الخميس، 28 مايو 2015

إلى ابني


أكتب لك هذا الخطاب ولا أعلم عدد السنوات التي تفصلني و تبعدني عن لقائك , أكتبه و قد خط الاشتياق كلماتي و وضع خوفي عليك النقاط فوق حروف رسالتي .
وقد تسألني عن سبب خوفي , ولكني لا أعلم حقاً , لعله خوف الأب على ابنه و لعله خوفٌ سببه ما رآه أبوك من هذا الزمان .
أخاف من أن تُولد رجلاُ و تعيش رجلاً في زمنٍ يكاد ينقرض فيه الرجال.
أخاف أن تُولد بعقلٍ يفكر أو بضميرٍ حي في وقتٍ بات فيه المفكرون و أصحاب الضمائر مجانين.
أعتذر عن أن أمك ليست هنا و أنا أكتب لك هذا الخطاب فهي مشغولة بحديثها مع غيري من الرجال و تقضي وقتها معهم .
أخاف و أشد ما أخافه هو أن تقع في حُب امرأة لعوب تتلاعب بقلبك و تجعلك تهديها قلبك و روحك ثم تترك مكسوراً جريحاً مرمياً على حافة الطريق.
فالنساء هنا يا بني و في زمننا هذا غدارات , تأسر إحداهن قلبك و تجعلك لعبة بين يديها تستمع بها رفقة صديقاتها ثم ترميك على الر جسداً بلا روح , ثم تخرج مطالبة بحقوقها أو تكتفي بكتابة كُتبٍ عن أن ما يهم الرجل في المرأة هو جسدها... أعلم بأن الأمر مضحك يا صغير فهي من عرضت جسدها عليه بملابسها .
أخاف و أخاف و أخاف و أخشى أن خوفي هذا سيضرك و بسببه أخاف من أنك لا ترى الدنيا.

الأحد، 24 مايو 2015

الراحلة




... استيقظ ذاك الصباح و بداخله حزنٌ و همٌ كبيرين بدأ يجول بعينيه في المكان باحثاً عنها ,
و لكنها لم تكن هنا , أو إنها لم تعد تسكن هنا , فقد رحلت و تركت بداخله جرحٌ يصعب مداواته , رحلت و أخذت معها كل شيء و لم يكن ما أخذته مادي , لا بل أخذت الفرحة و البهجة منه و من كل المكان.
جلس يحاول أن يستعيد شريط ذكرياتهما معا فهنا لعبا و هنا نام ليلة بين أحضانها الدافئة, و هناك جلسا معاً و علت أصوات ضحكاتهم و بين أصوات الذكريات , انسابت دمعة ساخنة من عينه و تدحرجت على خده ثم سقطت عن وجهه باتجاه يده الموضوعة على الطاولة , ثم لحقتها أخريات , لم يحاول مسحها أو منعها بل تركها تتابع سقوطها لعلها تخفف عنه وحدته , لعلها تكون أنيسة له بعد أن رحلت أنيسة حياته .
قرر الخروج و الذهاب إليها ليشكو إليها همه و ما أصابه من بعدها , و في طريقه إلى مسكنها الجديد بدأ شريط الذكريات في الدوران مجدداً  و غاص هو بين بحار الذكريات حتى أنه لم يدرك بأنه وصل إلى هناك فليس هو من كان يقود في الطريق لا , بل هو الحنين و الإشتياق.
وصل إلى هناك و جلس و بدأ يناشد لعله يجد من يجيب :" كم اشتقت إليك و إلى حضنك الدافئ , و كم كان غيابك مؤثراً فأنتِ الشمس التي أضاءت لي حياتي و أنت القمر في الليالي المظلمة , و بدونك لا شمس لا و لا عندي قمر, أعلم بأني لن أجد من يحل مكانك, و من ذا التي تفعل , من التي في حنان صدرك و دفئ حضنك, أنتِ تلك الغيمة الماطرة في حياتي و , و بدونك لا مطر فيها , بدونك باتت حياتي صحراء ميتة, بدونك لا حياة في حياتي,
أذكر حسنك و جمالك فأنتِ من استحى القمر من جمالها, و انحنت أزهار البستان خجلاً من عطرها,يا ذات الحضن الدافئ ما أقسى الدنيا في غيابك , و ما أمرها , لما رحلتِ و تركتينِ لما؟ ... إنهار في وسط المكان وتساقطت قطرات الدمع من عينيه و أخذ يكرر مراراً وبصوتٍ يملؤه الحزن "لما؟" و لكن أحداً لم يرد و لا حياة لمن كان ينادي .
تماسك قليلاً و نهض فقال: " أردت أن أتي إليك لأحدثك عن أحوالي , رحمك الله يا أمي "
بدأ في المشي خارجاً تثقله الهموم تاركاً خلفه قبر أمه الراحلة .


