الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

ألحان خالدة


(يسلم عليك العقل و يقولك نبيك اما خطاوي الرجل صاعب عليها تجيك) , كم تصف هذه الكلمات حالتي و أحوالي , نعم عقلي يسلم على من لم أستطع إليها وصولاً , هو لا يسلم فقط بل يسلم و يفكر و يشتاق في كل لحظة , و ما أصعب الشوق ف(الشوق قاسي و الرياف يذل) , ما أقسى الشوق حينما يكون إلى من لا يفكر فيه , وليس كل الشوق يأتي من فراق , بل نشتاق حتى لمن نحدثهم في كل يوم , لكننا نحدثهم شكلاً فقط , نحدثهم و نحن في حالة من الهيام و هم لا يبالون , أرسلت لها مراتٍ و لم ترد فقلت لها (دزيتلك مرسول و انتي ردي هاتي الدواء ولا تعالي عزي ),  و انتظرت ردها, و طال إنتظاري , لم أعرف مالعمل أو الحل لذلك خرجت للشوارع باحثاً عنها لعلي أجدها , لم أعرف إلى أين المسير فوقفت وسط الناس وقلت لهم ( قولولي وين دياره نا واحشني أخباره ,قولولي  وين نلقاه و أين طريق تجيبه ) , وقف الناس ولم يفهموا من كلامي , لم يعرفوا عن من أتحدث و طلبوا مني وصفاً لها , فكرت قليلاً و حرت في أمري فهي حقاً تتماشي مع تلك الأغنية القائلة : ( كيف نوصفك للناس و انت عالي فوق نجوم الليل اللي شغلها حالي ) , حاولت البحث عن وصفٍ لها أو لشكلها لعلهم يتعرفون عليها و لم أجد سوى أنها : (من دونهن شالت العقل معاها , هي بدر و الباقي نجوم إحداها ) و قلت لهم : ( جميلة و ما ريت كيفها جميلة) , نظرت لعيون الناس حولي فوجدت الحيرة فيها , أدركت بأن وقوفي هنا بدون فائدة , هممت بالرحيل فأوقفني شيخٌ كبير قائلاً لي بأن أنسى فقلت له و هل نسى الصافي ليلى ؟ أو هل نسى بونقطة فاطمة ؟ , ليس النسيان بسهل على قوم العاشقين , فقال لي بأن أصبر إذا فأجبت : ( صابر لين صبري زاد دايا صبر مر لا ماهو الزين , صبر أيوب صابر للنهاية و أوعر صبر العاشقين ) , عجز الرجل الكبير عن الرد علي , و ماذا تراه يقول ؟!
, كيف تراه يهون على من أذله الحب و رماه؟!
 سرت في الشارع ترمي أمواج الهوى قلبي ذات اليمين و ذات اليسار , لم أجد من يهدي مركبي و يرسيني , تمنيت لو أني لم أرها لعلي حالي كان سيكون أفضل ( يا ريتني ما ريت سود أنظاره)و (يا ريتني ما ريتها ولا رتني و لا صار بيني و بينها موال...) هاهي تأتي نحوي , فكرت في أن أوقفها و أقول لها ( حبك برد ماعاد توقد و لا عاد تخطر يا كحيل أنظاره ) لكني لم أستطع , أصابني ضعف كان مصدره قلبي فقلت لها : ( ليش بطى مرسالك عني)  نظرت هي نحوي ولم ترد بل تابعت السير دون أي ردة فعل , سمعت أصوات تحطمٍ في المكان لكنها لم تكن بالخارج , بل كان مصدرها من داخلي , نظرت إلى قلبي و قلت له : ( و الله الباين فيك مانك قلبي رضاهم تريد و راحتي ما تبي ), تابعت سيري في الشوارع دون أن أعرف إلى أين المسير , دون ان تكون لي وجهة معينة , كل ما أعرفه بأني كنت أقول : (ذبتي ذوب يا شمعة طفيتي لا ما تقول ما عمرك ضويتي ) , صرخت باسمها بسرعة قبل أنت تنطفيء الشمعة وقلت لها : (احترت معاك هيا دبريلي ), لكنها لم تكترث لقولي و تابعت مسيرها فزادت حيرتي , دخلت إلى صيدلية على جانب الطريق فقال الصديلاني خيراً ما بك , أجبته : ( عندكش دواء للمحبة يهون عالخاطر مرجاه للمحبة ؟!) خرجت و علامات الحزن بادية على وجهي قابلني صديقٌ لي سألني عن سر حالتي فأجبته : ( اللي شقيت في غيابه اليوم لاقاني ) سألني مالذي حدث بعد ذلك فقلت : ( واطى النظر ماتقول عمره راني ) , حزن صاحبي لحزني و سألني كيف رأيتها أسير في الشارع و عندما نظرت أمامي وجدتها : ( جت تدنى ركبة بركبة تقرب منا ريح تهب من ريح الجنة)  قال لي أكتب رسالة تشكو فيها حالك , و كيف أرسل له الرسالة  قال عن بواسطة الحمام ألم تسمع قدماء القوم من عاشقين يقولون " جاني المرسول على جناح الحمامة" , أخذت ورقة و قلماً و هممت أكتب لم يخطر ببالي سوى ما قاله الشاعر يوماً :
"
الشمس تجي و اتعدي و الأيام تفوت ما تهدي
وانا و انت زي الريح ودك ما رافق ودي مرة الهوى ياخدنا للفرح معاه يسعدنا و مره نتاخصم و احنا عارفين الخصام يبعدنا و الحيرة تلعب بينا تعبانة خطاوينا انا و انت مش عارفينوين جينا وين ماشيين لا فرحنا مع بعضنا و لا قدرنا على الحنين و الحيرة تلعب بينا تعبانة خطاوينا".

