علاقتك بالإنترنت , بهذه الطريقة التي لن يعرفها أبناء جيل ال2000.

الأحد، 29 مايو 2016

مرشد سياحي 8 (الدلاعة)


اشتهيت في هذا اليوم بينما كنت عائداً إلى المنزل أكل الدلاع, أو ما يسمى بلسان العرب بالبطيخ , مررت على السوق الخارق أو السوبر ماركت , اتجهت رأسا إلى قسم الخضروات و الفواكه , أمسكت بواحدة , وضعتها بجانب أذني و بدأت في "الطبطبة" عليها , سمعت صوتاً ينادي قائلا :"أهمد"
نظرت إلى الدلاعة متفحصاً إياها باحثاً عن مصدر الصوت لكنه لم يكن منها , نظرت خلفي فوجدت تلك التركية الشقراء التي سألتني عن بنغازي يوماً , وقفت أمامي و قالت
:Why you are
#$@!@ ^&#%##@*(&&% *^$@! $%@# ?
حاول دماغي بسرعة ترجمة ما قالته فكانت النتيجة:" لماذا تصفع الماء مالون كأنك تصفع مؤخرة طفلٍ صغير ؟  ...." الماء مالون !! ,
ماذا بحق الجحيم تكون هذه الكلمة , تطلب الأمر مني نصف دقيقة لأستنتج  أنها تتحدث عن البطيخة التي على كتفي , فأجبتها بأني أفعل ذلك حتى أعرف إذا ما كانت جيدة أم لا , سألت بفضولٍ يشابه فضول أهل درنة الشهير "و كيف تعرف ذلك ؟" .
صاح صوتٌ بداخلي قائلا اللعنة !! أنا حقاً لا أعلم , أنا فقط أقوم بها كجزء من العادات , هل أكذب عليها ؟, انتبهت إلى أن صمتي قد طال قليلاً , نظرت نحوها بسرعة و قلت لها
:" ضعي أذنك عليها "
صفعت الدلاعة و قلت :" هل سمعتي هذا الصوت ؟" .
هزت رأسها قائلةً نعم , فأكملت قائلاً : هذا يعني بأنها جيدة ؟" . و لسببٍ مجهول أذهلها هذا , فسألتني بلهفة :" أين تعلمت هذا ؟" .
قلت لها بأنه جزءٌ من عاداتنا . قالت لي :" هلا حدثتني قليلاً عن عاداتكم ؟".
ضحكت قليلاً و قلت لها :" الأمر معقد و هي كثيرة لا أعلم سرها كلها , مثلا لدينا عادة بأن نضم يدنا إلى صدرنا بعد مصافحة أحدهم , و لا أعلم سر هذا الشيء المتعب أحياناً , فمثلا في بعض المناسبات يكون الرجال صفاً يجب عليك أن تمري عليه و تسلمي عليهم فرداً فردا و تخيلي أن تسلمي على عشر رجالٍ مثلاً و تضمين يدك إلى صدرك بعد كل مصافحة , أحيانا أشعر بأني شيعيٌ في يوم عاشوراء أثناء قيامي بذلك , و على ذكر المناسبات , لدينا معتقدٌ غريب عند كبار السن بأن كل شابٍ يتمنى الزواج , و عندما تقابلين أحدهم أثناء عُرسٍ ما , لن تسمعي شيئاً منهم سوى "عقبالك" و هو دعاء بأن يكون زواجك قريباً , و أحياناً تلحق بجملة "نفرحوا بيك" , كان هناك عجوزٌ طاعنة في السن تقول ذات الجملة عندما تقابلني :" عقبالك تفرح بوك و أمك ان شاء الله " , ذات مرة التقيت بها في عزاءٍ فتمنيت لو أستطيع أن أقول لها :" عقبالك تفرحي زوجات أبنائك ان شاء الله ". و في تقاليدنا أيضاً , أن إندلاق القهوة يعني وجود مبلغٍ مالي في الطريق لصاحب القهوة و أن الحذاء المقلوب يعني قرب سفر صاحبه , و هناك أيضاً بضع أمثلة تقال دوماً رغم أني لا أفهمها فمثلاً هناك (شارعين و دردوحة) و يتم إستعمال هذه الجملة لوصف مدينةٍ أو دولةٍ صغيرة الحجم , و منذ أن أبصرت هذه الدنيا و الناس تستعمل هذه الجملة لوصف مكانين في العادة , درنة و مالطا , و الدرودحة في قاموس مختار المذراح تعني الطربق المنحدر من أسفل إلى أعلى و يقال للجزء العلوي منها , علوة , و قد ذكر ابن بطبوطة في كتابه أن أشهر العلوات في بنغازي علوة سيدي حسين التي و تقول الغيطة الشهيرة:" سيدي حسين امية حلوة , تدردح من فوق العلوة " و سيدي حسين هي منطقة شعبية سميت نسبة لوالٍ صالح قطن بنغازي قبل قرون , أما الغيطة فهي لونٌ من ألوان الفن الشعبي المنتشرة في بنغازي في المناسبات و الأفراح , و على ذكر الفن الشعبي في الأفراح فهناك أيضاً شيء يدعى الكشك .." قاطعتني بوقاحة الفرنجة و قالت
: what’s kshk ?
أردت أن أقول لها و هل فهمتي معنى الغيطة حتى تسألي عن الكشك لكني لم أفعل فقلت لها في محاولة لترجمة الكلمة :" كشكي-جنق " متبعاً قاعدة إضافة الإي إن جي لأي فعل بالإنجليزي , و أكملت شرحي لها عن الكشك فقلت :" يجتمع مجموعة من الرجال يلقي عليهم أحدهم أهزوجة فيبدؤون بترديدها مصحوبة بتصفيقٍ يشكل إيقاعاً موسيقياً , يتخلل هذا عرض فني من فنانة استعراضية نطلق عليها لقب هجالة , و ينتشر هذا الفن في الجزء الشرقي من البلاد و عند أهل البادية و نحن نتطير من عدة أشياء و نعتقد بأنها نذير شؤوم و تجلب سوء الحظ , في المعتقد الشعبي أن صوت المقص يجلب الأشياء السيئة لذلك نهانا أهلنا عن اللعب بالمقص , كذلك يعتبر صوت طرق معالق الأكل ببعضها البعض .. ".
-"مهلا , أنتم تستعملون ملاعق الأكل ؟, ألا تأكلون بأيديكم كما في الأفلام ؟"
اللعنة على هوليوود التي أفسدت كل شيء ,قلت لها :" كلا , هؤلاء السعودييون و لسنا مثلهم , نعرف الملاعق ولا نعيش في الصحراء و لا نمتطي الجمال كما في الأفلام كوسيلة مواصلات "
مرت بقربنا حينها عائلة ليبية مكونة من أبٍ و أمٍ و ابنتهما , و ما أن رآني الأب حتى عرف بحدسه الليبي بأن من يقف أمامه أيضاً ليبي فما كان منه إلا أن أعطاني نظرة تقول لي :" لو راجل بحت في بنتي", لم أهتم بهم بل عاودت الحديث مع الفتاة و قلت لها : من عاداتنا أيضاً أن نكون (نقصيين) و أن نتخذ وضعية دفاعية عند وجود أي ليبيٍ في الجوار و خصوصاً إذا كان شاباً و كانت بصحبتنا فتاة أو امرأة و الأن فلنخرج بسرعة حتى لا أصادف هذه العائلة مرة أخرى في ممرٍ أخر فيظن الوالد بأني ألحقهم لا سامح الله".

الخميس، 26 مايو 2016

براد شاهي 9


رأيت خيالك مارقاً في طاسة شاهي ما بعد الظهر , توقفت كل حواسي و أحسست بشللٍ في إدراكي , للمرة الأولى أجلس فقط أراقب الشاهي , أردت أن أخبرك بضعة أشياء لكني إرتبكت , لم أعرف بما أبدأ
, هل أقول بأن عيناكِ أجمل ما رأيت ؟
 هل أقول  بأني في كل مرة أكون فيها حزيناً أكتفي بالنظر فقط لهما فتنزاح كل الهموم ؟
 هل أقول بأن لكِ إبتسامة تجعلني حين أراها كدرويشٍ يؤدي رقصته فيبحر في عالمٍ غير عالمنا ؟
 هل أقول بأني لم أرى شيئاً كهذا قبلاً ؟ لا أدري ما هو إن كان حباً فسأقول أحبك بكل لغات الأرض أ
قولها ti amo بلسان أهل روما ,
 Je t'aime بلسان فرنسيٍ يحتسي القهوة في الشانزيليزيه ,
 من شما را دوست دارم بلسان عاشقٍ أتى من بلاد فارس يبيع سجاداً فارسياً وقف بجانبه رجلٌ تركيٌ يقول لزوجته seni seviyorum عند مضيق البسفور
و لو كان الأمر بيدي لطلبت من هؤلاء أن يقطفوا لي ورداً أضعه مع بعضه فتكون باقة بكل لغات أهل الأرض أضعها أمام باب البيت و أرحل و لكن ليس ذلك بالإمكان ,  و لو كان هذا الشيء وهماً فما أحلاه من وهم  .
هل تراني أقول بأني كنت أخشى الإعتراف بذلك ؟! ,
 كنت أهرب من قول ذلك , فكل الأصوات التي سمعتها في رأسي قبلاً و حديث الضمير الدائم لي حول ما يجب أن يقال , كلها علامات كنت أعرف أنها تشير إلى شيءٍ واحد , علاماتٌ قد رأيتها قبلاً و عرفت معناها ففضلت الهرب منها , لأنني و كما قلت قبلاً قد رأيت بأن الحب و كل المشاعر ضعف.
 و الأن قد بدأت اقتنع بالعكس , قد صرت أرى بأن الهروب هو الضعف و أنه لا خيار أفضل من المواجهة , حتى لو كان الأمر يحمل مرورة كالتي في كوب الحنظل , سأشرب الكوب , سأفعلها كعابدٍ ناسكٍ في زمن الإغريق الأوائل إرتكب إثماً فكان عقابه بأن يخدم الألهة طول عمره , و أن يصير من الخالدين حتى يكون عقابه أبدياً , سيؤدي عقابه و بداخله شيءٌ من الفرح أثناء ذلك , فرحٌ لا ينفي كونه عقاباً لكنه يضيف قليلاً من المتعة إليه .

ورقة نعناعٍ طفت في الطاسة فحركت صورتك و أزاحتها لترحل صورتك و ترحل معها أفكاري.

