السبت، 21 مارس 2015

ثُم أبوك

من عظمة الأم و أهميتها جعلوا لها يوماً ليكون يومها العالمي و عيداً لها , فهي من وصى عليها الرسول ثلاثاً و لكن , جعلوا للأم عيداً تُهدى فيه الهدايا و يُحتفل به في العالم أجمع و همشوا الأب.
ذاك الرجل المُهمش الجالس في الظل , أبي أهم شخصيةٍ في حياتي و في الوجود , و بعد أن شاركت أمي فرحتها بعيدها لسنوات قررت بأن أشكر أبي في هذا اليوم , فحتى و إن كانت أمي هي من حملت بي في بطنها تسعة أشهر و لكن أبي كان يقف بجانبها يحضر لها كل ما للحملِ من متطلبات من غذاء و توصيل للمستفشى للمراجعة , نعم أمي سهرت الليالي في مرضي تداويني مشغولة البال و لكن , أليس أبي من خرج في نصف الليل متحملا البرد أحيانا باحثاً لي عن دواء ؟ , في أغلب أوقات طفولتي كانت أمي من تقف بجانبي و ترافقني , و لكن ذلك لأن أبي كان يستيقظ كل يومٍ من الصباح الباكر خارجاً للعمل مقضياً أغلب يومه فيه حتى يوفر لي كل ما أحتاجه للعيش , ساعياً ليمهد طريقاً نحو حياة أفضل من تلك التي عاشها , فحلم كل أب أن يكون إبنه أفضل منه.
أبي يا من وقفت بجانبي في اسوء أحوالي وساندتني في كل شيء , يا من ظلموك و لم يعطوك حق قدرك , يا من لو أردت شكره على كل شيء قدمه لي لنفذت مني الكلمات قبل أن أكتب شيء , أشكرك اليوم كما أشكر أمي فكلاكما له الفضل في وجودي و ما أنا عليه , و الرسول كما وصى على الأم وصى على الأب وقال :"ثُم أبوك".

الجمعة، 20 مارس 2015

الملام

                                         


في ليلة مُمطرة مُظلمة كانت الكهرباء فيها مقطوعة و القمر أيضاً اختبأ خلف الغيوم , وقف لينظر باتجاه السماء خلف زجاج نافذته الذي صدَ عنه قطرات المطر الهاجرة لغيوم السماء الباحثة عن مَسكنِ جديدٍ لها في الأرض , لعلها تكون شيئاً أخر غداً , نظر إلى القمر وقال:
"حتى أنت هجرتني يا رفيق وحدتي ,لقد كان وجودك ما يصبرني على غيابها فحتى إن لم أرها و لن أراها أبداً و لكن وجودك كان يشعرني بوجودها ,فأنا و هي ننظر لك  و أنت ما تجمعنا بعد أن باعدتنا المسافات .
و لكن هل تنظر هي فعلا لك ؟ هل تراها يا صديقي ؟ و هل تقف وحدها أم تشاهدك رفقة حبيبٍ أخر و هذا ما جعلك تختبئ خلف السُحِب خجلاً مني ؟".
دار قليلاً في غرفته ثم جلس على الأرض وسط كل ذاك الظلام , توقفت الأمطار فعم السكون كل المكان و لكن , كم كان ضجيج تفكيره صاخباً ," و هل مازلت تُحبها هي أو غيرها ؟ أو مازلت تريد أنثى بعد كل ما ذُقت من غدرهن ؟ بعد كل ما رأيته منهن ؟.
و ما ذنبي إن خُلقت بقلب ؟ لا ليس ذنبك بل ذنبهن , فدائماً ما صورن أنفسهن على أنهن ذاك الكائن الآدمي الشكل الملائكي الطابع و لكن سرعان ما اكتشفتُ بأن  الطابع شيطاني , فيستحيل بأن تكون تلك الأفعال أفعال ملاك بل و حتى بشر بل هي أفعال وحش.
ألم تسمع بقصة السيدات أولاً ؟ ألم تتفق تلك الأنثى مع حبيبها على الانتحار وعندما انتحر هو تركتها ميتاً خلفها و ذهبت و تزوجت رجلاً غيره ؟
فكم من أنثى تلاعبت بعقول و قلوب شباب و أخذت تسخر منهم رفقة صديقاتها فالمُحب إذا أحب خُدِر و إذا خُدِر تصرف دونما وعي و فعل أفعالاً غبية , وهي جلست هنا على عرشها تشاهدهم و تسخر منهم , تحاول أن تبقيهم على نفس المسافة منها حتى لا يشعر أحدهم بأنها تميل لغيره فيذهب و يتركها و تخسر دمية من دُماها.
و كم من أنثى نصبت شِباك الحب أفخاخاً تصطاد بها الشباب فإن وقع فيها أحدهم بدأت تتلاعب به و بغيره و لكنها , تثق بي ".
ضحك ساخراً من نفسه و قوله و قال :" و ما أدراك بذلك ؟ أتعرف كم مِن شخصٍ غيرك تناديه حبيبي ؟ أتعلم كم مِن مرة فدت بها رجلاً بعينيها ؟ ألم تكن رجلاً معها و عاملتها بإحسان ؟ و مالنتيجة ؟ غدرت بك و هجرتك بعد أن أسرت قلبك و تركتك جسداً بلا روح بعد أن أهديتها روحك , فهي أفعى لا تعرف حبيباً أو قريب و لكنها تزرع سُم أنيابها في الجميع .
ألا تعرف بأنها أنثى تُخلص لذاك الرج الذي يتغزل بها كثيرا حتى و إن كانت تعلم بأن هذا الغزل يُقال لعشرةٍ غيرها ؟ فهي لا تُحب من يتركها حرة و لكن تُحب من يربطها بقيودٍ و يجرها بسلسلةٍ مغلولة إلى عُنقها ".
نظر إلى القمر يأمل أن يظهر كما كان يأمل عودتها لأشهرٍ و لكنه لم يكن هناك .
عاد لتفكيره فقال :" و رغم ذلك سترتبط بأنثى و لكن ,ليس حُباً فيها , لكن كذكر العنكبوت الذي لو فكر في مصير قرينه الذي قتلته أنثى بعد التزاوج و رفض أن ينال نفس المصير لإنتهت سلالته , و ستكون أنت ذاك العنكبوت الذي لا يُريد الأنثى لكونها أنثى و لكن , ليحافظ على نسله".
 