السبت، 13 أغسطس 2016

شلتتة

قد كان صباحاً مملاً أحاول جعل ساعاته تمضي بسرعةٍ أكبر بتقليب صفحات التواصل الإجتماعي , حتى وجدت منشوراً على صفحة أحد الأصدقاء يعرف فيه مصطلح "شلتوت" , هنا توقفت كثيراً و ساءلت نفسي , لقد تمت محاربة الشلتوت من قبل المجتمع و أفراده , فلماذا حدث هذا ؟, ولماذا لم يعرف أحدٌ ظاهرة الشلتتة بأي طريقة كانت , و لأنني لم أجد طريقة أفضل من هذه لتمضية الوقت فقررت أن أناقش ظاهرة الشلتتة و سبب محاربتها من منظورين , إجتماعي و نفسي , من المنظور الإجتماعي فإن محاربة الشلتوت هي على مستوى المجتمع ككل , أما في المنظور النفسي , فإن المحاربة هي على مستوى أفرادٍ فقط , يبقى أن أقول بأن ما يلي ليس إلا مجرد رأيٍ شخصي قد يكون صواب و قد يكون #تهريس.
يقول علماء الإجتماع بأن ما ينظم الحياة في أي مجتمع هو مجموعة القوانين و الأعراف , تكون القوانين مكتوبة من قبل سلطة عليا عادة و يتم تطبيق عقوبات مادية ملموسة  لمن يتجاوز أحد هذه القوانين قد تصل إلى حد الإعدام , أما بالنسبة للأعراف فهي ما تعارف عليه المجتمع و عمل به , دون أن يكون مكتوباً , و عقوبة تجاوز هذه الأعراف تكون معنوية , حيث تتم معاملة الفرد المتجاوز معاملة أسوء من أقرانه , و من هذا المبدأ قد كانت محاربة الشلتوت , فالشلتوت شخصٌ تجاوز بعض الأعراف التي يسير بها المجتمع سواء كانت فيما يتعلق بالمظهر ككل أو في أسلوب الكلام و الحديث .
قد يرى البعض - و أنا منهم- , بأن الشلتوت قد يكون بطلاً من زاوية معينة , حيث أنه رفض أن يسير بعادات لا يؤمن بها و أعلن رفضه الصريح لهذا , في مجتمع يقدس العادات تقديساً كبيراً , في مجتمع مزال يرفض فكرة أن العادات وُضِعَت ليتم كسرها و إستبدالها بأخرى .