الجمعة، 6 مايو 2016

مرسال لحبيبتي (2)


 بضعة صحون نسيت إخراجها للمطبخ ملابس متسخة و أخرى نظيفة , وردة ذابلة على الأرض هذه معالم غرفتي التي أجلس فيها , لم أستطع منع نفسي كالعادة من التفكير فيها , مايزال لساني يريد البوح لها بتلك الكلمة و لم أعرف هل يجب علي قولها؟! و إذا كان هذا واجبا فكيف عساني أقولها؟! ولأني لا أستطيع التعبير عن نفسي إلا بالكتابة , وجدتني أكتب لها رسالة أخرى
عزيزتي بنغازي و من غيرك عزيزتي .
اعذرينِ عن قساوة رسالتي الأخيرة و لكن لم يكن بيدي حيلة, مشاعري و أحساسي قد كانت مبعثرة كالأشياء الموجودة في الغرفة الأن , أشتاق لك كثيراً و يا ليتك تعلمين هذا , أشتاق لك كإشتياق شارب الخمر الذي قد شعبن و إمتنع عن الشرب , كإشتياق مدخنٍ لسبسي الفطور في رمضان , أشتاق لك كإشتياق المرسكاوي للصافي و كإشتياق مواطن فيك لراتبه ,لكنني كنت أنكر فالشوق عندي ضعف , و لم أرد أن أضعف , حاولت نسيانك لكني لم أستطع , كيف لي أن أنساك و فيك كل ذكرياتي حلوها و مرها , كيف أنساك و فيك أهلٌ و صحبٌ أشتاق لأيامهم , كيف لمن جلس و شاهد زرقة بحرك عند الشابي لحظة غروب تلونت فيها سمائك بالأحمر , كيف لمن شاهد هذه اللوحة بأن ينساك ؟!, كيف لمن اشتم رائحة سبخك الممتزجة بعطر وردك البلدي زهري اللون أن ينساك ؟! , كيف لمن سار بين أحياء التي مر عليها الترك و الطليان و الإنجليز و رحلوا أن ينساك , كل المدن تمر علي مثل مرروهم و ترحل مثل رحيلهم و وحدك أنت الباقية دائما و أبداً في ذاكرتي , تبقين بسكونك و صخبك , بأفراحك و أحزانك , بشيبك و شبابك , أقول مرة أخرى بأنك لوحة جمعت كل التناقضات فكان هذا سر جمالها , سرٌ لن يفهمه أحد إلا من عاش فيك , و جمالٌ ألهم أبنائك فخرج منهم مبدعين في كل المجالات , منهم رسامين كالزواوي , اعبيدة , فتحي العريبي و عبد القادر بدر  خلفهم الوكواك ينحت تماثيله , في غرفة جانبهم جلس كتابٌ و أدباءٌ ألهمتيهم فخرجت منهم كلمات داعبت الأوراق كلهم يحكون عنكِ , فرفيقٌ يكتب أشعاره عنك , و يحكي الفاخري قصصك و كذلك يفعل الأصفر , بينما يجلس النيهوم على أعلى منارتك يتأمل فلسفتك , و على جدرانك يا حلوتي أشعارٌ و قصائد غناها الصافي و بونقطة و من قبلهم كان الشعالية و محمد صدقي, و فيها سيمفونية عزفها فكرون على قيثارته , ثم أذعاتها بناتك الحميدتان العنيزي و بن عامر و خديجة الجهمي , بين أزقتك الضيقة حكايات لأطفال لعبوا الكرة هناك يوماً كالعس و ونيس , كمونة و معتز , و حتى اليوم ما يزال هذا السر ملهماً لأبنائك , و ستظلين تخرجين المبدعين يوماً بعد يوم , أرى فيك مالكاً* يحمل لواء الرسامين يسير معه بن غزي* بقلمٍ و مفكرة يكتب فيها كلاماً يلقيه بعدها من شباكه على بحر جليانة الذي يحتضن سالماً* و هو يسبح , يراقبهم من أعلى من توفيقٌ و سامي و سلوى و غيرهم مِن من رواك بدمه .
ستظلين دوماً ملهمتهم و سيظلون دوما أبنائك , و سأظل أنا أحمل الشوق بداخلي على أمل أن ألقاك قريباً .

*مالك الحداد: رسام شاب من بنغازي
*أنس بن غزي: صاحب مدونة شباك
*سالم بدر : بطل ليبيا في السباحة

الاثنين، 2 مايو 2016

بعد مائة عام


اننا في العام 2116..
مائة عام مرت على كتابة هذه الكلمات و انا مازلت اكتبها..
مائة عام قد مرت على موعد نومي و مازلت لم أنم بعد...
مزال كل شيء على حالته قبل مائة عام...
رجلٌ وقف أمام المصرف قبل قرن و لم يجد سيولةً بعد...
مزالت لليبيا ثلاث حكومات....
و مازال مركز رأس أعبيدة يحترق عندما يحدث حدثٌ في بنغازي...
مزالت المنارة تضيء....
 و ماتزال أصوات الدف و البنادير تُسمع من زاوية الرفاعية رفقة أصوات القذائف الراقصة جنبها..
ماتزال أغاني المرسكاوي فقيرة بعد إعتزال الصافي...
و مزال تشافيز يتحدث عن مبارة إنتهت ب3-1.....
و مازال العالم يتسائل عن هذا الشعب الرائع....
إننا في العام 2116....
مايزال أستاذ التاريخ يكذب و يزيف التاريخ....
و مايزال الطلبة يصدقونه و يعتقدون بأنه قد كان للعرب حضارة يوماً...
ما يزال ذلك الفتى الحالم يقول بأن أمة العرب ستعود من جديد ....
بجانبه فلسطيني يوافقه الكلام و يقول بأن العرب سيحررون بيت المقدس مرة أخرى ....
كلاهما غافلٌ فلم يكن للعرب يوماً أمة حتى تعود من جديد ....
و لم يستطيع العرب يوماً تحرير بيت المقدس... ليس لوحدهم على الأقل....
و مازال الغرب يحيكون لنا المؤامرات و يضعون لفظ الجلالة على الجوارب حتى ندوس عليها...
و ندوس زر الإعجاب فإن لم نفعل فالشيطان قد منعنا....
مازال الشيخ الفلاني يناقش أضرار القيادة على صحة المرأة....
و مازال العالم العلاني يؤمن بنظرية داروين التي لم يجدوا حلقتها المفقودة بعد....
ماتزال خلايا جسمي كما هي , لم تتطور و لم تتغير مع تغير الظروف ...
مرت مائة عام
ما يزال الكلب في الخارج ينبح و بجانبه قطة تموي....
وقد بدأت في قراءة مائة من عامٍ من العزلة
و لم تنتهِ الرواية بعد ولم تنهِ المئة عام
و مازلت أنا أكتب....
لمن أكتب ؟!...
هم لا يقرؤون , أو تراهم يقرؤون و ينكرون أو ينسون ...
مازلت أجلس عند البحر أحيانا...
و مازالت طيور النورس تحلق في السماء جاعلة منها وطناً لها
و مازلت أشرب القهوة...
أكره من أكره و أحب من أحب...
بعد مائة عام مازلت نا هو نا ....


السبت، 23 أبريل 2016

في بنغازي


سألتني تلك الشقراء حفيدة كمال أتاتورك و نحن نجلس في قاعة المحاضرات ننتظر قدوم الدكتورة , قالت لي حدثني عن بنغازي .

" قد مرت أشهر على رؤيتي لبنغازي أخر مرة , و قد شوهتها الحرب في أخر مرة رأيتها , فسأحدثك عن ما رأيته قبل الحرب , في الصباح بنغازي جملية تعانق الحياة و ترقص معها وسط زحام وسط البلاد , و في الليل ترقد بسلام جانب السهارى , في بنغازي رجلٌ كبيرٌ في السن خرج يبحث عن رزقه خلف مقود سيارته , يركب معه شابٌ يقصد الجامعة طلباً للعلم و لشهادة يعمل بها , يتبادلان في الطريق أطراف الحديث و عند الوصول يحلف الشايب للشاب بأن يبقي ثمن الكورسا في جيبه إن لم يكن معه غيره و يحلف الشاب للشايب بأن يأخذ الدينار و النصف فمعه غيرها رغم أنه لا يمتلك إلا ثلاثة دنانير و نصف غيرها , سيشتري لاحقا بدينارٍ قرطاس الأمريكانا و بنصفٍ كوب مكياطة  , و يعود إلى بيته و يشتري بعض الخبز بما تبقى , و الشايب بحاجة الدينار و النصف فمن الصباح لم يجد كورسةً أخرى , لكن في نفوس أهل بنغازي بعض العصرنة , فحتى المحتاج لا يبوح بحاجته , في بنغازي شيبٌ إعتادوا منذ سنواتٍ الجلوس بقهوة لبدة أو بالمقهى الرياضي , يقضون ساعات الصبح بين مقاعدهما , كل الوجوه هناك تعرف بعضها , و من الوجوه فقط تقرأ قصصاً لتاريخٍ قد مر و ولى , في بنغازي شبابٌ وقفوا ليتناولوا فطوراً , و عند الفطور في بنغازي تجد أمامك خياراتٍ ترضى كل الأذوق , فعبد الغفار بتنه و (دحيه) , و حميد بفوله و حرايمه و مشكله , و ال بولفية بمفرومهم , و ملك الفاصوليا إحميدة بفاصوليته الشهيرة , ختم دخولك لبنغازي لا تأخذينه من مطارها بل من أحد هذه المطاعم , و كما يقول المصريون بأن من يشرب من النيل سيعود إليه من جديد , فمن يأكل من هذه المطاعم حتماً سيعود طلباً للمزيد فلن يجد مثل هذا المذاق أبداً , في بنغازي وقت الصباح طلبة جلسوا في مدارسهم ينتظرون إنتهاء دوامهم و أخرون منحوا لنفسهم يوم إجازة يقال لهم معكسين , ينتظرهم عقابٌ شديد صباح اليوم التالي إذا ما إنتبه لهم أحد المدرسين , لكن هكذا أهل بنغازي يحبون خوض المخاطر مدام في الأمر بعض المتعة , في بنغازي وقت الظهيرة يصطف أولياء الأمور أمام المدارس ينتظرون خروج أبنائهم , يقف بعض الشبان أمام إحدى مدارس البنات يسترقون النظر ,بعضهم ينتظر فرصة  ليرمي ورقة بها رقمه و يعود إلى مكانه لينتظر ردة الفعل كصيادٍ القى صنارته و جلس منتظرا خروج سمكة و بعضهم جاء فقط ليراقب أو (يكحل) بمسمانا الشعبي , و أي كان من أطلق هذا المسمى على هذا الفعل فهو رجلٌ بليغ , شبه مراقبة الشاب لفتاة بمن يكحل عينه و يزينها , و في بنات بنغازي توزع جمال الحسناوات الثلاث , في بنغازي وقت الظهيرة لا تشم شيئاً سوى رائحة الطعام الخارجة من كل المطابخ , كل رائحة تحكي لك قصة صاحبة البيت و روعة طبخها , في ما بعد الظهيرة تنام بنغازي بعد أن تناولت وجبة الغداء و شربت بعدها طاسة من الشاهي في عادة بدأت تختفي في بعض المنازل , فبنغازي تدمن شرب الشاهي , تشربه في إفطار عزائزها صباحاً , و بعد غدائها و عشائها , تُقيل بنغازي حتى أذان العصر , تسكن المدينة فلا تسمع فيها شيئاً سوى أصوات بضعة أطفال خرجوا يلعبون الكرة أحيانا و البطش أحياناً , و أحياناً يخرجون في جولة بسيارة يقودها طفلٌ نجح في خطف مفتاح السيارة من جيب والده أثناء نومه , و في أحد الشوارع الخلفية مجموعة مراهقين حصلوا على سبسي واحد فبات يدور بينهم و كانت حينها (تديخنة جو) , بعضهم سيكبر قليلاً و يترك هذا الجو و أخرون سيدمنونه ,  تستيقظ بنغازي شيئاً فشيئا بعد أذان العصر فتبدا جراجات المحلات بالإرتفاع و تعود الحياة بالتدريج إلى المدينة , و تمتلئ الطرق بسيارات الخارجين كلٌ إلى وجهته , شابٌ يحاول اللاحق بتقويته , أخر يسرع ليفتح محله و يسترزق , خلفهما شابٌ ثالث خرج يقصد مقهى يجلس فيه حتى يحل المساء ينظر الأن في سيارة بجانبه بها عائلاتٌ خرجت ربما لزيارة بعض الأقارب و ربما للتسوق و قد تكون خرجت فقط لأنها تريد الخروج , في بنغازي مهما كانت درجة الحرارة فستجد من يجلس على المقاهي بكل أنواعها  , و عندما يحل الليل يكون لبنغازي لونٌ أخر , في بنغازي شوارعٌ تتسع للشباب بإختلاف أنواعهم فهناك البيبسي و دبي و هناك العقيب و أزقة البلاد , و هناك من لا يحب الشارع فيظل في قهوته التي جلس فيها منذ العصر , تتناول بنغازي العشاء من أحد مطاعهما , أحيانا تقرر الجلوس في المطعم و أحيانا تأخذ أكلها و تقصد بيت أحد الأصدقاء أو تخرج للجلوس به على الكورنيش أو عند الكابترانية , هناك تجدين شيخاً يجلس يتأمل سكون البحر و يسبح ربه , و شاعراً يكتب قصائد عن محبوبته و يلقيها على البحر ليأخذ رأيه فيها , و سكرانٌ قادته سكرته إلى هناك فجلس يستمع للصافي عند البحر , و خلف كل هؤلاء متصوفٌ جلس بزاوية الرفاعية يررد بعض المدائح و يعيش في عالمٍ أخر , كل منهم يجلس لوحده , لكنه ليس حقاً لوحده , فبحر بنغازي ينصت لهم , ينصت لتسبيحات الشيخ و كلمات الشاعر , و ترقص أمواجه مع كلمات الصافي و مدائح المتوصف , كذلك يفعل إخريبيش و المنارة , و كل بنغازي , فبنغازي لوحة جمعت كل نقيضٍ في العالم فكان هذا التناقض سر جمالها , لهذا غنى الصافي و قال : تغربت و شفت بلادات إلا هيهات لبنغازي ما لقيت خوات .
هذه هي بنغازي يا بنت تركيا فحدثيني عن مدينة عندكم بهذا الوصف إن كان عندكم مثيلٌ لهذا .