رحم الله جميع أمهاتنا

الأربعاء، 6 مايو 2015

c'est la vie



في منتصف الليل استيقظ متعرقاً منزعجاً من ذاك الكابوس الذي راوده, و الذي لاصقه طيلة أسبوعين تكاد لا تخلو الليلي فيهما منه , و كأنه نسى كيف يحلم بغيره , نظر إلى السقف فور فتحه عيناه ثم دار بنظره سريعا في الغرفة التي أحس بأن معالمها غريبة , فليست هذه هي المعالم التي اعتاد عليها ثم تذكر بأنه ليس في بيتهم و أنه خرج نازحاً من بيته منذ أشهر نتيجة للاشتباكات المسلحة الدائرة هناك و لأن حالته المادية منعته من الخروج هربا من (الرباية) بنغازي كذلك منعته عزة نفسه أن يذهب لأحد أقربائه حتى لا يثقل عليهم قرر البحث عن مسكنٍ للإيجار , و بعد معاناة مع جشع المُلاَك فبين من ضاعف إيجار الشقة لضعفين و ثلاث و بين من يطالب بإيجار ستة أشهر مقدم عانى الأمرَين , حتى صاحب الشقة ذات السعر المعقول و الذي لم يطالبه بمقدم طالته موجة الطمع المصاحبة للثورات و الحروب ليستغل ضعاف النفوس احتياجات غيرهم ,فبعد شهر و نصف تفاجأ به أمام باب الشقة ذات يوم يخبره بأن إيجار الشقة سيرتفع و بأنه إن لم يدفع يجب أن يغادر , و لكن مهما اشتد الظلام فإن النور قادم و لأنه في كل مكان هناك (الصالح و الطالح) و بعد غابة من الطالحين وجد الصالح الذي أعطاه الشقة بسعرٍ ليس سعرها و خيره في أن يدفع وقتما شاء و هاهو ذا ينتقل إلى مسكنٍ ثالث خلال أشهر .
استيقظ و وصل إليه صوت امرأة أطلقت زغروتة انتهكت حرمة سكون الليل , زغروتة أتت لعتبر عن فرحة امرأة بإبنها البكر الذي ستزف إليه عروسه غدا .
شعر بالحزن و لم يعلم لماذا هل هو حزنٌ على ذاك الشاب الذي أنتقل إلى أصعب مراحل الحياة و سيبدأ العيش مسئولا عن كل قراراته أم هو حزن على نفسه, هو الذي لم يختر حياته فهو من أراد أن يكون مبرمجاً للحاسوب و لكن والده الذي أصر على أن يكون ابنه مهندساً حتى يقال ( الحاج بات المهندس) , أرغمه على أن يغير مجاله ليتخرج و يقف في طابور العاطلين عن العمل بعد سنواتٍ من المعاناة مع الدراسة فمن الذي ينجح في شيء لا يحبونه , حتى في قوانين البشر لا يمكن أن تنجح علاقة بين اثنين لا يريد أحدهما الأخر  .
و بعد أن بدأ في مسيرته المهنية و بدأ في تكوين نفسه أتت أمه لتفرض عليه زوجة لا يريدها و لكنها "بنت خالتك حليمة طبخها جميل ما شاء الله عليه و (شفتها ترقص في عرس أختك حنان و ما شاء الله عليها حرة مش بايرة ) , و كأن المرء يتزوج بجارية تطبخ و تنظف ثم تأتي في الليل لترقص لزوجها , و كما أرغمه أبوه على ترك المجال الذي يحبه , أجبرته أمه على ترك الفتاة التي أحبها و رآها زوجة له و جاء ذاك العرس ليشفط في لحظة ما جمعه من مال في سنين و (اللي يبنيه النمل في عام يشيله الجمل بخفه) .
و هاهو ذا تجاوز الخامسة و الثلاثين من عمره و لا يذكر بأنه قام بشيء يريده و لكن كما يقول الفرنسيون إنها الحياة
C’est la vie