من منظورٍ أخر , و هو منظور نفسي , ولنقل منظور (سايكو- داينمكي) , يقول هذا المنظور في علم بأن تصرفات الإنسان و طريقة تفكيره سببها قوى خفية ألا و هي العقل الباطن , يحاول الإنسان في كل يوم أن يوافق بين رغباته الغرائزية المتمثلة في عقله الباطن , و بين قواعد الحياة المتبعة في المجتمع الذي يعيش فيه متمثلة في عقله الواعي , و في حالة مجتمع كمجتمعا فإن أغلب الرغبات الموجودة في العقل الباطن سيتم كبتها و فرض قوانين المجتمع عليها , بإستثناء ذاك الشاب الشلتوت , الذي انتصرت رغباته على القوانين فراحت كل القوانين عنده من الحياة , أصبح شخصاً يعيش بحرية شبه كاملة , تقف حريته عندما تصل لحدود حرية شلتوتٍ أخر , لا نقول بأن هذه الحرية و انتصار هذه الرغبات هو شيء جيد , على العكس هذه الحرية ستجعل المجتمع يبدو كغابة , فهذه الرغبات هي رغبات حيوانية في مجملها , و ليس لهذا حارب الأفراد ظاهرة الشلتتة , ليس لأنها تمثل رغبات حيوانية , بل حاربوها لأنهم محرومون منها , لأن عقلهم الباطن يود لو أن ينطلق مثلهم لكنهم يخافون كسر القوانين ,  ذاك الشاب الذي ينظر للأرض عند مرور فتاة بجانبه يتمنى أن ينظر إليه و أن ينطق بكلمة غزل أو اثنتين , لكنه يخاف أن تكون قريبته التي لا يتذكرها , و يخاف أن يمر أحد يعرفه فيقوم بتوبيخه , و هي أشياء نسيها الشلتوت و رماها خلفه , لهذا ينظر له الأفراد بهذه النظرية المتكبرة و التي تخفي ورائها عقدة نقصٍ كبيرة .

الاثنين، 1 أغسطس 2016

يا بائع الورد


في الحديقة جلست , ليلة قليلة البرودة و لكنها لطيفة , شوارعٌ هادئة و تكاد تخلو من سائريها  , الساعة كانت تقول بأنها العاشرة مساءً , وقت إشراقي متجولاً في هذه الشوارع ,حتى أصل إلى الحديقة للجلوس فيها ,  في الكرسي القريب مني جلس إثنان من الأحبة , قالت ملامحهم بأنهم في سن المراهقة , نظرت نحوهم بضعة مرات و لكني لم أطل النظر , تهمس أصواتهم بالحديث أحياناً و بالضحك أحياناً أخرى , لم يكن هناك من يقلق خصوصيتهما إلا أنا , لهذا ربما كانا يتهامسان , ربما ضنا بأني من أهل البلد و لم يريدا مني أن أعرف عما يتحدثان , مكالمة من أحدٍ أبى أن يتركني و عزلتي في شأننا , أنهيت المكالمة على عجلٍ دون أي معلوماتٍ عن موقعي و مكاني , فمثلما هرب هذان الإثنان من الناس التي في الشوارع , جئت أنا أيضاً إلى هنا و انتظرتها , لم أحدد موعداً معها بل جئت من مبدأ رب صدفة خير من ألف ميعاد .
تفطن اولئك الإثنان للساني الغير تركي فارتفعت اصواتهم بالحديث , لا يهم صوتهم الأن فمهما قالا لن أتمكن من فهمه , على دراجة بها سلة في المقدمة جاء بائع ورود , ورود حمراء جعلها تراصها بجانب بعضها ترسم لوحة تفوق الجمال , أشار له الشاب العاشق بأن تعال , أخذ منه وردة و أهداها إلى فتاته , و قبل أن يرحل البائع ناديته , جاء و بدأ في النظر حولي ثم قال لي هل تريد شيئاً؟ , فأجبت
:" نعم أريد وردة أهديها لمن ستأتي" .

عاد ليسألني :" و هل أنت متأكد بأنها ستأتي يا صديقي , فالساعة الأن هي العاشرة , في أي وقتٍ كان موعدكما ؟"

فعدت لأقول :" لم يكن بيننا موعد , بل أنا أجلس هنا أنتظر مرورها صدفة و أريد أن أفاجئها بوردة"

انطلقت ضحكة عالية من هذا الصبي البائع للورد و قال :" صدفة ؟! , أمجنون أنت ؟! , أنظر حولك لكل هؤلاء الناس , لم يتواجدوا معا بالصدفة , ثم كيف تتوقع مني أن أترك وردة مع مجنون مثلك".

جعلني كلام هذا البائع أشعر ببعض الألم :" فقلت له هي لم تعلم شيئاً عما يدور بداخلي , ثم مالعيب في ترك وردة معي".