الأربعاء، 13 أبريل 2016

أنا و نزار


هل سكرت البارحة ؟!!
لا , ليس البارحة ,  لماذا أشعر و كأني مكموخ الأن إذا؟! , هل جاء ملاك و سقاني بعض الخمر أثناء نومي ؟ ولماذا سيفعل الملاك ذلك؟ لا لا حتما لم يفعل أي ملاكٍ ذلك ؟ إذا ما سر هذا الشعور الغريب ؟!. انا حتى لم أحلم بها أو أحدثها لأقول بأن الغرام سقاني من الحب كأس أسكرني , لكن أي غرام و أي حب هذا؟!
من أنا؟!
و من هذا الرجل الجالس بجانبي و يحدق بي ؟!
أنا: (صباح الخير يا سيد)
الرجل:( عذراً فصباحي لا يبدأ حتى ألتقى بعيني سيدتي).
أنا ( خف علينا يا نزار يا قباني)
ضحك الرجل الغريب و قال ( لقد عرفتني إذا , رغم أني أعتقد بأنه من غير اللائق أن تحدث رجلاً كبيراً هكذا)
قلت له بنبرة سؤال ( أنت نزار قباني ؟!) فوجدت الرجل يهز رأسه بأن نعم
أنا :(دعني أعرفك بنفسي إذا...)
قاطعني الرجل الذي اتضح بأنه نزار قباني وقال (أنا أعرفك , لقد مررت ببضع تدوينات لك).
عجبا عجبا , نزار قباني يقرأ لي و هو ينظر لي الأن و أن أضع على وجهي ملامح البلاهة .
قطع هو جدار الصمت المبني بيننا وقال ( في الواقع أردت أن أسألك سؤالاً بسيطاً؟)
أشرت له بأن تفضل , فقال (لماذا لم تعد تكتب عن تلك الفتاة)
أنا (أي فتاة؟)
هو( تلك التي كتبت له كلمات الحب)
أجبته (لا توجد فتاة أساساً , تلك الكلمات لم تكن شيئاً سوى عواطف سكير)
قال لي (و هل كنت سكراناً حينها؟)
فأجبته بالنفي , سأل مستغرباً (و كيف تقول بأنه عواطف سكير؟)
قلت له ( منعت نفسي من الخمر فهل أمنع نفسي من عواطفه أيضاً؟)
- ( أنت لا تشرب إذا, لماذا؟!)
-(لأن الخمر حرام)
-( و الدخان حرام لكن مازلت تدخن)
أجبته قائلاً ( لقد قالوا بأن من يذق خمر الدنيا لن يذق خمر الجنة)
-(إذا أنت تطمع في الجنة؟!)
-(طبعاً أليس هذا من حقي؟!)
إستدرك هو الموقف سريعا و قال (لنعد إلى موضوعنا الأساسي يا ولدي قبل أن يطالنا التكفير , إذا تلك الكلمات لم تكن سوى عبثٌ منك ؟ هل تدري كم من أنثى فرحت بكلماتك هذه و ظنت بانك تغازلها سرا؟!)
-(هههههههههههه , عذرا يا سيدي , لكن يبدو بأنك قد أخطأت العنوان فأنا لست من النوع الذي تحلم به الفتيات حتى تفرح إحداهن لظنها بأني معجبٌ بها , أنا من شباب الفريندزون ) .
تعجب الحاج نزار(الفريندزون!!!)
-( نعم من الشباب الذين قد تحلم بهم إحداهن كصديقٍ عادي تلجأ إليه عند حدوث مشكلة بينها و بين محبوبها لعلها تجد عنده حلا و أحيانا يمتد الموضوع فيصبح كأخ , لكن كحبيب !!  بإمكاني أن أكد لك بأني لست من ذاك النوع )
-(وماذا تظن نفسك فاعلٌ بهذا العبث , ألم تعلم بأن قلوب البنات ليست لعبة تتسلى بها؟!)
-(عذرا يا سيدي سأجيبك بإجابة مطولة تحمل شقين , الأول هو من قال بأني أتسلى بقلوب أحد ؟ هل قال أحدٌ بأنك تتلاعب بقلوب السيدات بقصائدك ؟! لا لم يقل أحدٌ ذلك , ستقول بأنك كتبتها لزوجتك بلقيس , سأقول لك بأن ما كتبته هو رسائل مستقبلية لزوجتي التي لم تأتِ بعد , لست مسؤلاً عن من سيظن بأن حديثي له , الشق الثاني من إجابتي هو بأنه إن كنت أنا مذنباً فأنت أيضا مساهم في هذا الذنب فأنت قد ساهمت بشكلٍ كبير في جعلهن يعتقدن بأن كل الرجال مثل نزار يكتبون الكلمات لمحبوباتهم , و نحن لسنا كذلك لذلك لا تلمني  بل لم نفسك أولاً , و سأضيف جواباً أخر و أقول بأن الناس عندما يقرؤون كلاماً عن المشاعر لا يفكرون في ذاك الذي كتب و بماذا شعر عندما كتب , بل يفكرون في أنفسهم , يسقطون هذا الكلام على واقعهم , فإن كان في الكلام معاناة و ألم يفكرون في معانتهم هم و مشاكلهم , و إن كان في الكلام حب و غزل فكلٌ يفكر في محبوبه الحالي أو المنتظر , و يصبح الكاتب مجرد وسيلة حفزت فيهم مشاعر معينة , يصبح الكاتب مجرد وسيلة لا مشاعر لها في نظرهم)
أحسست بدخول تيارٍ بارد من الشباك فنهضت لأغلقه و عدت لمكاني فلم أجد نزار نظرت نحو اليمين و نحو اليسار لم يكن في المكان أبداً , إختفى نزار و حلت مكانه على الكرسي الذي كان يجلس عليه كومة الثياب التي تنتظر منذ أسابيع موعد عودتها إلى الخزانة.
تباً , حتما قد شربت شيئاً في البارحة 

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

و لتحيا دولة الحقراء +18

رمضان - 2015
في مقهى يقع نهاية شارع دبي أكثر شوارع بنغازي حيوية في تلك الفترة , و الذي إستغل الحرب كما إستغلها غيره و إستعاد بريقه الذي بات يخفت في الفترة السابقة للحرب بعد بزوغ نجم شارع فينيسيا , و كأن دبي لم تعد تلائم الليبين و مواصفاتهم فإنتقلوا لأوربا بالتسميات , (أدم) كان إسم ذلك المقهى الذي إمتدت طاولاته أمامه في إنتظار المخاريم القادمين بعد إنتهائهم من وجبات إفطارهم و الذين سيعج بهم المكان و هم يتلقون جرعتهم اليومية من المكياطة , بين تلك الطاولات طاولة جلس عليها ثلاثة مخاريم جرت العادة بأن يكونوا أول المداومين كل يوم , كريم الفقيه , أنس بن غزي و العبد لله , كان انس يسترسل كعادته كل يوم في وصف مائدة إفطارهم قبل أن أستلم أنا من بعده الحديث و أصف ما حشوته في أمعائي بعد يومٍ طويل من الإمتناع عن الأكل , من بعيد جاء (إحميدة) و كل سكان شارع دبي يعرفون إحميدة , الرجل الدرويش الذي يدور في الشوارع على رجليه كل يوم دون أن يشكو يوماً من ألمٍ في قدميه , عرفت إحميدة منذ الصغر بصفته جار بيت جدي , و كانت هذه حالته منذ أن أبصرت ذاك الشارع , جاء و في يده كوب المكياطة , جر كرسياً و جلس بجانبنا , قطع حديث أنس و طلب منا (سبسي) , كان أمامه الإختيار بين الأوريس نعناع , الكاريلا أو المارلبورو الإيطالي , فإختار الأوريس , أشعله و قال بجدية (معمر طلع) , نظر ثلاثتنا نحوه ثم أردف :(و قال من أنتم ) , و إنطلقت منه ضحكة عالية جعلت كل من حولنا ينظر نحونا فلم يكن منا إلا أن ضحكنا , صمت للحظة ثم قال :(حتى الساعدي و صفية طلعوا ) , و أنطلق (إحميدة) بضحكاته حتى بات من المستحيل علينا أن نمنتع عن الضحك ولو للحظة , و بين تلك الضحكات كان (إحميدة) يقول بكلمات متقطعة (و عبد الله السنوسي و سيف و الجماعة كلهم ردوا) .
في ذاك اليوم كنا نضحك على هذه المقولات , و إستمرت هذه الجمل تضحكنا بين الفينة , صباح اليوم إستيقظت على أخبارٍ منتشرة على هذا الفيسبوك تتحدث عن عودة المدعو (الطيب الصافي) إلى ليبيا , و الإستقبال الذي قابله بعض السكان به هناك فتذكرت (إحميدة) و حديثه (الجماعة كلهم ردوا) ,
اللعنة ..
هل علم إحميدة بذلك , نعم إحميدة رجلٌ درويش و لكن متوارثنا الشعبي كان دائماً يتحدث عن أن الدراويش له رؤية بعيدة , و أحياناً يكونن (مرابطين) فهل إحميدة مرابط , أم تراه عرف قبلنا بأنا بلادنا عاهرة ليست إلا , و ثقافة الشارع علمتني بأن العاهرات نوعان ( فلوس و غية ) , واحدة تفعل ما تفعله بحثاً عن المال و طلباً له , و أخرى (غية) تقوم بذلك طلباً للمتعة من رجلٍ تريده هي , فأي أنواع العاهرات بلادي , أم تراها جمعت النوعان , عرفتها تحب صاحب المال و صاحب القوة , من سيجازيها بالمال و من يتحكم بها و يقودها كما يريد وفقاً لرغباته و يعاملها كجارية غنمها في غزوة من الغزوات , و طوال معرفتي بها كانت هي ترحب بالإثنين , و هاهي بالأسبوعين الماضيين فقط تستقبل إثنان من أصحاب الاموال , السراج غرباً و الصافي شرقاً , رغم أنها رحبت كثيراً برجالٍ سبقوهما كانت أفكارهم مختلفة عن هؤلاء فأحبوها حتى ماتوا بحبها , هاهو الصافي اليوم يدخل لينام على سريرها الذي نام عليه قبله رجالٌ ماتزال دمائهم واضحة عليه , لا مشكلة في ذلك عندها طالما أنت من أصحاب المال أو السلطة ,أما إذا ما كنت من (رقادين الريح) فمكانك تحت الأقدام و ربما أسفل من ذلك .
لم أرد يوماً أن أشبه بلادي بفتاة ليل ,لكن هي و ما رأيته منها أجبراني على ذلك , و شعبها الذي رحب بكل أولئك الرجال الذين شاهدوهم يمارسون فيما بدى بأنه مشهد إغتصاب , يقفون الأن مطبلين لمغتصبٍ جديد , ماذا عساهم أن يكونوا ؟! , حسنا ماذا يمكن أن يكون من يسلم إمرأة يعرفها إلى رجلٍ جديدٍ كل يوم و يرسله إلى سريرها مقابل نظيرٍ ما , ماذا عساه أن يكون غير قواد , أليست هذه مهنة القوادين ؟ عجباً !! قالوا بالأمس بأننا بلد الميون حافظ لكنهم نسوا ذكر الخمسة مليون قواد د ,خمسة مليون قواد يعملون لعاهرة واحدة .
صدق ذاك الرجل القائل (فلتحيا دولة الحقراء)
الله يمسيك بالخير يا إحميدة 

الأحد، 10 أبريل 2016

كيف جودي كيف المزرعة.


