الأحد، 30 أغسطس 2015

المجنون (عندما حصلت على ملابسي)

كالعادة مرة أخرى أجد نفسي جالساً وحدي , معتزلاً هذا العالم بكل ما فيه من بشر , ناظراً للسماء و لكن بصري يسبح في مكان أبعد من ذلك , أتجول في مساحات تمتد إلى مالا نهاية حيث ظننت بأن انعتاق روحي سيكون , حيث سأجد ذاتي التائهة الضائعة , هناك حيث سأجد رسالتي , الرسالة التي أؤمن بوجودها و عظمتها , فحياة بهذه الصعوبات لا تستحق الرسالة التي كنت أسير خلفها , فحياة المرء و صعوبتها تتناسب طردياً مع رسالته , كلما زادت الصعوبة زادت عظمة الرسالة التي يحملها , ولهذا قررت بأن رسالتي و مهمتي كبيرة في هذه الأرض , فقبل كل شيء أنا من أوجدني الله لأكون خليفته في أرضه .
غافلني النوم و انتهز فرصة انشغالي بتأملي فهاجمني و سقطت بين يديه مغشياً علي ثم أخذني من يدي في جولة بين ذكرياتي , قبل سنوات عندما كنت شاباً أتجول في الغابة جسداً طاهراً نقياً دون ملابس , عندما لم يكن لدي تشوهات و أخطاء أخفيها عن البشر , اتجول في سلام فلا يوجد شيء أخافه , روح طاهرة تتجول شاكرة الله على نعمة الحب , جلست عند جذع شجرة وسط أشعة الشمس  التي أنظر إليها بنظرات شكر على تدفئتي , استندت للجذع ناقلاً له بعضاً من الدفيء و بلمسة حنان , فانحنت الشجرة لتعطيني ظلاً يقيني حر الشمس , نظرت للأعلى فوجدت عصفوراً صغيرا يقف على أحد الأغصان و لم تتمكن عيناي من عدم مغازلته بالنظرات , بل و أرسلت عيناي رسائل عشق و هوى له , فأنطلق العصفور يغني لي أجمل الألحان , تبادلت الحب مع كل دابة كانت تسعى حتى أتت أمامي لتضحي بنفسها و تطعمني من لحمها إذا جعت , هكذا كنت أحببت كل شيء في الطبيعة و أحبني , حتى رأيتها ,ملكة الوادي , تلك من فاقت في جمالها كل شيء عرفته , ليس الاسم مهماً فالمهم انها كانت إنسانة من بني جنسي , و ما أظن أن هناك من بهذا الجمال , لها ابتسامة إذا ظهرت أسرت لجمالها كل ما في الغابة من كائنات , لم أعرف لمقاومتها سبيلاً , فلست من منع قلبه من حب شيء يوماً , كنت أراها كل يوم و لكن لم أقوى على ذلك يوماً , فهي ملكة بكل ما تعنيه الكلمة , لها جمال ملكة , وعظمة ملكة , و هيبة ملكة , و لكن ما أن وقعت في شباك حبها حتى ظهرت رقعة قماش على جسدي استغربت حينها , ولكن لم يمنعنِ ذلك من متابعة ما بدأت , استمرت جلستي تحت تلك الشجرة و أنا أراها هي في كل شيء في دفيء الشمس و ظل الشجر و أراها في لحنٍ خرج من طائر مغرد ,بدأت الأشياء تملني حتى قررت في ذات ليلة بأني سأصارح الملكة بكل شيء سأخبرها بكل ما بداخلي , و عندما حانت اللحظة جلست أمامها و أخرجت قلبي و مددته له و لكنها نظرت إلي باستهجان ثم مضت , و تركتني مليئاً باليأس و الإحباط أما عن قلبي فقد طار ولم أره , فما أصعب أن ترفض الآلهة قربان قدمته لها , في تلك اللحظة نتج عن هذه العلاقة مولود مشوه يدعى الكره و عندها كست الملابس كل جسدي و لم تترك منه شيء .
ذهبت صباح اليوم التالي لمكان جلوسي المعتاد و لكن ما أن رأت الكائنات ملابسي هجرتني , فالشمس غربت , و الشجرة طرحت كل أرواقها لتبحث عن مكان أخر تعيش فيه , كذلك فعل العصفور , هجرتني كل تلك الكائنات فضللت في وحدتي , و بدأ ذاك المولود يكبر شيئاً فشيئاً و في كل يوم ينشر في جسمي كرهاً لتلك الملكة , ولكن أنا مازلت متيماً بها , فكيف لا أفعل و هي أم ولدي , و لو عاد بي الزمن كنت سأقف أمامها مرة أخرى و أقول (أحبك) .
هكذا ولد ولدي و هكذا حصلت على ملابسي.