فأجاب:" يا صديقي ليس الأمر عيباً , لكن الورد كالمشاعر سيذبل بعد فترة بسيطة , هو يحتاج لعناية و إهتمام , و أنت لم تهتم لمشاعرك و تركتها في طريقها للذبول فكيف ستهتم بوردة هي لحبيبة لم تأتي "
فقلت له :"ما رأيك أن أعطيك بعض المال و رسالة لتوصلها لها , و لا تقلق ستجدها بسرعة , اذهب حيث ترى أجمل عينين قد رأيت قبلاً , هناك ستجدها ".
وافق على مضض فبدأت على عجلٍ كتابة الرسالة :
" إليكي أنتي يا من لا أستطيع قول إسمك , ليس خوافاً ولكن شفتاي تستحي أن تنطق اسمك في غيابك , لقد جلست في إنتظار مرورك صدفة , أقول من جديد صدفة , فقد رأيتك صدفة , و عرفتك صدفة , و أُعجبت بك صدفة , ثم وقعت في حبك صدفة أيضا , فكيف لا أنتظر مرورك صدفة , إني أنتظر صدفاً كثيرة , لعلي بالصدفة أعرف مشاعرك تجاهي , ربما صدفة قد أعرف عن وجود أحدٍ ما في حياتك , و ربما سأنتظر صدفة لعلي أنساكِ , أو أتعلم التظاهر بنسيانك , فالحق ليس لي طاقة و لا قوة على تحمل كل هذه الصدف , لقد  جلست اليوم في هذه الحديقة التي زرتيها لأربعة أيامٍ متتالية , لكن عندما جلست أنا في اليوم الخامس لم تأتِ , هل هذه إشارة من السماء أو مثل هذا؟ أنا حائرٌ في أمري حقاً , و كنت أتمنى وجودك هنا لعلك تقولين لي شيئاً , كم أتمنى أن أبوح لك بكل شىء , لكن .... كم هي مرعبة كلمة لكن , لن أطيل عليك الخطاب , لقد أرسلت لك هذه الخطاب مع بائع الورد رفقة وردة كهدية ود و صداقة , هي بمثابة إعترافٍ مني بكل ما بداخلي , إذا ما أعجبتك فاحفظيها عندك  , و إن لم تعجبك رجاءً لا ترميها , فما ذنب الوردة في خطيئة ارتكبتها أنا بوقوعي في بحر حبٍ لا أعرف السباحة فيه ".

نظرت أمامي لأعطي البائع قطعة الورق الصغيرة لكني لم أجده , حتى أنت يا بائع الورد قد رحلت , أرجو أن تمر بجانبها هي و أي كان , و أرجو أن يهديها ذاك الشخص وردة أتمنى أن تكون وردتي التي أخترتها , فعلى الأقل ان لم أتمكن من اللقاء بها فستلتقي بها وردتي .

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

في العيد

هاقد جاء العيد و انتهت أيام رمضان , سيعود مدخن الحشيش إلى دخانه اليوم , و سيعود شارب الخمر إلى كؤوسه , أما أنا فكم أتمنى أن أكون على شواطيء قبرص في ثاني أيام العيد, سأذهب إلى هناك وقت الغروب رفقة تلك الحسناء القبرصية أو الإيرانية , أو كلاهما لامشكلة , سنأخذ معنا زجاجة جاك دانيلز وسكي ""مشبرة" بلسان أهل مصر , نتبادل أطراف الحديث قليلا و تعلو الضحكات بين كل حين , تسألني القبرصية :"هل مررت ببنغازي ؟" .
تضع الكحول المشوشة على تفكيري أمامي مشهدا من فيلم الرسالة , الأعرابي الذي جاء في المدينة  و سأله حمزة ذات السؤال الذي سألته القبرصية , فقلت لها بلسان الأعرابي :"
نعم مررت , حتى تستريح جمالي , في بنغازي تستريح الجمال أكثر من أي مكانٍ في الدنيا ".
عادت القبرصية لتسأل:" و ما أخبار بنغازي ؟".
قلت لها بعد أن إرتشفت قليلاٍ من الكحول ازيد به تليف كبدي :" لا تسركم , في بنغازي تقرع طبول الحرب ".
تذهب الكاميرا إلى بنغازي , بدل المزمار و الدف اللذان استخدمهما العقاد أستعمل أنا صفير الرصاص و أصوات الإنفجار ,
في بنغازي يا سيدتي الفاضلة وجدت أناساً يمر ملك الموت بجانبهم , لا يخافون منه ولا ينتبه هو لهم , وجدت قوماً ماتوا و يرفضون الإعتراف بموتهم , بل و مازالوا يحاربون حتى يعودوا للحياة , وجدت مدينة مظلمة بعد أن إنقطع النور من وجوه أهلها , كل أهل بنغازي صاروا محاربين , إما في الجبهات أو داخل المدينة يكافحون الحياة بحثاُ عن لقمة تسد الجوع و لو قليلاً , في بنغازي صارت الكراسي الطبية و العكاكيز أكثر البضائع المباعة ".