كالعادة في كل ليلة أخرج لأتمشى قليلاً على قدميِّ , الوجهة مدينة واقعة جنوب المتوسط بلونه الأزرق الجميل تدعى بنغازي , أما مكان الإنطلاق فهو من مدينة في جزيرة في شرق المتوسط أسماها قومها ماقوسا و أسماها المحتل الإنجليزي يوم كان هنا فماقوستا , حرت كثيراً بين الأسماء عند قدومي ولم أعرف لهذا التغيير الذي أجراه الإنجليز سبباً , ألم يعرفوا بأن الأسماء لا تحمل قيمة إلا عند إعتراف الناس بها , جدَّي مثلاً كانت أوراق الحكومة تقول بأن إسمه أحمد , لكن أحداً لم يعترف بهذا الأسم سوى الحكومة فكل من عرفه كان يناديه ب(حمد) لماذا هذا التشبث المستمر حتى اليوم بتغيير أسماء الشوارع و الأحياء عند قدوم حاكمٍ جديد ,نحن من نعطي للأسماء هويتها لا العكس و طالما لا نعترف بالأسماء ستظل مثل قرارات الحكومة الموعودة مجرد حبرٍ على ورق .
و بينما أنا أفكر في هذا اللغز العظيم وجدتني أصدم كتف رجلٍ مسن كان يسير في الإتجاه المعاكس فقال بصوتٍ من إستفاق من شيءٍ مرعباً :" بسم الله " , نظرت إليه و بإرتباكٍ و إحراجٍ شديدين قلت له :" سامحني يا حاج" , فقال :
" أنت اللي سامحني , لم أنتبه لك , غير و الله نخمم."
و بشيء من الفضول و كثيرٍ من النفاق الإجتماعي قلت له :" خيراً إن شاء الله بماذا تخمم؟".
و كأن الحاج لم يصدق سؤالي , وكأنه كان يدور منذ الصباح الباكر بحثاً عن من يسأله هذا السؤال حتى يحكي له و يشكي , خرجت منه تنهيدة طويلة حملت معها هموماً بدت في عمره تقريبا و قال :" هييييه , و الله ماذا أقول لك يا ولدي , فأنا "علي الطلاق"لم أفهم شيئاً في هذه البلاد كنت شاباً في سن المراهقة تقريباً عندما جاء الملازم أول معمر القذافي و أعلن قيامه بثورة أسموها إنقلاباً في ما بعد على نظام الحكم الملكي , و قالوا لنا بأن هذا الملك و حكمه هو حكم إمبريالي رجعي , فخرجنا في الشوارع فرحين بهذا النظام الجديد الذي حل علينا و بهذا الرئيس الذي قال أنه من الشعب , و صرنا نردد قومية و وحدوية , و علمونا بضع مصطلحات صرنا نرددها كل يوم كالإمبريالية هذه مثلٍ , كنا نظنها شيئاً قبيحاً حتى أتى يوم السابع من أبريل في إحدى السنوات و رأيت زملائاً لي يشنقون وسط الجامعة , شبابٌ كانوا من أفضل الناس و قالوا لنا بأنهم أعوانٌ للإمبريالية , و باتت المشانق تنصب يوماً بعد يوم في كل البلاد بطولها و عرضها , شهدنا اياما صرنا فيها نسخاً متشابهة , نرتدي ذات الملابس و ناكل ذات الطعام و كدنا نفكر بذات الطريقة و قالوا لنا بأنها الإشتراكية ثم تغير كل شيء و قالوا بأنها الرأسمالية رغم أني لم أعرف( الرأس من كرعيا ) واتضح بأنه لا فرق بين هذه و تلك (في الحالتين مازلنا رقادين رياح) , قل لي يا ولدي و أنت من جيل العولمة , هل تعرف هذه الأشياء ؟"
لم أرد أن أضع نفسي في موقف المتكلم فأجبته بالنفي لعله يعتقني , لكنه عاد للكلام و قال :
" ثم جائت (التورة المباركة) و قالوا لنا بأن زمن الظلام إنتهى و الأن وقت الحرية وأن زمن (حمد و أحميدة) إنتهى , و عشنا في هذه الحرية (لكن شكلها حرية إستيراد أمريكي غارق) , فهذه الحرية لم تعمر معنا كثيراً فبدل المشانق حلت اللاواصق ,ظهر لحمد و إحميدة أخوان أخران هما (سالم و سلومة), و رحل السابع من أبريل لكن ذكراه باتت تحوم حول باقي الأيام فصرنا كل يوم نسمع عند عمليات إغتيال و قتل بحق أحدهم , حتى معسكر السابع من أبريل و الذي غيروا أسمه مزالت الدماء بركاً حوله , و بدل مؤتمر الشعب العام جاؤوا بالمؤتمر الوطني , و بدل التصعيد جاؤونا و قالوا إذهب لإنتخاب ممثليكم , فذهبنا و غطسنا أصابعنا في أحبار زرقاء و فاز فلان و فلان , ثم فشل هذه المؤتمر فعادوا و قالوا بأن من أنتخبتوهم هم من الأخوان و قد باعوا البلاد و الأن جاء دور مجلس النواب فإذهبوا و صوتوا لهم , يومها أمسكني الحاج عقيلة الكواش صاحب كوشة شارعنا وقال لي (راك تنتخب إخواني) , فقلت له بأنه لا أحد من إخواني رشح نفسه لذلك لم إنتخب إخواني , بل إنتخبت (ولد سيدي) , و جاء مجلس النواب و بدأ عمله فقام الأخوة من المؤتمر وقالوا لا نسلم لكم و صارت عندنا في البلاد حكومتان , إستبشرنا بهذه المجلس خيراً لكن (طلعوا كولاصة كيفهم كيف اللي قبلهم و طلع الإخواني كيفه كيف اللي مش إخواني غير فرق أسماء) و حتى ابن عمي الذي ظننا بأنه يهلك نفسه في العمل , أخبرني أحدهم بأنه في مصر منذ أشهر و قد غاب عن أغلب الجلسات".
فقلت له مازحا :" ياحاج معروفة من أيام المدارس اللي يغيب يديروله إستدعاء ولي أمر".
فرد الشاب متعصبا :" (هذي زمان أيام كانوا عويلة لكن كيف هذوما بعويلهم المفروض عاقلين و عارفين روسهم من كرعيهم , و عيب جغلة كيف هذا يديروله إستدعاء, أول أمس نكلموا في أمه نسألوا عليهم ) فهذا السيد منذ تولى منصبه لم يعد يرد على أحد و قد قالت أمه بأنه مشغول (نعنها شغلتي نا اللي في القاهرة هذي)  , يا أخي حتى في الدين تخيل بأنه في كل يومٍ يظهر لنا شيخٌ بوجهٍ جديد و يقول بأن غيره باطل , في البداية كان أولئك القوم ثم خرج قومٌ أخرون قالوا بأن من قبلهم تكفريون رغم انهم تقريباً متفقون في كل شيء (مش حندوي عليهم أكثر خير ما يكفرني واحد منهم يا وليدي), (وزيدها يا زايد) صباح اليوم توجهت إلى المصرف لأسحب راتبي فقالوا لي (مافيش سيولة يا حاج) , نفس الظروف و نفس الأفكار إختلفت فقط مسمياتهم ,ففي كل الحالات سأعاني انا من نقصٍ في السيولة بينما يجلس السياسي المحترم في فندق بمصر على حسابي أنا , (شن الفرق بالله عليك بين الفاتح و فبراير و بين العلماني و الأخواني ولا بين هذك الشيخ و هذك الشيخ امغير الأسماء؟ كيف حليب جودي و المزرعة زمان , هن الإثنين حليب و هن الإثنين من بقرة غير الفرق في الباكوات , توا بالله عليك شن يفرق شكل الباكو كان الحليب مر و ما ينشرب؟) , لهذا ياولدي سامحني لأني صدمتك فلم أنتبه لك".
قلت له بأني أيضاً كنت أخمم ولم أنتبه , سألني فيما أخمم فأجبته :" في الأسماء يا حاج".
-:" اه !!! أسماء ؟؟؟! لنقنكم إلا جيل تعبان , علي الطلاق جيل يخاف ما يتحشم".

الأحد، 3 أبريل 2016

حياة العكب


دعوتها في هذا اليوم إلى شرب فنجانٍ من القهوة معي , تطلب الأمر مني ساعاتٍ حتى عرفت معنى كلمة (نعزمك) بالإنجليزي أدخلتها مراتٍ على القوقل و حار فيها الشيخ العالم حتى اكتشفت مصادفة بأن (نعزمك) هي النسخة الليبية لفعل (أدعوك) , و أن أدعو شخصاً لشرب القهوة معي هذا شيءٌ نادر الحدوث , فبيني و بين القهوة أسرارٌ كثيرة , بيني و بينها محرابٌ سري لا يجلس فيه سوانا , و إن دعوت أحداً لهذا المحراب فأنا أراه تكريماً مني لهذا الشخص , و رفض الدعوة أو جعل قبولها إحتمالاً كما فعلت هي أراه يحمل بعضاً من الإهانة لقداسة محرابي .
ذهبت أنا إلى محرابي , أقصد إلى المقهى الذي إعتدت الجلوس فيه طلبت كوباً واحداً من القهوة و إنتظرتها , دقيقة .. إثنان.. ثلاثة ... خمسة عشر .. نصف ساعة , أخرجت من حقيبة ظهري كتاباً أقرأه بعد أن قلت بأنها لن تأتي , لكنها قررت القدوم بعد قلبي لثاني صفحة من الكتاب , رحبت بها و جلست أمامي بشعرها الأسود الممتزج بشيءٍ من الأصفر , بقميصٍ كان لونه أزرقاً زرقة البحر , لا أذكر متى بات الازرق أجمل الألوان عندي , طلبت لها كوباً من القهوة و قطعة من كيك الجبنة (تشيز كيك بلغة الفرنجة) , رغم أني لا أفعل ذلك عادة , سألتها عن سبب تأخرها فقالت بأنها كان تكتب عن زهى حديد و تشاهد بعضاً من أعمالها , ثم قالت :

"it's too sad that she died ,isn't it"

تطلب الأمر من مترجم الوافي بعقلي بضع لحظات حتى أدركت بأنها تعبر عن حزنها لوفاة زهى و تسأل إذا ما كنت أشعر بهذا الحزن فقلت لها بأني لا اشعر بذلك الحزن , تعجبت من ذلك و قالت بأن رحيل زهى هو خسارة لكل العالم , قلت لها
:" لماذا تكون خسارة , هي قدمت للعالم مشاريع معمارية جميلة لكنها نالت أموالاً لقاء أتعابها , ألم تسمعي عن أخر مشاريعها التي طلبت مقابله مبلغاً خيالياً , ثم ما نفع أن نضعن مبانٍ جميلة في بضعة أماكن من الأرض بينما يظل باقي الأرض صحراء قاحلة يموت فيها سكانها كل يوم , ثم إنها قالت يوماً بأن الغرب حاربها لكونها عربية و العرب حاربوها لكونها إمراة , أنا عربي ولم أحاربها يوماً, في الواقع قد كنت أقدرها قليلاً قبل سماعي لهذه الجملة , فهي ثارت على كل العادات , أصبحت أول إمرأة تنال إحدى جوائز العمارة , حطمت بعض العادات التي كانت عندنا نحن العرب كونها إمرأة خرجت من مجتمع يؤمن بأن المرأة لا تستطيع تحريك حجرٍ من الأرض , هي ثارت حتى على بعض مباديء العمارة التي تقول بأن العمارة أساساً تعتمد على الوظيفة لا الشكل , و هي قد جائت بعكس هذا , جائت بمشاريع كان الشكل فيها أهم من الوظيفة , لكن في النهاية أنا لم أستفد منها شيئاً كذلك غالبية سكان الأرض لهذا لا أشعر حقاً بالحزن كما يفعل كثيرون اليوم , منهم من لم يعرف من هي زهى قبلاً لكنه رأى بأن العالم يتحدث عن وفاتها فأحس بأنها شخصية هامة , و منهم من ألمته لكونها عربية فقط ".
قالت :" ألا يكفيك كونها مبدعة ؟"
-"هذا العالم مليء بالمبدعين لكن بعضهم لم تتح له الفرصة فقط , من يدري ربما إذا ما أعطينا طفلاً صوماليا فرشاة و ألوان لرسم لوحة أجمل بكثير من بضع التفاهات التي نراها تباع اليوم بملايين الدولارات , و لربما قدم هذا الفتى للعالم فائدة أكبر و أهم , لو أنه نال فقط بضعة عدسات تصويرٍ أمامه , هل سمعتي يوما عن (إحميدة العكب)؟".