يقول عباس العقاد :
" خـل الملام فليس يثنيها 
حب الخداع طبيعة فيها
هو سرها وطلاء زينتها
وطبيعة في النفس تحييها
وسلاحها فيمـا تكيد بـه
من يصطفيها أو يعاديها
وهو انتقام الضعف ينفذها
من طول ذل بات يشقيها
انت الملوم اذا اردت لها
مالم يرده قضاء باريهـا
خنها ولا تخلص لها ابدا
تخلص إلى اغلى غواليها"



الثلاثاء، 17 مارس 2015

الوطن


وقف في منتصف الفصل مخاطباً تلاميذه و مقتبساً من شِعر أمير الشعراء أحمد شوقي فقال : "وطني لو شُغَلتُ بالخُلدِ عنه ------ لنازعتني في الخُلدِ إليه نفسي"
تردد صوت الأستاذ في أذني ذاك الطالب الجالس في أخر الفصل مسنداً رأسه إلى النافذة متأملاً أشجار المدرسة الطويلة و الشارع الممتد خلف سورها تحت أشعة الشمس الهابطة عليها من السماء مفكراً في بيت الشعر .
"نعم لابد أن تنازعني نفسي للوطن فهنا كل شيء جميل هنا المحبة و الألفة و المودة هنا كل ما أتمنى و هنا كل ما أريد , حقاً ما أجمل هذا الوطن ".
مضى هذا الطالب و مضى به العمر و في كل مرة يفكر بالوطن يتذكر هذا البيت فيزداد حباً فوق حُبه لوطنه .
و بعد سنين ليست بالكثيرة اندلعت الثورة و الحرب في هذا الوطن حتى خرج مشاركاً في كل مظاهرة خرجت مشاركاً في كل تلك الحملات الخيرية مساعداً لكل من يحتاج المساعدة مرددا "بأنه إن لم ننهض لنساعد الوطن على النهوض فلا عيش لنا فيه".
أحس بانتمائه لهذا الوطن و عشقه لترابه و أحس بأن ولادة الوطن الذي يحلم به قد اقتربت .
و بعد أربع سنوات من الثورة جلس في ذات المقهى الذي بات من رواده منذ شهرين , شهران كاملان لم يغب فيهما عنه .
جلس واضعا كوب القهوة أمامه ممسكا بسيجارته متأملاً المارة ذهاباً و إياباً
سحب من السيجارة أول الأنفاس ثم نظر للأشجار السامحة لبعضٍ من أشعة شمس الغروب للمرور بين أغصانها فتذكر قول أستاذه و تذكر الوطن .
خاطب نفسه مفكراً فقال : " أين الوطن و ما هو الوطن ؟ أهو حيث وُلدت و كبرتُ؟
أم هو حيث الذكريات و الأهل و الأصدقاء ؟.
و إذا كان كذلك فأنا في الوطن إذا , و لكني لا أرى في هذا الوطن ما تنازعني إليه نفسي , ألا يجب أن يكون في الوطن مستقبل ؟ ألا يجب أن يكون مشاعر و أحاسيس؟ وليس لي كلاهما هنا , فالمستقبل مُظلمٌ و كل ما لدي من إحساس هو الإحساس بأني في منفى  , و هل يكون الوطن منفى ؟! "
قاطع تفكيره صوت صديقه سائلاً إياه :" فيما سرحت؟.
فردَ : "سرحتُ أبحث عن وطني".
فقال : " و هل وجدته؟".
فنظر إلى السماء و قال : " نعم , وطني حيث لا يمكن أن تُشير إليه بإصبعك و لا أن تراه بعينيك".