صمت و شردت أنظر في البحر
نفسٌ من الدخان أزيد به إسوداد رئيتي
عدت للحديث من جديد :" بنغازي صارت أكثر سواداً من رئتي هذه من أثر دخان القذائف الواقعة في كل مكان , في بنغازي رأيت العجب العجاب , رأيت سيارة تنفجر في أكثر شوارع المدينة إزدحاماً , و إستمرت الحياة بعده بدقائق كأن شيئاً لم يكن , رأيت ناساً إعتادت على تنوال الطعام مع الموت فلم تعد تخافه .
في بنغازي رأيت كل المساجد قد صارت متشابهة ,
لم أجد في بنغازي بعض المعارف و عندما سألت عنهم قالوا لي بأنهم ماتوا , كذلك ماتت الطفولة و كل شيء في بنغازي , حتى الفن قد مات و إختفى صوت الصافي من الخلفية , بنغازي صارت كتربة خصباء مات كل زرعها و ماتت الحياة فيها , لكن لأنها خصبة سينموا زرع هذه الأرض بعد عقودٍ من جديد."

و بعد أن أنهي هذا الكلام سأجد الفتاة القبرصية أو الإيرانية أو كلاهما تبكيان , ثم سننهض جميعاً لنرحل , و ينتهي خيالي هنا فأجد بأني مازلت في بنغازي , و كل ما قلته لم يكن إلا خيالاً , فأنا لن أجلس مع قبرصية أو إيرانية أبداً , و أبدا لن أحتسي الخمر , سأجد بأن كل ماقلته كان كذباً , كله إلا الحديث عن بنغازي .

الأحد، 26 يونيو 2016

البس لبستك

حدثونا في مدارسنا قديماً عن الغزو الثقافي كثيراً , نبهونا إلى الفكر القادم من الغرب لكنهم أبداً لم يحدثونا عن الغزو الثقافي القادم من شرقنا , ليس خفياً على أحد إنتشار أزياء تقليدية لشعوبٍ أخرى بين كل فئات المجتمع من شبابٍ و شيب ,و  تتلخص فكرة إنتشار هذه الملابس ببساطة يرجع لثلاثة أسباب ألا و هي :

1- إرتباط هذه الملابس بمجموعات ذات خلفية إسلامية  , ربما من يتذكر بنغازي قبل سنوات سيتذكر معها صوراً لأشخاصٍ يرتدون الزي الأفغاني , حيث إرتبط هذا الزي بمن كانوا يحاربون الإتحاد السوفييتي في أفغانستان سبعينات القرن الماضي , ثم إنتشر هذا الزي و إتخذته الجماعات المقاتلة بعد ذلك كلباسٍ لها إسوة "بقادة الجهاد" .
على الطرف الأخرى نرى إنتشار الجلابيب السعودية عند أصحاب الفكر السلفي إسوة بدعاة السلفية و من باب إتباع الصالحين و تقليدهم , لكن الأمر الذي خفي على هؤلاء هو أنهم يقلدون تقليد العمي , فمشائخ السلفية الكبار قد إتخذوا من هذه الجلابيب لباساً لهم لأنها ملابسهم التقليدية و لأن هذا ما لبسه أبائهم و أجدادهم من قبلهم , و لم يرد في أي نص ديني بأن هذه الملابس كانت هي ملابس المسلمون الأوائل .