سألت بإستغراب :
" who's hmaida alakab, and what's the meaning of alakab".

أدركت بأني قد أوقعت نفسي في فخٍ لم أنبته له ,كيف سأترجم لها معنى العكب , فقلت لها بسرعة حتى أنقذ نفسي بأنه :
"إسم و الأسماء لا تترجم , و العكب هذا جارنا في بنغازي ".

قالت :" أنا أحدثك عن معمارية كبيرة و أنت تحدني عن جاركم ".

قلت لها :" مهلك علي يا حفيدة أتاتورك , فالعكب هذا كان عالماً بل عالماً كبيراً أيضاً , إنه كميائيٌ معروف في حيينا ".

فسألت بلهفة :" جاركم عالم كيمياء ؟ , أي نوع من الكيمياء , هل هي حرارية أم كيمياء علم الكم "

فأجبتها :" هو عالم في كيمياء علم الكيف , عُرف هذا العكب بأفضل أنواع القرابا في بنغازي , و القرابا هي الخمر منزلية الصنع , يشرف عليها بنفسه و لم يشكو أحداً يوماً من قرابته لا حالات تسمم ولا شيء , كما أنه أيضا يبيع طروف الخمسة و العشرة , و لم يقل أحداً بأنه قد إشترى طرفاً مغشوشاً منه , حتى وسط إرتفاع كل الأسعار ظلت أسعار العكب و منتجاته كما هي لم تنقص و لم تزيد ليظهر بذلك مقدار وطنتيه و بأنه غير إستغلالي, و من دخن بفرة لفها العكب بنفسه لن يدخن بعدها بفرة من أحدٍ أبداً , فالعكب فنانٌ في اللف , و على عكس زهى قد إهتم العكب بالوظيفة لا المظهر , فبفرته ذات مفعول سريعٍ سرعة الضوء بل و أسرع ".

سألتني :" و أين هو هذا العكب ؟".

قلت لها بصوتٍ حزين :" لقد مات العكب بعد أن إنفجرت إحدى أنابيب الغاز في بيته بينما كان يعد قرابته , مات بينما كان يؤدي وظيفته في تحضير مهدئات للشعب و قد ضُم لقائمة شهداء الواجب الذين ماتوا أثناء تأدية أداورهم في المجتمع , مات و خلف ورائه سمعة طيبة في كل الحي بل و ان سمعته في المدينة لأنظف من سمعة السياسيين فيها , و مزال السكارى و المزاطيل يترحمون عليه في كل يوم بعد أن حُرموا من مهدئاته و إضطروا لأخذ البضاعة المغشوشة ".

سألتني:" و كيف تعرف كل هذا عن العكب , هل سبق و جربت شيئاً من عنده".

قلت لها بسرعة :"إذكروا محاسن موتاكم , و لنغير الموضوع بسرعة قبل أن أصير أنا أيضاً في عداد الموتى  من قبل الرقابة".

النهاية

ملاحظة : لو قرأت هذه الكلمات و انت من الرقابة فهذا الحوار وهمي بكل مافيه من الفتاة للعكب وكل ماذكر فيه عارٍ عن الصحة أما إذا كنت من من حُرموا من خدمات العكب فراسلني على الخاص حتى أعطيك أرقام موزعين معتمدين لما تبقى من منتجات العكب و من تعلموا الصنعة على يده.

السبت، 2 أبريل 2016

ضوء اخضر



*تحذير , لأصحاب العقول المسوسة هذه التهريسة قد تكون +18 لذلك وجب التنبيه


يوم السبت , منذ صغري كرهت هذا اليوم كرهاً لم أحمله لأي يومٍ أخر , قديماً كان السبت يعني عندي عودتي للمدرسة و لطابور الصباح و لتلك الوجوه الكئيبة التي قيل بأنها لطلبة و مدرسين , ثم صار السبت عطلة فبات أسرع يومٍ يمضى , لم يتعلم هذا اليوم من أخيه الأكبر منه جمعة كيف تكون العطل , و الأن هو أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع , حين تصبح هذه المدينة القاطنة لجزيرة في المتوسط تدعى قبرص , تصبح كراقصة تعمل في ليالي نهاية الأسبوع , تقضي كل أيام الأسبوع كفتاة محتشمة تسير من بيتها للجامعة و من الجامعة للبيت , تنقلب حياتها تماما في نهاية الأسبوع فتظل ساهرة لساعاتٍ متأخرة من الليل تجالس السكارى في الملاهي الليلية , تصحو ظهر السبت مكموخة من أثار شرب الفودكا ليلة البارحة , و بينما صحيت أنا و في رأسي نقصٌ في سيولة الكافيين فحضرت لنفسي كوباً من القهوة صرت أعده كل يومٍ كروتينٍ ممل أقوم به .
على الفيسبوك ظهرت علامة خضراء بجانب إسم صديقٍ لن أذكره حتى لا تكون هذه نميمة أو تشهير ضطت على زر الإتصال , إنتظار , رنين , المزيد من الإنظار ثم :"ألو" جاء صوته بنبرة تدل على أنه قد صحى من نومه للتو , سأل عني و عن حالي فأجبته بأني قد مررت بأسبوعٍ ممل مزال يرفض أن ينتهي , فقال لي بأن هذا الأسبوع قد كان مليئاً بالأحداث , سألته "لماذا مالذي حدث؟!" فقال :" بأن زهى حديد قد ماتت؟!"
لم أكن أتوقع أن يعرف صديقي هذا زهى حديد و لكن مالذي جعل وفاتها شيئاً مهما بالنسبة له , سألته و من تكون زهى حديد حتى يكون خبر وفاتها حدثاً كبيراً في أسبوعي , هنا تركته يتحدث و بدأت أفكر في أن مالذي جعل وفاة زهى حديد شيئاً مميزاً , كل يومٍ يموت مئات المبدعون الذين لم تتح لهم فرصة ليظهروا إبداعهم , ثم مالذي قدمته هي لي حتى يكون رحيلها حدثاً بالنسبة لي , بالأمس إنتقلت إحدى جارتنا من العمارة المقابلة, رفقة إبنتها طالبة الثانوية , حزنت على رحيل هذه الفتاة أكثر من رحيل زهى , فقد حُرمت من مساءٍ جميلٍ في كل يومٍ تخرج فيه هذه الفتاة لنشر غسيلهم في الشرفة المقابلة بينما كنت أجلس في شرفتنا مدعياً بأني أقرأ .
أعادني للمحادثة صوت صديقي الذي قال :" ألو ألو" , طمنته بأني مازلت معه على الخط فقال :
" وفيه حاجة أخرى (إنقطاعٌ في الصوت) خش".
قلت له :" شن اللي خش ؟!"
فأجاب :" السراج السراج خش لطرابلس".
شعرت بأني قد سمعت هذا الإسم قبلاً , ثم تذكرت بأنه رئيس الوزراء الجديد ذاك فقلت له :
" طرابلس ياما خشلها شن الجديد يعني , مالذي سيكون مميزاً في دخول السراج لطرابلس ؟!"
فأجاب :" تي كيف يا راجل , بإذن الله سيهدأ حال البلاد الأن و و و و"
فقلت له :" بس هو ما خشش كله "
رد علي بصوتٍ فيه بعض الشك :" كيف؟!"
قلت له :" هو لم يدخل بكامله , هو دخل طرابلس فقط , و دخول طرابلس ليس له ذاك التأثير , دخول طرابلس فيه فقط بعض المتعة كما دخول طبرق , الدخول الحقيقي هو دخول بنغازي , كل من أراد أن يحكم ليبيا أتاها من بنغازي , و من بنغازي وُلد كل شيءٍ حدث في ليبيا , ثم إنه لم يدخل بعصاه , و حتى يأتِ بتلك العصا سيظل كأنه لم يدخل ".
سألني صاحبي عن أي عصا أتحدث فأجبت :" عصاه السحرية , كل علاقة فعالة بليبيا تستلزم وجود عصا فالسادية الليبية , أقصد السيادة الليبية تتطلب وجود عصا , أنظر لقراتسياني و عصا المارشلات التي كان يحملها ,إدريس السنوسي كان يملك عصا يتكأ عليها و قد تغنى الشعب بها , القذافي إمتلك عصاً هو الأخر , كذلك عبد الجليل حمل عصاه في بداية الثورة , لكنها فُقدت في ظروفٍ غامضة بعد دخول سرت ".
تعجبت من صمت صاحبي هذا فقلت فنادتيه ولم يجب , إنقطعت المكالمة و إختفت العلامة الخضراء تلك فعرفت بأن الخط قد قُطع , و قلت عجباً مر على دخول السراج يومان و مزال الإنترنت ينقطع في ليبيا.

الاثنين، 28 مارس 2016

مرسال لحبيبتي


عزيزتي التي نستني...
كيف حالك ؟
أكتب لك هذه الرسالة و في القلب بعض الغضب و الحزن لكن الشوق دفعني لأن أراسلك , كنت بأمسية جميلة في الأيام الماضية , ليلة ليبية بإمتياز أعادتني إلى تلك الأرض , عشت بضعة ساعات ليبية بإمتياز, ارتسمت على شفتاي إبتسامة فيها و فاض خاطري فرحاً بها , لكن هذا الفرح لم يدم , عرضوا في تلك الأمسية فيلماً قصيراً ظهرتي أنتي فيه , و ما أن ظهرتي على الشاشة حتى عم القاعة صراخ فرحٍ و تصفيق , توقعت أن أفرح لرؤويتك لكن لا لم أفرح , على الأقل ليس بقدر فرح الأخرين , و لأكون صريحاً بداخلي اتقدت نارٌ ممزوجة من الغيرة و الشوق و العتاب , نعم عتاب , أعاتبك لأنك لم تراسليني و لم تحدثيني طوال أشهرٍ ستة , أم تراك نسيتي ؟! , أنسيتي عندما كنت أحمل حبك في قلبي و أخرج متجولاً في الشوارع به ؟ هل أغناك من هم حولك الأن عني ؟ هل أنستك أعمالهم حبي لك ؟ إني لأحسدهم حقاً , فمن هؤلاء رسامٌ أمسك فرشته و رسمك جميلة واقفة بوشحها الأسود الذي يخفي ورائه جمالٌ ما بعده جمال , منهم شاعرٌ يمسك قلبه و ينثر حبره على الورقة فتخرج منه قصيدة تتغزل بحنانك الذي ينسي الجريح آلامه , منهم جريح هوى ضحى بأحد أطرافه حتى يريك مقدار حبك , و من الحب ما قتل .. أما أنا فماذا بيدي لست برسامٍ ولا شاعرٍ ولا أجيد إستعمال السلاح , فكيف تطلبين مني أن أريك حبي مثلهم , ألم يكفيك بأني قلتها بأعلى صوتٍ عندي ؟! , لا أعلم لماذا غرت من أولئك الفرحين برؤويتك , ربما لأني أردتك لي وحدي فقط , ربما ستقولين بأني هجرتك و لكن هجرانك لم يكن بيدي , أنتي من دفعني لهذا الرحيل و الهجران , لأنك لم تعودِ كما عهدتك , حاول الزمان أن يذلك فأصبحتي يا عزيزتي قاسية على ناسك , أحببت جلوسي في مقاهيك منتظراً عودة جامعتي لكن الإنتظار طال فنويت الرحيل طلباً لما لم أجده فيك , و حتى رغم رحيلي فإن قلبي مزال في كل لحظة ينبض فيها هنا يقول فيها إسمك , مازلت أرى خيالك في كل زاوية هنا , كيف لا أفعل و انتي صاحبة الحب الأول .
أما شوقي فهو من يجعل قلبي دوما يحن عليك , يجد لك أعذاراً و يقول بأن لا تظلمها , هو من يدفعني للتفكير بيك في كل يوم , هو من يجعلني أتنفسك في كل لحظة , أي سحرٍ سحرك الذي سحرتيني به يا بنغازي ؟! , هل هي بسمة ناسك و ودهم أم تراه دفيء شوارعك , أو قد تكون رائحة سبخك , هذه الرائحة التي تعففت منها دوما و الان أتمنى بأن أعود حتى للحظة لكي أستنشقها , و ربما تكون هذه العودة قريبة , أعلم بأنك لن تردي على هذه الرسالة و ربما حتى لن تقرئيها , لكني أيضاً أعلم بأن لي قلبٌ سيظل عاشقاً لك مهما حدث و حتى لو نسيتي أنت فأنا لا أعرف للنسيان معنى, هنا تستحضرني أغنية من المغرب الشقيقة تقول :" مزال مزال عشقك في البال ننساك محال ياللي نسيتينا"

