السبت، 13 أغسطس 2016

شلتتة

قد كان صباحاً مملاً أحاول جعل ساعاته تمضي بسرعةٍ أكبر بتقليب صفحات التواصل الإجتماعي , حتى وجدت منشوراً على صفحة أحد الأصدقاء يعرف فيه مصطلح "شلتوت" , هنا توقفت كثيراً و ساءلت نفسي , لقد تمت محاربة الشلتوت من قبل المجتمع و أفراده , فلماذا حدث هذا ؟, ولماذا لم يعرف أحدٌ ظاهرة الشلتتة بأي طريقة كانت , و لأنني لم أجد طريقة أفضل من هذه لتمضية الوقت فقررت أن أناقش ظاهرة الشلتتة و سبب محاربتها من منظورين , إجتماعي و نفسي , من المنظور الإجتماعي فإن محاربة الشلتوت هي على مستوى المجتمع ككل , أما في المنظور النفسي , فإن المحاربة هي على مستوى أفرادٍ فقط , يبقى أن أقول بأن ما يلي ليس إلا مجرد رأيٍ شخصي قد يكون صواب و قد يكون #تهريس.
يقول علماء الإجتماع بأن ما ينظم الحياة في أي مجتمع هو مجموعة القوانين و الأعراف , تكون القوانين مكتوبة من قبل سلطة عليا عادة و يتم تطبيق عقوبات مادية ملموسة  لمن يتجاوز أحد هذه القوانين قد تصل إلى حد الإعدام , أما بالنسبة للأعراف فهي ما تعارف عليه المجتمع و عمل به , دون أن يكون مكتوباً , و عقوبة تجاوز هذه الأعراف تكون معنوية , حيث تتم معاملة الفرد المتجاوز معاملة أسوء من أقرانه , و من هذا المبدأ قد كانت محاربة الشلتوت , فالشلتوت شخصٌ تجاوز بعض الأعراف التي يسير بها المجتمع سواء كانت فيما يتعلق بالمظهر ككل أو في أسلوب الكلام و الحديث .
قد يرى البعض - و أنا منهم- , بأن الشلتوت قد يكون بطلاً من زاوية معينة , حيث أنه رفض أن يسير بعادات لا يؤمن بها و أعلن رفضه الصريح لهذا , في مجتمع يقدس العادات تقديساً كبيراً , في مجتمع مزال يرفض فكرة أن العادات وُضِعَت ليتم كسرها و إستبدالها بأخرى .

من منظورٍ أخر , و هو منظور نفسي , ولنقل منظور (سايكو- داينمكي) , يقول هذا المنظور في علم بأن تصرفات الإنسان و طريقة تفكيره سببها قوى خفية ألا و هي العقل الباطن , يحاول الإنسان في كل يوم أن يوافق بين رغباته الغرائزية المتمثلة في عقله الباطن , و بين قواعد الحياة المتبعة في المجتمع الذي يعيش فيه متمثلة في عقله الواعي , و في حالة مجتمع كمجتمعا فإن أغلب الرغبات الموجودة في العقل الباطن سيتم كبتها و فرض قوانين المجتمع عليها , بإستثناء ذاك الشاب الشلتوت , الذي انتصرت رغباته على القوانين فراحت كل القوانين عنده من الحياة , أصبح شخصاً يعيش بحرية شبه كاملة , تقف حريته عندما تصل لحدود حرية شلتوتٍ أخر , لا نقول بأن هذه الحرية و انتصار هذه الرغبات هو شيء جيد , على العكس هذه الحرية ستجعل المجتمع يبدو كغابة , فهذه الرغبات هي رغبات حيوانية في مجملها , و ليس لهذا حارب الأفراد ظاهرة الشلتتة , ليس لأنها تمثل رغبات حيوانية , بل حاربوها لأنهم محرومون منها , لأن عقلهم الباطن يود لو أن ينطلق مثلهم لكنهم يخافون كسر القوانين ,  ذاك الشاب الذي ينظر للأرض عند مرور فتاة بجانبه يتمنى أن ينظر إليه و أن ينطق بكلمة غزل أو اثنتين , لكنه يخاف أن تكون قريبته التي لا يتذكرها , و يخاف أن يمر أحد يعرفه فيقوم بتوبيخه , و هي أشياء نسيها الشلتوت و رماها خلفه , لهذا ينظر له الأفراد بهذه النظرية المتكبرة و التي تخفي ورائها عقدة نقصٍ كبيرة .