2- من منظورٍ مرتبط بالمنظور الأول من الممكن أن نستنج سبباً ثانيا لإنتشار هذه الثياب , لكن هذه المرة سيكون مرتبطاً بعامة الناس , للتوضيح أكثر اقصد أي مسجدٍ كان يوم الجمعة وقت الصلاة , سترى أفراداً من كل الفئات العمرية ترتدي الأثواب الخليجية بإختلاف أنواعها من إمارتي إلى سعوديٍ و عماني , و قد اتخذ هؤلاء من هذه الثياب ملابس خاصة بيوم الجمعة تطور الأمر بعد ذلك لتصبح هذه الملابس الغريبة علينا ملابساً للأعياد أيضاً حتى إذا ما زرت محلاً يبيع هذا النوع من الثياب ستجد أكواماً من البشر تتدافع لتشتريه و تترك الزي الليبي التقليدي -و الذي أراه في نظري ذو جمالٍ و هيبة أكثر - , تتركه على جنب دون حتى النظر إليه , سبب تدافع هؤلاء هو رؤيتهم للثوب الخليجي كثوبٍ مرتبط بدافعٍ دينيٍّ أيضاً من باب تقليد مشائخ أرض الحرم و لكنه تقليدٌ أعمى أيضاً فبالإضافة إلى تناسي هؤلاء بأن هذا الزي هو الزي التقليدي للمشائخ إياهم فقد وصل هذا التقليد إلى إرتداء ثياب نومٍ سعودية و الخروج بها في الشارع و الذهاب إلى صلاة الجمعة بها .

3- أخيراً و ليس أخراً إنتشرت هذه الملابس بين الشباب كنوعٍ من الأناقة و كعلامة على الغنى و الثراء , تعدى الأمر هنا إرتداء الثوب فقط بل وصل أيضاً إلى إرتداء العقال و الشماخ و التصوير بها .
و من وجهة نظري أرى بأن هذه الظاهرة هي الأخطر لأن في ذلك تقليدٌ ينم عن جهلٍ و تخلفٍ و يُظهر عقدة نقصٍ كبيرة لأنه تقليدٌ راجعٌ إلى سببٍ سطحي تماماً و قد يظن أحد هؤلاء بأن الناس تنظر إلى لباسه هذا بنظرة إعجاب , لكنهم يجهلون بأن فئة كبيرة من الناس تنظر لهم نظرة إحتقارٍ و استهزاء , و مثل هؤلاء كمثل الطائر الذي أعجبته مشية الحمام فحاول تقليدها ثم فشل في ذلك و نسي مشيته , فصار يقفز قفزاً , و أقول لهم ما قاله مغني راب ليبي ذات مرة  :" البس لبستك , امشي مشيتك , شكلك شين لما حاولت تكون غيرك ".

ختاماً أود القول بأن السبب وراء حديثي حول هذا الموضوع , هو ما شعرت به من أسى و أسف عندما رأيت الزي الليبي يضيع بين هذه الأزياء المستحدثة و التي لا تمت لنا بصلة أبداً , خصوصاًَ أن وراء الزي الليبي تاريخ و حضارة أكبر و أقدم من تلك الأزياء , ثم لا ننسى بأن التمسك بما تركه الأوائل من موروث ثقافي كان سبباً في تقدم من تلاهم , و لنا في شعب اليابان خير مثالٍ على ذللك , فرغم تقدم هذا الشعب و تطوره مزال محافظاً على كل مواريثه الثقافية إبتداءً من زيه التقليدي .

الخميس، 23 يونيو 2016

رمضان يجمعنا

في كل عام تصدمنا القنوات العربية بكمية العبث المعروض على شاشاتها في شهر رمضان , برامجٌ و مسلسلات تعطيك إنطباعاً عن مدى تدهور الإنتاج العربي و فقره من الناحيتين , القصصية و التمثيلية , و في كل رمضان أشاهد حلقة من برنامج أو مسلسل فأطرح على نفسي ذات السؤال دوما , كيف يشاهد الناس هذه الأشياء ؟! , هذه المرة حاولت أن أقوم بالإجابة عن هذا السؤال و كانت الإجابات كالتالي :

-في باب أحمد الشقيري و الصدمة :  تظهر هذه البرنامج سواء كانت لأحمد الشقيري (خواطر , قمرة ) أو الصدمة الضيف الجديد في هذا العام , تظهر هذه البرامج بعض الظواهر الإيجابية في المجتمع و التركيز عليها في محاولة منها لإصلاح المجتمع العربي و لو قليلاً , تجد هذه البرامج مكاناً على شاشات المشاهدين , لسببين :
1.هي إن كانت تتحدث عن أشياء في المجتمعات الأخرى (خواطر في بعض أجزاءه مثلا) , فهي من رأي الخاص تحفز عقدة الخواجة عند مواطنينا .
2. السبب الثاني هو حديث هذه البرامج أحياناً عن ظواهر إيجابية في مجتمعاتنا  (بعض حلقات خواطر و الصدمة ) , هنا يكون سبب متابعة الجمهور لهذه البرامج هو أنها تمنحهم قليلاً من النشوة و السعادة بصورة يطالها قليلٌ من التزييف أحياناً .
و في الحالتين يكتفي المتابع لهذا النوع من البرنامج بالجلوس و المشاهدة دون أن يفكر ولو قليلاً بأن يحاول أن يبدأ في نشر ما رأه فيها .