السبت، 7 مارس 2015

أقنعة

,على خشبة المسرح بدأ قلبه في الخفقان بقوة ,الكل كان ينظر ويراقب ,خلع قناعه عن وجهه ليُظهر وجهه الحقيقي و ليكشف للحضور بأنه كان متنكراً طول المسرحية .
ذُهل الجميع و عم القاعة صمتٌ غريب ثم قال :ها أنا قد خلعت قناعي لأكشف شخصيتي الحقيقية والتي إختبأت طوال العرض وأنتم متى ستخلعون أقنعتكم لتُظهروا شخصكم المختبئ وراء كل تلك الأقنعة التي ترتدونها ,متى؟
أنا كنت أمثل وانتهى تمثيلي بانتهاء المسرحية لكن هل سيتوقف تمثيلكم يوما ؟!

انتهى دوري و لذلك سأخلع ردائي لأعود لطبيعتي , لما أنا عليه في الحقيقة لكن هل سيخلع أحدكم رداءه و يضعه جانبا ؟
متى ستخلعون ملابس العفة التي ترتدونها لتظهروا تلك الندوب التي جعلها الزمن تستقر على أجسادكم لتذكركم كيف لوثتكم الحياة ؟. 
قام بالنزول من فوق الخشبة و بدأ في المشي بين الحضور , الكل يراقب في صمت كل العيون كانت تراقبه و كل الرؤوس كانت تدور معه و تلتفت أينما يذهب حتى توقف مديراً ظهره لأحد الجالسين و فجأة دون أي مقدمات إلتفت نحوه و أشار إليه بسبابته قائلاً : أنت متى ستكف عن الابتسام في وجه جارك ثم تقوم بسبه و شتمه في غيابه ,ثم نظر إلى زوجته و قال لها : و أنتِ إلى متى ستظلين تكذبين على زوجك و على نفسك و تقولين بأنك مرتاحة ,بالرغم من أنه هناك عميقا في عيناك يختبيء الحزن و الذي تحاولين إخفائه بمواد التجميل .
ثم سار بضع خطواتٍ قبل أن يشير لشخص أخر و قال : تعرف بأن كل من حولك لا يعجبهم شخصك الحقيقي و لذلك تقوم بتمثيل دورك . 
ما بكم يا ناس تنافقون بعضكم بعضاً ثم تُصْدمون عندما تكتشفون بأن صديقاً لكم كان يكذب عليكم , كلكم وضعتم قناع الكذب و رداء النفاق حتى تُعجبوا غيركم ,أما علمتم بأنه من بين كل من يعيش على هذا الكوكب ستجدون من يريدكم لحقيقتكم و لا يمكن أن يتركوك يوماً لأنهم أرادوك أنت لا قناعك .
إرتديتم الأقنعة حتى مع أقرب الناس لكم, هل فيكم من يعرف مشاكل أبنائه ام يتعقد بأن دوره يقتصر على ذاك الشخص الذي يأمر و ينهى .
“هذا كل ما لدي ” قالها و إرتد صدى صوته في القاعة و إرتد صدى كل كلامه في عقول الحاضرين , ثم عاد و اعتلى الخشبة و إستأنف كلامه و قال : ربما تعتقدون بأني مجنون و لكن لا أهتم لذلك فهذا أنا لن أكذب حتى أُعجِب شخصاً , فيكفي أني أرى نفسي جيداً و حتى إن كُنت مجنونا فأنا أشجعكم لأني أظهرت حقيقتي على عكسكم أيها العقلاء .
بدأ الجميع في التصفيق فقال لهم : لا تكذبوا فأنا أعلم بأن تصفيقكم هو مجرد نفاق .
أُضيئت القاعة و أُسدل الستار معلناً عن نهاية المسرحية , و مع انتهاء المسرحية بدأ كل فردٍ من الحضور بتمثيل مسرحتيه الخاصة .
و هذا كل ما نفعله في كل يومٍ يمر علينا نصحوا لنضع قناعنا و نخرج للسير بين مجموعة من الأقنعة لا تمت للواقع بصلة ثم نبحث عن الحب الحقيقي و الصديق الحقيقي و ننسى بأننا وضعنا أنفسنا في عالمٍ معالمه مزيفة و سكانه هم مجرد …