الاثنين، 1 أغسطس 2016

يا بائع الورد


في الحديقة جلست , ليلة قليلة البرودة و لكنها لطيفة , شوارعٌ هادئة و تكاد تخلو من سائريها  , الساعة كانت تقول بأنها العاشرة مساءً , وقت إشراقي متجولاً في هذه الشوارع ,حتى أصل إلى الحديقة للجلوس فيها ,  في الكرسي القريب مني جلس إثنان من الأحبة , قالت ملامحهم بأنهم في سن المراهقة , نظرت نحوهم بضعة مرات و لكني لم أطل النظر , تهمس أصواتهم بالحديث أحياناً و بالضحك أحياناً أخرى , لم يكن هناك من يقلق خصوصيتهما إلا أنا , لهذا ربما كانا يتهامسان , ربما ضنا بأني من أهل البلد و لم يريدا مني أن أعرف عما يتحدثان , مكالمة من أحدٍ أبى أن يتركني و عزلتي في شأننا , أنهيت المكالمة على عجلٍ دون أي معلوماتٍ عن موقعي و مكاني , فمثلما هرب هذان الإثنان من الناس التي في الشوارع , جئت أنا أيضاً إلى هنا و انتظرتها , لم أحدد موعداً معها بل جئت من مبدأ رب صدفة خير من ألف ميعاد .
تفطن اولئك الإثنان للساني الغير تركي فارتفعت اصواتهم بالحديث , لا يهم صوتهم الأن فمهما قالا لن أتمكن من فهمه , على دراجة بها سلة في المقدمة جاء بائع ورود , ورود حمراء جعلها تراصها بجانب بعضها ترسم لوحة تفوق الجمال , أشار له الشاب العاشق بأن تعال , أخذ منه وردة و أهداها إلى فتاته , و قبل أن يرحل البائع ناديته , جاء و بدأ في النظر حولي ثم قال لي هل تريد شيئاً؟ , فأجبت
:" نعم أريد وردة أهديها لمن ستأتي" .

عاد ليسألني :" و هل أنت متأكد بأنها ستأتي يا صديقي , فالساعة الأن هي العاشرة , في أي وقتٍ كان موعدكما ؟"

فعدت لأقول :" لم يكن بيننا موعد , بل أنا أجلس هنا أنتظر مرورها صدفة و أريد أن أفاجئها بوردة"

انطلقت ضحكة عالية من هذا الصبي البائع للورد و قال :" صدفة ؟! , أمجنون أنت ؟! , أنظر حولك لكل هؤلاء الناس , لم يتواجدوا معا بالصدفة , ثم كيف تتوقع مني أن أترك وردة مع مجنون مثلك".

جعلني كلام هذا البائع أشعر ببعض الألم :" فقلت له هي لم تعلم شيئاً عما يدور بداخلي , ثم مالعيب في ترك وردة معي".

فأجاب:" يا صديقي ليس الأمر عيباً , لكن الورد كالمشاعر سيذبل بعد فترة بسيطة , هو يحتاج لعناية و إهتمام , و أنت لم تهتم لمشاعرك و تركتها في طريقها للذبول فكيف ستهتم بوردة هي لحبيبة لم تأتي "
فقلت له :"ما رأيك أن أعطيك بعض المال و رسالة لتوصلها لها , و لا تقلق ستجدها بسرعة , اذهب حيث ترى أجمل عينين قد رأيت قبلاً , هناك ستجدها ".
وافق على مضض فبدأت على عجلٍ كتابة الرسالة :
" إليكي أنتي يا من لا أستطيع قول إسمك , ليس خوافاً ولكن شفتاي تستحي أن تنطق اسمك في غيابك , لقد جلست في إنتظار مرورك صدفة , أقول من جديد صدفة , فقد رأيتك صدفة , و عرفتك صدفة , و أُعجبت بك صدفة , ثم وقعت في حبك صدفة أيضا , فكيف لا أنتظر مرورك صدفة , إني أنتظر صدفاً كثيرة , لعلي بالصدفة أعرف مشاعرك تجاهي , ربما صدفة قد أعرف عن وجود أحدٍ ما في حياتك , و ربما سأنتظر صدفة لعلي أنساكِ , أو أتعلم التظاهر بنسيانك , فالحق ليس لي طاقة و لا قوة على تحمل كل هذه الصدف , لقد  جلست اليوم في هذه الحديقة التي زرتيها لأربعة أيامٍ متتالية , لكن عندما جلست أنا في اليوم الخامس لم تأتِ , هل هذه إشارة من السماء أو مثل هذا؟ أنا حائرٌ في أمري حقاً , و كنت أتمنى وجودك هنا لعلك تقولين لي شيئاً , كم أتمنى أن أبوح لك بكل شىء , لكن .... كم هي مرعبة كلمة لكن , لن أطيل عليك الخطاب , لقد أرسلت لك هذه الخطاب مع بائع الورد رفقة وردة كهدية ود و صداقة , هي بمثابة إعترافٍ مني بكل ما بداخلي , إذا ما أعجبتك فاحفظيها عندك  , و إن لم تعجبك رجاءً لا ترميها , فما ذنب الوردة في خطيئة ارتكبتها أنا بوقوعي في بحر حبٍ لا أعرف السباحة فيه ".

نظرت أمامي لأعطي البائع قطعة الورق الصغيرة لكني لم أجده , حتى أنت يا بائع الورد قد رحلت , أرجو أن تمر بجانبها هي و أي كان , و أرجو أن يهديها ذاك الشخص وردة أتمنى أن تكون وردتي التي أخترتها , فعلى الأقل ان لم أتمكن من اللقاء بها فستلتقي بها وردتي .