-في باب الدراما العربية (الخليجية منها و السورية) :
في كل عام تثبت الدراما العربية أن الإنتاج العربي ما يزال بعيداً عن الدراما العالمية ,فأولاً  ستحتاج فقط لمشاهدة بضعة مسلسلاتٍ خليجية ثم ستكون قادراً على التنبؤ بقصص كل المسلسلات القادمة بالممثلين , فرغم الميزانيات الضخمة الموضوعة لهذه المسلسلات إلا إنها تفتقر لقصة و تفتقرلممثلين , بإختصار تفتقر لكل شيء يجعلها مسلسلات .
و لا يختلف الحال عن الدراما السورية التي باتت تهتم بمظهر الممثلين فيها دون الإلتفات إلى نص المسلسلات بنفس القدر .
سبب متابعة هذه المسلسلات أحياناً  قد تكون كمية الدراما و الحزن في قصة هذه المسلسلات فيراها الناس كملجأ لهم ينفسون بها عن الضيق و الغم المتراكم بداخلهم ,و قد تكون قصص الحب الجانبية في المسلسل سبباً أخر يجعل من مثل هذه الإنتاجات محط إهتمام و مشاهدة خصوصاً لدى فئة السيدات و الإناث بصفة عامة .
كذلك تظهر هذه المسلسلات تأثراً كبيراً من قبل طاقم التمثيل و المشاهدين بالثقافة التركية خصوصاً الظاهرة في المسلسلات المدبلجة منها من ناحية الديكور و لبس الممثلين و ما إلى ذلك .

في باب رامز جلال و إخوانه :
هذه النوعية من البرامج هي السبب الرئيسي لكتابة هذه المقالة و ذلك لأن إنتشار هذا النوع من البرامج بل و نجاح بعضها و إستمرارها لعدة مواسم وصلت إلى ستة في حالة رامز جلال مثلاً و الذي إنتقل من قناة متوسطة إلى أقوى شبكة قنوات عربية يعد مؤشراً خطيراً حيث أن هذا الشيء يظهر و بوضوح مقياس السادية العربية و ربما يفسر أيضاً سبب إنتشار أعمال العنف و القتل عند المجتمعات العربية إذا علمنا أن هذه البرامج تصنف كبرامج فكاهية أو كوميدية , و أين الكوميديا في رؤية تصرفات إنسان في موقفٍ تكون فيه حياته على المحك , فالضيف في هذه البرامج يواجه خطر الموت حرقاً في برنامج رامز جلال مثلاً أو هو يواجه خطر الموت ذبحاً بعد أن وقع ضحية في  أيدي مايعرف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في برنامج أشرف رعايش , و الطامة الكبرى أن هذا الأخير برنامجٌ من أنتج و أعد من قبل ليبين في ليبيا البلد التي يعاني مواطنوها من هذا التنظيم .

في باب الحارة :
في رأي الشخصي بأن باب الحارة قد إنتهى تماماً من بعد جزئه الثالث و أن ما تلى ذلك قد بات إجتراراً لذات المواضيع المطروحة في الأجزاء السابقة بطرقٍ جديدة , لكن رغم ذلك فمزال لهذا المسلسل الذي فقد كل ممثليه تقريباً , مزال له شريحة كبيرة من المشاهدين , و السبب في ذلك قد يكون حبنا كمجتمعات عربية محافظة للعادات و التقاليد و قد بات باب الحارة لعديد الأشخاص جزءً من عادات شهر رمضان كطبق الشربة في ليبيا و فانوس رمضان في مصر ,و لأننا محبون لهذه العادات و يصعب علينا كسرها أرى أنه من الصعب أن تنتهي سلسلة باب الحارة إلا بإفلاس المنتجين أو بتغير الذوق العربي العام فجأة .