الأحد، 27 مارس 2016

على الرصيف 3


خارجٌ من محاضرتي دون أن أحدد مكاناً أقصده , تفصلني ساعةٌ عن المحاضرة الأخرى ولا مكان أقصده لقضاء هذه الساعة فيه , لمحت على الرصيف رجلاً دلت ملامح وجهه على أنه يعيش في هذه الدنيا منذ فترةٍ طويلة , يجلس عالأرض بزي عمال النظافة و عربة النظافة واقفة أمامه و في يده كتابٌ يقرأه , مشهدٌ جميلٌ إستحق في رأي أن تُلتقط له صورة فدنوت منه طالباً الإذن في تصويره:
"السلام عليكم يا عمي , هل تسمح لي بإلتقاط صورةٍ لك ؟".
أمسك اكتابه و قد ثبت الصفحة التي يقرأها بإصبعه و نظر نحي فقال:" لماذا ؟! هل تجده أمراً غريباً أن تجد عامل نظافة يقرأ؟"
أحسست ببعض الخجل من نفسي بعد هذا السؤال و حاولت أن أخفيه , شعر هو بذلك فحاول أن ينهي هذا الخجل قائلاً :
بدلاً من تصوير من يقرؤون في الأماكن العامة أو تصوير البسطاء من أمثالي يجب أن يُرى الأمر على أنه شيءٌ عادي , تصويركم هذا جعل الأمر يبدو و كأنه ظاهرة غريبة"
قلت له :" لكن الأمر يبدو فعلاً ظاهرة غريبة , فلن ترى في كل يومٍ عامل نظافة يقرأ"
طوى العجوز الصفحة التي كان يقرأها و أغلق الكتاب و قال :
" هل تملك بعضاً من الوقت لحديثٍ قد يطول و يكون غريباً من رجلٍ مثلي؟!"
أشرت له بأن نعم أملك الوقت فدعاني للجلوس و استجبت لدعوته , طوى , وضع كتابه جناباً و قال :
" إن عامل نظافةٍ مثلي يجب أن يقرأ , فحتى أحافظ على نظافة هذه الشوارع يجب أن يكون عقلي نظيفاً , ولا شيء أفضل من الكتب للمحافظة على نظافة عقولنا , فعقولنا شوارع و الكُتَّأب هم عمال النظافة في هذه الشوارع أما كتبته فهي أشبه بأدوات النظافة التي يجمعون بها الأوساخ , ولولا هؤلاء الكتاب و كتبهم لإمتلئت شوارع عقولنا بالأوساخ و التفاهات , أما عن سبب ندرة وجود هذا المشهد فهناك سران , الأول بأننا نشعر بالخجل من اهتمام الناس بنا عند القراءة , فلو مررت أنت من هنا و وجدت زميلاً لكيقرأ لما فكرت في أن تصوره , ربما لم تكن لتقطع خلوته مع كتابه كما فعلت معي , شيءٌ أخرٌ ألا و هو بأن ناشري الكتب باتوا يرون الأمر كتجارة لهم , فرفعوا أسعار الكتاب حتى بات ثمنها صعباً على أمثالي , و الحجة بأن الخامة مكلفة , باتوا يظهرون إهتماماً بغلاف الكتاب فيزنونه و يزخرفونه و هذا يعكس بأننا في زمنٍ تنظر فيه الناس لظاهر الأمور و تولي إهتماماً أكبر بها , و أخيراً أقول لك بأن الناس تقرأ لتعيش حياة أخرى لفترة , فالغني يقرأ قصصاً عن المعاناة ليذوق طعمها , و نحن نعيش هذه المعاناة في كل يوم فلماذا نقرأ عنها ؟ , بعض الكتب تحكي قصصاً عن الحب , و نحن نظهر هذا الحب في أفعالنا , أنا مثلاً أظهره في عودتي للبيت حاملاً كل متطلبات من هم في بيتي و أعيش لحظاتٍ من السعادة لفرحهم بعد يومٍ تملؤوه المعاناة ".
هنا نظرت لساعتي و أدركت بأنه يجب علي اللحاق بمحاضرتي و قبل أن أقوم صدمني شخصٌ من الخلف فأعادني لوعيِّ , و جدت بأن كل هذه المحادثة لم تكن إلا حواراً دار في عقلي و بأن الرجل مزال يقرأ , فرحلت تاركاً ذاك العامل على الرصيف .

السبت، 26 مارس 2016

يا ولدي


عزيزي ابني الغالي , كيف حالك ؟! أرجو أن تكون بخيرٍ حيث أنت , اعذرني على تأخر لقائي بك و لكني انشغلت بتوفير ما تحتاجه لتعيش حياة طيبة عندما تأتي , ثم اني مازلت أبحث عن من تكون أماً لك , و يبدو أن بحثي سيطول يا ولدي .
أردت إخبارك بأني قد إخترت (مالك) إسماً لك , لا أعلم إذا ما كنت تحبه أو لا , لا أدري إذا ما كان سيعجبك و لكن لا يهم , المهم أنه يعجبني أنا , هكذا تجري الأمور عندنا , يقرر الأبوان أو أحدهما ماذا سيكون اسم مولودهما المنتظر دون أن يشاوروه أو يأخذوا رأيه , ولأننا مسلمون , سيكون الإسلام دينك أنت أيضا, سترث عني هذا الشيء , ستكون صغيراً على اختيار مثل هذه الأشياء , فاخترتها أنا لك , كما ساختار لك لون غرفتك و نوع أكلك و موعد نومك , سأكون صريحاً معك لن تكون قادراً على إختيار أي من هذه الأشياء.

عندما تكبر قليلاً ستبدأ في الدراسة , سأحرص على أن تكون طالباً متفوقاً حتى أقول أمام الغير بأن ولدي متفوق , و حتى تتمكن أمك من إغاضة زوجة أخيها لأنك نلت درجة أعلى من ابنها , سأملىء رأسك بأنك يجب أن تكون طبيباً , ربما ستريدك أمك مهندساً , و لكن عدا ذلك لن تكون شيء أخر , لا يوجد مهن أخرى , ربما ستقول لي بأنك تريد أن تدرس الأدب , ولكن كلا , ولدي لن يكون إلا طبيباً أو مهندساً , حتى أقول أمام الكل بأني والد الدكتور مثلا , سأختار لك أي فريقٍ رياضي تشجع فلن أرضى بأن يكون ابني أهلاوياً , سأحدد توجهك السياسي وفقاً لتوجهي تماماً كما أحدد لك ملابسك التي سترتديها .

دعني أقل لك بأني سأفرح عند تخرجك , سأبني لك شقة فوق بيتنا حتى تكون قريباً مني , سأسعد عندما تأتي و تقول بأنك صرت تريد الزواج , و سأختار لك أجمل بنات عمك , ربما سنناقش هذا الأمر إذا ما قررت أمك أن تختار لك ابنة خالك , سنفكر في ذلك لاحقا , بالطبع سأفرح عندما أصبح جداً و اختار بنفسي اسم حفيدي تيمنا باسمي و سأدعك تربيه كما تريد و تختار .

ستظن بأني لن أدعك تختار حياتك كما تريده , لكن دعني أقل لك شيئاً , إن هذه هي الطريقة التي نفعل بها الأمور في هذا المجتمع , الغالبية تفعل هذا , يختار الأبوان كل شيء لإبنهما , يختاران له حياته , يحاول الأب أن يربي ابنه كأنه يصنع نسخة مصغرة من نفسه , ستكون عبارة عن نسخة كربونية مني , نحن يا ولدي مجتمع يحب فيه الاباء أن يزرعوا بذورهم في الأبناء , ليكبر الأبناء و يكملوا حياتهم وفقا لما يريده أبائهم فيما يعرف بالعادات و التقاليد عندنا , لا نحب كسر هذه العادات و كاسرها مُلامٌ من الجميع , اعذرني يا ولدي , و الأن انصرف إلى غرفتك فورا! اه لقد نسيت بأنك لم تولد بعد.