في باب الاسطورة
: دائما ما كانت الافلام او المسلسلات المصنفة تحت بند اكشن ذات تقيم ضعيف لخلوها من قصة و اعتمادها غالبا على الحركة و المشاجرات الكثيرة فيها ، لا يختلف هذا الامر على الصعيدين العربي و العالمي .دارت قصص الاكشن في الاعمال العربية حول بطل يواجه ظروفا صعبة منذ مرحلة الطفولة ثم يبدأ في محاربة الاشرار في البيئة المحيطة بيه ، كانت قديما مرتبطة ب"فتوة" الحي (عاشور الناجي) و استمر الامر كذلك حتى ظهور ابراهيم الأبيض لتتحول القصص و تركز على الشاب القادم من احياء مصر العشوائية .نجحت هذه المسلسلات و انتشرت بين الشباب العربي لقرب البطل من المستوى المعيشي للشباب من ما حفز شعورا بينهم بإمكانية ان يعيشوا هم هذه القصص ، من ناحية أخرى كان لأعمال العنف المتصاعدة في العالم العربي  سبباً في ذلك أيضاً , حيث وجد المشاهد هذه الأعمال كملجأ للتنفيس و إخراج كمية العنف المترسبة داخل عقل المشاهد .


هذا مجرد تحليل تهريسي بسيط لمسلسلات و برامج رمضان من وجهة نظري البسيطة و ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً , في الختام برأيك عزيزي القاريء مالسبب الذي يجعل الناس تشاهد هذه المسلسلات و البرامج رغم إنحدار مستوى بعضها ؟.

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

قرار وزاري

نشرة أخبار الثامنة مساء في عام 2030
السادة و السيدات مساء الخير
قرر وزارة التربية و التعليم إضافة مادة اللغة الإيموجية إلى المنهج التعليمي في المدارس لتحل محل مادة اللغة العربية ,و قد جاء هذا القرار  بعد دراساتٍ و مناقشاتٍ و بحوثٍ نتج عنها أن مستعملي اللغة العربية في الكتابة قد باتوا مهددين بالإنقراض لذلك كان لزاماً على الوزارة أن تتحرك بسرعة لمواكبة التطور في العالم الخارجي , فتم إدخال لغة الإيموجي إلى المدارس و وضع من مزال يستعمل العربية للكتابة في محمية طبيعية.
و سيتم البدء في دراسة اللغة انطلاقاً من العام القادم , حيث سيشرح المنهج للطلبة  استعمال كل ايموجي و وظيفته , بالإضافة  إلى أنواع الجمل و طريقة صياغتها و تصريف أفعالها , و من أمثلة ما  سيُدرس في المدارس بعد هذا القرار هو المثل الشعبي (القرد في عين أمه غزال ) حيث صار يكتب بهذه الطريقة , *قرد*عين*إمرأة كبيرة في السن*غزال* , و قد لاقى هذا القرار استحساناً و قبولاً عند الطلبة و أولياء الأمور , و في حديثٍ مع أحد أولياء الأمور حول هذا القرار قال بأن هذا القرار قرارٌ حكيم من الوزارة لتسهيل الدراسة على الطلبة بعد أن انتشر استعمال هذه الرسوم مؤخراً .
هذا و قد نشر السيد وزير التربية و التعليم بيانا على صفحته الخاصة على موقع التويتر يقول فيه :
هذا القرار جاء بعد (دراساتن) وجدنا فيها أن الطلبة يعانون (كثيرن) مع قواعد الرفع و النصب و علامات التنوين , و أن الإيموجيات ذات استعمال أسهل بالنسبة لهم ,و سيتم في القريب العاجل فرض قوانين (أخري علي) الأقلية المستعملية للغة العربية , حيث سيتم الغاء حرف الألف المكسور (ى) بعد أن لم يعد الناس يفرقون بينه و بين حرف الياء (ي) , كذلك ندرس استبدال اسم لغة الضاد بلغة *وجه يضحك بدموع* بعد أن بات صعباً على الناس التفريق بين ال(ض) و ال(ظ) , خصوصاً بعد أن بات هؤلاء الناس يهاجمون كل من له أخطاء إملائية عند الكتابة , و من وجهة (نضرنا) بأن كل هذه الحروف و القوانين ليست الا شكليات تعيق تقدمنا كما تعيق ابداع أبنائنا ."
و ختم الوزير بيانه برسمات لي *يدان مرفوعتان للسماء*رسم خط بداية*رجل يمشي* , حيث قال مترجمون بأن هذه الجملة تعني "الحمد لله هذه بداية المشوار .

كانت هذه نشرتنا *يد تلوح إلى اللقاء* حتى نلقاكم في نشراتٍ أخرى