الجمعة، 18 مارس 2016

انا و مرقس


وجدت نفسي في غرفة حيطانها لم تكن بالغريبة علي , حتماً رأيت هذه الغرفة في إحدى حيواتي السابقة , هل كانت عندما جعلني توفيق الحكيم صرصاراُ أم تراها عندما صرت شابا عاش في عام 1919 ؟! , لا لا هذه الغرفة تبدو أقدم بكثير من أن تكون في القرن الماضي , بينما أنا غارقٌ في حيرتي دخل رجلٌ يرتدي ثياباً تعود إلى حقبة الرومان ربما , شعره أبيض و لحته بيضاء , بشرته قمحية تحمل تعابير وجهه هدوءٌ لم أشهده مثله قط , قمت من مكاني و سألته :" من أنت؟" .
إبتسم الرجل إبتسامة بسيط و قال :" ليلتزم كلٌ منا بدوره يا بني , انا من يجب ان يسأل هذا السؤال , فأنت تقف في غرفتي كما تشاهد ".
نظرت حولي في الغرفة بتمعنٍ فوجدت لوحة لسيدة يخرج من وجهه نورٌ غريب , صليبٌ معلق على الحائط بجوار الصورة و تحتهما في بروازٍ مذهب كانت هناك مخطوطة كتب عليها (ها انا ارسل امام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك
صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة) , قرأت هذه العبارة ثم رددتها بصوتٍ هامس , و نطق لساني بعدها فقال :" لقد قرأت هذه العبارة قبلاً , أليست هذه العبارة من إنجيل مرقس " .
نظر الرجل نحو الحائط ثم نحوي و ابستم ثم قال :" هي فعلاً من الكتاب المقدس , و يبدو أنك فتى متدينٌ يا بني , فحسب ما سمعت مؤخراً أنا أحدُ لم يعد يحفظ هذه الأشياء , و انا مرقس البشير كما يسمونني , لكنك لم تقل لي , أي الأسماء إختار لك الرب ؟ أو من أي بقاع الأرض أنت ؟".
أصابني بعض الحرج من التعريف بنفسي , فهذا مرقس الإنجيلي يظنني شاباً نصرانياً لكني قلت له :
"أحمد , إسمي أحمد و أنا من ليبيا ".
كانت علامات الذهول على وجه البشير واضحة رغم محاولته إخفائها لاحقا , دعاني للجلوس على حصيرة كانت في منتصف الغرفة و قال :" إذا أنت من أهل الإسلام , فلا يعقل أن تكون نصرانياً و يكون اسمك أحمد , لكن لا مشكلة في ذلك , فمن دخل داري صار ضيفي ".
ناولني قدرٍ فيه ماء و قرب مني طبق عنب كان على الحصيرة و قال
:" لقد سمعت بأن كل أهل ليبيا قد دخلوا الإسلام , و قد تظن بأن ذلك يزعجني , لكن لا , فليبيا أول مكان بدأت فيه دعوتي للمسيحية بشمال أفريقيا , و لي ذكرياتٌ طيبة مع أهلها , و في النهاية لا يهمني دين الشخص , المهم هو أن يكون مقتنعاً بدينه إقتناعاً كاملاً , عندما دخل قومك للديننا قبل ألاف السنين كانوا قد دخلوا عن إقتناع , كذلك فعلوا عندما جائتهم دعوة محمد , لكن المشكلة بأنهم لم يعودوا مؤمنين اليوم , نعم مازلت أتابع أخبار ليبيا بين الحينة و الاخرى , عندما أنظر اليوم إلى شعبها , أجد غالبية تصلي و تصوم لكن صلاتهم و صومهم بات أشبه بعاداتٍ تناقلوها جيلاً بعد جيل , وجدت عندكم أباءً يحذرون أبنائهم من شرب الخمر مثلا خوفاً من أن يقول الناس أن ابنه صار سكيراً , هو لم يخشى معاقبة الرب له لأنه لم يستطع تربية ابنه المسؤول عليه لكنه خشي كلام الناس , نعم شرب الخمر عندكم صفة منبوذة , لكنكم تفعلون أشياء أخرى ذات إثم في دينكم , كالنميمة و الغيبة , و كأنكم قرأتم النص الذي يحرم الخمر لكنكم لم تقرؤا النص الذي يقول بأن النميمة و الغيبة كأكلك للحم إنسان , هل تعرف ما سبب المشكلة ؟!".
حدقت في وجهه قليلاً و قد إرتسمت على وجهي ملامح الحيرة , و بعد أن فكرت قليلاً قلت له
:" المشكلة بأنه كما قلت أنت ,أن الدين بات عادة تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل , لا يدري هذا المسلم لماذا أسلم و لا يعلم سبباً لذلك سوى الذي حفظه عن أبيه ".
-" لكن الدين لا يكون بهذه الطريقة يا بني , فالدين إيمانٌ بالقلب و العقل , و للعقل مشكلة أخرى عندكم , باتت عندكم فرقة تذمه و تسبه , و تلعن كل من له عقل يستخدمه في التفكير , بحجة أن هذه الأمر لا يجب التفكر فيها , و النتيجة بات عندكم جيلٌ يصدق بأن صورة لشجرة كُتب عليها اسم محمد هي معجزة ربانية , يأخذ هذه الصورة و ينشرها مفتخراً بدينه الذي تظهر معجزاته في مثل هذه الأشياء , هل تصدق بأنه هناك مثل هذه الصورة لكن عوضاً عن محمد كُتب إسم المسيح ؟ , و لو جعلت أحد هؤلاء يرى هذه الصورة لحار و بدأ في مرحلة تخبط , منعوا كُتب الملاحدة و فلسفتهم , فظنوا بأنهم حجبوا بذلك فكرهم عن الناس لكنهم حمقى , فهم لم يحجبوا شيئاً , هم قد منعوا تلك العقول عن التفكير فقط , إذهب و انظر إلى أحد شبابكم و هو يخاطب ملحداً , ترى الملحد الذي لا يؤمن إلا بما هو مادي يستمع لشخصٍ يحدثه عن الروحانيات , هذا الملحد الذي لايؤمن بالقرآن أصلا , يعتقد أحد أبنائكم بأنه سيجعله يعود لإيمانه إذا ما حدثه ببضع أياتٍ عن القرآن ,ثم يقرأ له تفسيراً يبلغ من العمر مئات القرون , مشكلة أخرى قد أصابت معشر المسلمين عامة وليس أهل ليبيا فقط وهي تقديس التفاسير , إن القرآن كتابٌ صالحٌ لكل زمانٍ و مكان لكن التفسير ليس كذلك , لو كان الله يريد لكم أن تقدسوا تفسير عالمٍ ما للقرآن لمئات السنين , لأوحى لمحمد أن يفسره , صحابة محمد منهم من لم يحفظ الا القليل من القرآن لانهم كانوا يتدبرون في معاني كل ما يحفظونه و يتفكرون فيه ......" نظر إلي البشير و قال :" لقد أثقلت عليك بالكلام أليس كذلك فأجبت بالنفي و قد رجوته أن يكمل حديثه لكنه قال :" للأسف يجب أن أنهي كلامي الأن فيجب عليك أنت أن تصحو حتى تلحق بمحاضرتك في الجامعة".

الجمعة، 11 مارس 2016

في الحلم


اشرقت الشمس و لم تتمكن الستارة على نافذتي ممن منع أشعتها من الدخول إلى غرفتي فأجبترني على الإستيقاظ , جلست في فراشي أنظر للغرفة محاولاً استيعاب المكان و الزمان , أتذكر بأني حلمت بشيء في الأمس , ماهو ؟! , لم أستطع التذكر , سيجارة  لعلها تذكرني بما حلمت , بعض الموسيقى لتعديل المزاج الصباحي و بدأت حملة على دماغي لتذكر الحلم , فتحت حاسوبي و قرأت تهريسة كتبتها بالأمس كنت فيها جالساً مع سقراط , هي ناقصة , لماذا لم يجبرني سقراط على البوح باسمها فأجيبه ثم تقرأ هي ما كتبته حين أنشره فتعرف بأني حديثي كان دومي عنها ... حسناً لماذا بدأت في الكتابة عنها في أي حال ؟! , نعم لقد تذكرت , كانت نصيحة من صديق عندما حدثته عنها , أخبرني بأن أستغل تهريس لأتحدث عنها لعلها تفهم الرسالة , رغم أني لم أعتقد بأن هذا سينفع لأن الناس عندما تقرأ تقوم باسقاط ما قرأته على مشاعرهم و لا يفكرون في مشاعر الذي كتب  ..... مهلا , هي من حلمت بها بالأمس , اللعنة  أتعبني التفكير بها صاحياً و لجأت للنوم هرباً , فلحقتني حتى في أحلامي , لماذا هذا العذاب؟!.

حككت رأسي قليلاً و بدأت في التفكير في ذاك الحلم , كنا نجلس معاً في مكان لا أعرفه , ربما يكون حديقة أو مقهى , ربما يكون سجن القلعة حيث يجتمع العشاق في أغنية إمام , هو مكان حتماً جهزه لي دماغي حتى تخلوا لنا الدنيا بعيداً عن كل المضايقات , كنا نتحدث و أتذكر بأني كنت منسجماً في الحديث , من المرات النادرة القليلة التي أنظر فيها لعيني شخص أثناء حديثي معه , و كيف أستطيع أن أتجاهل تلك العينين , ربي سبحانك فيما خلقت , سمعت دوما عن أنك جميلٌ تحب الجمال , و لكني لم أرى سوى اليوم هذا اليوم , نسيم خفيف يتلاعب بخصلات شعرها الأسود الممتد لتحت كتفيها , نظرات و ابتسمات , كلمات و ضحكات , لا شيء يعكر صفو هذا الجو , نعم تحدث قبلها مع كثيرات , لكن لم انسجم في الحديث قبلاً كما انسجمت في هذه المرة , في كلماتها و فكرها سر جذبني , ربما سحر ربطتني به , ما أجمله من سحر.

سكت قليلا و تركتها تتكلم , بدأت أنظر إلى أعماق عينيها , لعلهما يخبراني إذا ما كانتا تحبان شخصاً أخر , لعلهما تبوحان بما لم تبح به شفتاها , لكني لم أرى شيئاً , لم تبح عيناها بشيء , بل أخفت عني أشياء , آه لو أرى إشارة أو حتى نصف إشارة تخبرني فقط بمشاعرها , أه لو أن الأية مقلوبة , لو أن الإناث هن من يعترفن بمشاعرهن أولاً ثم يأتي دورنا , لربما خف عني كل هذا العذاب و الألم , الخوف من الرفض هو ما يرعبني , و الخوف من الإنشغال بالغير هو ما يقلقني , توتر العلاقات الذي سيأتي بعد مصارحتي هو ما أفكر فيه .. حسنا لن أنتظر , سأفجرها الأن و أنهي هذا العذاب الذي سيطول إذا ما سكتٌّ , وقفت أمامها و نظرت إلى عينيها و هي تتابعني في وقوفي و قلت لها بأني صبرت كثيراً ولكن لم يعد بإستطاعتي الصبر , و كيف لي أن أصبر و أنتي رفيقة أفكاري في الليل و النهارِ , إلتزمت الصمت طويل و لكن الصمت سيقتلني إذا لم أنطق ,  هي كانت تنظر بتعجب و استغراب لكن لم أهتم , لقد اتخذت قراري و سأقول ما أريد قوله , بحق من خلقك فأحسن خلقاً و زاد الحُسن حُسناً فهباك عينان ما رأيت لهما مثيلاً في كل الدنيا , بحق من أسدل شعرك إلى ظهرك و كساه بالسواد فبات كليلة كانت كلماتك نجوماً لها , و صرتِ أنتي الليل و القمر , سأقولها و لن أعود فيها , اني بك متيمٌ و لك عاشقٌ , أُحِبُّكِ , قلتها و قد كُسرت كافها فقوليها بالفتحة أو دعيني أرحل أجول في الشوارع كمجنون سُلب منه عقله , غير ان القلب هو ما سُلب مني .

كادت أن تنطق حينما أحسست بضوءٍ ساطع أمامي , أغلقت عيناي و فتحتهما لأجد بأن الشمس قد أطلت علي من الشباك .




الاثنين، 7 مارس 2016

أنا و سقراط

على جبل الأوليبم كنت جالساً , أتجرع كوباً من القهوة المعدة من ألة عصرٍ إيطالية الصنع و حبات بُنٍ من اليمن السعيد , أسترق السمع لحوارات زيوس و رفقائه , و أختلس النظر بين الحينة و الاخرى لعلي أرى أفروديت الهة الحب و الجمال , سبب لعنتي و تعاستي , شكوتها مرة لزيوس فقالت بأنها فينوس ولا ذنب لها فيما حل بي , فينوس هي من جعلت أولئك الكيوبد يرمون سهامهم في تلك اللحظة فأصابني العشق و رميت بالأسهم , قال زيوس حينها بأن فينوس ليست من عنده , فينوس هي عند الروم و للروم ألهة وحدهم , و قالت أفروديت بأنها تتمنى لو كانت هي من فعلتها  , قالت :" لقد شاهدتك تتظاهر بالقوة أمام  الإناث , فتمنيت لو أني وهبت الجمال لكل فتاة ستراها في حياتك ثم جعلتك تقع معجباً بها , و لكن يبدو بأن أختي من الروم فعلتها قبلي".... عجباً!! أي ذنب إقترفت أنا لتعاقبني ألهة الروم و اليونان و تتفق معا على الإطاحة بي و هم المختلفين .
بينما كنت أتمشى بين حقول أفكاري وقف أمامي رجلٌ ذو شعرٍ أبيضٍ طويلٍ لكنه بدأ بالإنحسار عن رأسه في ظاهرة تعرف بالصلع , و لحية غزيرة بيضاء اللون هي الأخرى , كان يرتدى شيئاً أشبه بملابس الإحرام عندنا إلا أنها كانت تُظهر من جسده أكثر من ما تستر تنحنح و قال لي :
" عمت مساءً أيها الشاب , لا أقصد المقاطعة لكنك تجلس في مكاني ".
اعتذرت منه عن جلوسي و تنحيت جانباً و طلبت منه لو أنه يسمح لي بأن أجلس هنا رفقته , فقال بأنه لا ينصحني بذلك فهم يتهمونه بإفساد الشباب  و لهذا حضر إلى هنا, تعجبت و قلت له من هؤلاء الذين يقولون , و من أنت ؟ جلس و بدأ في الحديث فقال :
" قومي يتهمونني بذلك , لذلك قتلوني , أما من أنا فهذا سؤال له إجابات عديدة كلها فلسفية , سأختار أسهلها و أقول بأني سقراط  , و أنت من تكون و مالذي ألقى بك هنا في بقعتي "

عجباً أنا في حضرة سقراط عظيم فلاسفة اليونان قلت له :
" مرحباً يا سيدي سررت بلقائك كثيراً , و لسؤالك أنت أيضاً إجاباتٌ عديدة سأختصرها و أقول بأن اسمي أحمد , أما ما رماني هنا , فهو العجز يا سيدي , أسئلة كثيرة دارت برأسي فخرجت إلى هنا أفكر "
- " و فيما تفكر؟!"

-" في كل شيء , في الدنيا و في الحياة , و فيها"

-" فيها؟! , أوتدري لقد ظننت للحظة بأننا متشابهان , فكلانا نبذ قومه و اعتزل بنفسه , لكنك بددت كل شيء بقولك فيها"

-" عذراً يا سيدي , إن كان هذا وجه الإختلاف في نظرك فنحن لسنا بمختلفين , أنت هجرت قومك و حاولت فهم الدنيا و الدنيا مؤنثة , و أنت إذا ما أحببت فإن الدنيا كلها ستكون في كيان أنثى , و فضلت الفلسفة على الحياة , و كلاهما كلمتان مؤنثتان , و في فهم الأنثى فلسفة وحدها , و الحياة لا تسوى شيئاً بعيداً عن أنثى تحبها  , و قد أفنيت كل عمرك في البحث عن الحقيقة , و الحقيقة مؤنثة , و لن ترى الحقيقة إلا في عيني فتاة أحببتها في لحظة صفاء كنتما فيها لوحدكما ".

-" ولماذا تفكر فيها بدلاً من الذهاب إليها و المصارحة بما في خاطرك ".

-" لهذا كنا متشابهين , فأنت قد فضلت الموت على الحياة بلا فلسفة , فالحياة بلا فلسفة لك ستكون كالموت , و الموت في سبيل الفلسفة لك حياة , و أنا قد اخترت أن تكون مشاعري ميتة في الظاهر حية بداخلي , خير من أن أخرجها للحياة و أموت أنا , فضلت أن أكتم مشاعري على أن أعترف بها ثم أرى مشاعرها تخرج لشخصٍ أخر , سيكون هذا الشيء أمر مائة مرة من شرب السم كما فعلت أنت".

خرجت منه كلمة غاضبة قالها :" اللعنة , أردت أن أحظى بساعة صفاء فجئت أنت من حيث لا أدري و أفسدتها يا بني , هل أنت فيلسوف من زمنٍ ما ؟"

أجبته و قلت :" كنت فيلسوفاً عاطلا عن العمل في زمني , و لهذا هجرته و جئت إلى هنا , و لكن وجودك هنا لن يعطيني فرصة" , قمت من مكاني و نفضت التراب عن ثيابي و قلت :
" أنا راحلٌ الأن سأقصد زمن أخر , ربما تكون فيه حبيبة لي , أو ربما تشغلني الحرب عن التفكير فيها ".


السبت، 5 مارس 2016

براد شاهي 8

حسنا يجب علي الاعتراف , قد مر وقتٌ طويل منذ أن استعملت هذه المشاعر لدرجة أن تحريكها أثار زوبعة من الغبار و الأتربة بداخلي , كنت قد قررت إقفال هذا القسم من عقلي نهائياً , و تحويله إلى مخزنٍ تضع فيه الأقسام الأخرى حوائجها و مستنداتها , حولت أوراق قلبي إلى لجنة التخطيط حتى يتم النظر فيما سيتم استعمال هذا العضو المسبب للمتاعب و رميت براد الشاي في مكانٍ ما في المطبخ , كل شيء على ما يرام , فترة استقرار و رخاء جاءت بعد ثورة قمت بها على هذه المشاعر الغاشمة الظالمة ,تخللت تلك الفترة بعض الإصدارات الغير الرسمية "لبراد شاهي" و عدم الاكتراث بالجنس الأخر كنوعٍ من استعراض القوة ,  لكن في نقطة ما تغير كل شيء و انقلب , دخلت عناصر إرهابية و توغلت بداخلي حتى سببت زعزعتاً أمنية و شكلت خطراً على الاستقرار الداخلي .

بدأت الحكاية منذ فترة ليست بالبعيدة عندما رأيتها للمرة الأولى , يجب علي القول بأنها لم تكن فائقة الجمال حينها , كانت فتاة عادية المظهر من النوع الذي يمكن رؤيته في كل مكان , لهذا السبب لم تجذب انتباهي , فمالذي سيجذب انتباهي فيها ؟! , في البداية كانت الإجابة لا شيء , هذه الإجابة سقطت بعد أول نقاشٍ معها , نعم نقاش و ليس حديث , تبادلنا الأفكار في عدة مواضيع , لها طريقة تفكير مثيرة للاهتمام , كذلك شخصيتها , ربما ليست هذه الطريقة التي يتحدث فيها فتاة و شاب كلاهما في مطلع العشرينيات من عمرهما, لكن هذه الطريقة و هذا النقاش قد بدلا الكثير , لقد جذبتني أفكارها إليها , هل هذه عادتي ؟! لا لم أعتد حدوث هذا الشيء , إن النظام الذي أسقطته قبل مدة تسلل و عاد من جديد بوجهٍ جديد, فأعادت لجنة التخطيط عضو القلب إلى عمله على وجه العجل , فُتح قسم المشاعر بعقلي من جديد , عدت إلى نقطة الصفر بل و ربما قبلها بقليل , جعلتني أفكارها و أسلوبها أُبصرها , توافدت الأسئلة بمجرد عودة قسم المشاعر إلى العمل , هل كان شعرها جميلاً هكذا عندما رأيتها للمرة الأولى , هل كانت بهذا الجمال أم أن شيئاً ما حدث , هل زارتها أفروديت من أساطير الإغريق و زادتها جمالاً في ذات ليلة لتزيد شقائي ؟, سأقول بأني انتبهت لجمال عينيها و روعتهما , و لو كان أمر زيارة أثينا حقيقة فإنها لم تعدل فيهما شيئاً , لا حاجة لها بتعديلهما .

عدت إلى المتاهة القديمة و إلى الجدال الأزلي بداخلي , هل أخبرها عن ما بداخلي , أو اُبقي ما بداخلي في داخلي , عادت الأغاني القديمة لتُعزف مجدداً في غرفتي , أضيفت عليهم أغنية جديدة دلني عليها أحدهم يقول مغنيها :
" لمن نشكي حالي يالي شغلتي بالي
نبات سهران ليالي نفكر فيك "
سمعتها مرة و أعدتها مرات , انه يصفني , يتحدث عني ,  أخافني الشعور بأن هذا المغني يعرف ما بداخلي, ماذا لو كان كل من حولي يعرفون ؟!  , ماذا لو كانت هي تعرف ؟! , اااه انه أمر متعب , أحتاج لبعض الشاي حتى أفكر فيه ....... أين وضعت برادي ؟!

الجمعة، 4 مارس 2016

يا أبي (خاطرة)

من دون سابق مقدمات و دون أي إنذارات قبلها , حل بي شوقٌ إلى لمة الأهل في البيت , في هذا اليوم كان الإشتياق كبيراً , أكبر من أي يومٍ مضى , كان لابد لهذه الحنين أن يكون مصحوباً بموسيقى تصويرية , و كالعادة لن أجد أفضل من اليوتويب مصدراً , بدأت السهرة الفنية صحبة الفنان إبراهيم الصافي , و تركت اليوتيوب يغير الأغاني لوحده , و أنا أفكر في كل ما فات و كل ما سيأتي , و الخوف كل الخوف مِن ما سيأتي , تلت فقرة الصافي فقرة للرائع أحمد فكرون بعنوان المدن الكبيرة , لم أعلم قبلاً بأن هذه الأغاني ستكون ذات نكهة أخرى في الغربة , لم أعلم بأن كل ثانية فيها ستكون ذات تأثير على كل كياني , بعد فكرون أتى دور مغنٍ أخر لم يسبق له أن إعتلى مسرحي قبلاً , تركت كل شيء و انتبهت له , كان المغني ناصر المزداوي أما الأغنية فكانت شنطة سفر , هو حتما سيتحدث عن كل شيء أشعر به ,  عشت مع موسيقى الأغنية و كلماتها حتى وصل إلى فقرة قال فيها: "كيفك يا أمي كيفك يا بوي " , هنا انقطعت علاقتي بالأغنية و بدأت في التفكيرفي هذا الشخص الذي ذكره , لا ليست أمي , فأمي أحداثها في كل يومٍ تقريبا , لكن بوي هو من فكرت فيه , ترى كيف حاله و ابنه الوحيد يعيش بعيداً عنه , كم اشتقت لصوته و رؤيته , كم أحسست بالذنب على كل يومٍ ضعيته بعيداً عنه في بنغازي , لجوءٌ سريع إلى الفايبر و البحث عن اسمه ثم إتصال , جاء صوته من الناحية الأخرى كما عهدته دوماً عندما يرد على الهاتف :
-"الو السلام عليكم"
-"و عليكم السلام و رحمة الله , خيريابابا كيف حالكم" ,  بابا .دائماً ما كنت أسرق هذه الكلمة في كل مرة أكلمه فيها , و كأني أشعر بالخجل منها .

-" الحمد لله بخير كيف حالكم  انتوا و كيف حال اللي معاك ".

-" نحن بخير يا أبي و من معي بخير , لكن أنا أعاني ".

بصوت أبٍ خائف قال :" شن فيه"

-" ابنك يشتاق لك يا والدي , لا أصدق بأن 5 أشهر فقط مرت على فراقكم , لقد كانت خمس سنواتٍ علي , تذكرت في الصباح وصيتك لي يوم وقفنا في المطار , (دينك , أخلاقك , علمك) , كان هذا أخر ما وصيتني به , و على عكس كل مرة كنت توصيني على شيء فأتي أنا بعكسها , هذا المرة مازلت تحت توصيتك , مازلت أسمع صوتك في كل يوم أستيقظ فيه يوصيني بهذه الثلاث , لقد عرفت اليوم يا أبي قيمة كل مرة نهرتني فيها عن شيء بالقوة , عرفت قيمة كل ما كنت تفعله , قيمة صراخك  و غضبك , قيمة عطفك و حنيتك , قيمة كل كلمة قلتها لي عندما سألتك عن شيء ,  لقد أردت أن تربي رجلاً يعتمد على نفسه يوماً , و هاقد جاء اليوم يا أبي , بالمناسبة لقد أريت بعض الصحب صورة لك , كلهم أجمعوا بأني اشبهك كل الشبه , لا تدري كم أسعدتني هذه الكلمات , فاليوم قد اكتشفت أي أنسان عظيمٍ أنت , اليوم لم أعد أتمنى شيئاً سوى أن أستمر على دربك و أكون مثلك , اليوم صرت أتمنى أن أكون أنت , و أدركت أيضا يا أبي بأنني و ان صار عمري اثنان و عشرون عاماً أو حتى اثنان و سبعون , فسأظل ذاك الطفل الذي جاء في شتاء عام 1994 , سأظل ذاك الذي زحف على الأرض ليرتمي في حضنك و إن فرقتنا المسافات فستكون دوما معي هنا , فيكفي بأني في كل مرة سأكتب فيها إسمي سألحقه بعمران بن عمران "
لم ينطق أبي و طال سكوته , نظرت إلى هاتفي فوجدته قد نفذ من الشحن وقرر أن ينهي لوحده هذه المكالمة التي ربما لم يحتمل كمية العواطف الكامنة بها .