الخميس، 27 أغسطس 2015

عقاب ليبي

كالعادة ملل غريب يصيبك في فترة الصباح فلا جامعة ولا دراسة ولا عمل و قد مللت التجول الصباحي بالسيارة فقررت البقاء في المنزل , أو بالأحرى أًجبرت على البقاء فالفوكس رفيق الصباح مُقفل , وقد فُجئت بوجود ثلاثة عمال مصريين في البيت , و لأن المصائب لا تأتِ فرادة قررت شركة الكهرباء قطع التيار في هذا الوقت لطرح الأحمال , فوجدت نفسي جالساً مع العمال أثناء شربهم للشاي و مشاركتهم الحديث , و أثناء ذلك تذكرت لماذا أحب مصر , شعبٌ بسيط , متفائل , و دائم الابتسام على عكسنا نحن الذين نبحث عن الحزن و نجلس عنده , قرر اثنان منهم القيام ل"تشطيب" الأعمال  و جلست مع ثالثهم و اكتشفت أنه من صعيد مصر , من أسيوط و أخذ يحدثني عن أسيوط و بساطة شعبها حتى تمنيت أن أزورها, و عندها تذكرت قول ذاك الرجل الذي قال :" لو لم أكن مصرياً لو وددت أن أكون مصرياً" , نعم و حقاً و صدق في قوله , فلو لم أكن ليبياً لوددت أن أكون مصريا , و لكن ترى من أي مُدن مِصر أريد أن أكون , احترت قليلاً ثم وصلت لها , نعم فلا بد أن تكون هي , فلو لم تكن ولادتي و عيشي في بنغازي فلا بد أن يكون فيها , تلك التي دخل حبها قلبي و لكن بنغازي أخذت الجزء الأكبر منه ,و لكن لا بأس بوجود معشوقة أخرى و هي القاهرة , قاهرة المُعز .سمحت لعقلي بأن يذهب في جولة أخذ فيها معطيات بأني ولدت و عشت في القاهرة و قبل أن أبدأ جولتي في عالم الخيال وضعت بعض الموسيقى التصويرية و التي اخترت أن تكون رائعة الشيخ إمام و كلمات أحمد فؤاد نجم (مصر يا أمه يا بهية يا أم طرحة و جلابية) , ثم انطلقت , سأكون طالباً جامعياً في جامعة القاهرة , و لكن بكل تأكيد لن أختار الطب هناك بل سأدرس الأدب و تلك الكلية التي درس فيها (أنيس منصور) من اعتبره أستاذاً لي رغم أن لم ألتق به أبداً , و لكن كما يقول اللغز الشعبي في ليبيا "الميت يسلم على الحي " , فقد التقيت بأنيس منصور في كتبه , سأجلس عند النيل كما فعل أحمد شوقي أمير الشعراء , سأتجول في شوارع القاهرة التي تحمل عديد القصص سواء في مبانيها أو في ناسها و ابتساماتهم , في الزمالك و المعادي و مدينة نصر , و ربما عندما أحتاج لبعض وحدي سأجلس في المقطم أو أتجول في مناطقها القديمة ذات المباني المتآكلة و المُغبرة , لكن ذات النفوس الجديدة الرائعة القاطنة بها ,خان الخليلي و الحسين و السيدة زينب , سأصلي في الأزهر وبكل تأكيد لن أقترب من الباطنية , سأتجول شارع عباس العقاد و بداخلي حسرة لأني لم أكن في عصره و لم أجلس في صالونه , لم أعاصره و لم أقابله وجها لوجها , ربما كنت حينها رفيقاً لأنيس منصور و جليساً لصالونه , سأستمتع بكلامه عن طه حسين و حواراته مع توفيق الحكيم و غيره من الأدباء ولكن للأسف ربما لن أعاصر مصطفى محمود أو السعدني أستاذ الأدب الساخر , فحمداً لله أني جئت في عصر الإنترنت حيث يمكنني أن أعيش كل العصور في عصر , أن أسبح في بحر خيالي مع كلمات الحكيم بينما يدندن لي سيد درويش عن التحفجية  , أو سأمزج بين عصرين فأستمع لكايروكي بينما أقرأ لمصطفى محمود . قطع جولتي هناك صوت هاتفي يرن يعلمني بأن صديقي يتصل و الذي أبلغني بدوره أنه في الطريق إلي , أنهيت جولتي في مصر و كلمات أغنية الشيخ إمام ( أهيم شوقاً) عالقة في بالي فقررت أن أشغلها في سيارة صاحبي ذاك , و هذا ما فعلته فور ركوبي و لكنه انزعج من ذلك لا لشيء إلا لأنها مصرية أو "عقاب مصرية " كما قال , ضحكت في داخلي و قلت مصر تلك التي أخرجت للعالم أجيالا من العباقرة في كل شيء نحن ننظر لهم على أنهم "عقاب" , نحن الذين أخرجنا للعالم عباقرة أيضاً ولكن في كل شيء قذر , و لكن رغم ذلك لم ألم صديقي فأنا المخطئ فأغنية الشيخ إمام تلك لا يستحق أن تسمعها أذن "عقاب" ليبي .

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

بالعربي

الناظر للوضع العربي سيرى و بلا شك أزمات مختلفة على جميع الأصعدة , سيرى فارقاً زمنياً كبيراً بين هذه الدولة القابعة في الرقعة الجغرافية من المحيط للخليج و بين باقي دول العالم , فهم في عصر و نحن في عصر متأخر عنهم بكثير ,و ليس الوقت الأن وقت مقارنة بيننا و بينهم , فالمقارنة لا تجدي شيئاً و لكن بات لزاماً علينا أن ننظر لأسباب المشكلة و نحاول حلها , علماً بأن حلها سيأخذ أجيالاً و أجيال فالمشكلة مترسبة في عقولنا , ضاربة جذورها في فكرنا , و ربما سنبدأ من هذه الكلمة سرد المشاكل , الفكر لو قلت هذا الكلام لأي شخص يتبع تياراً معيناً سيرمي بالسبب على التيار المضاد له , و سيقولها في كل مكان على منابر المساجد أو على منصات المحاضرات , و حتى على القنوات , و الناس تتابع و تسمع بل و تترك هذا الكلام يدخل عقولها دون أي محاولة منها لفهمه أو مناقشته , و يصبح هذا الكلام كلامٌ منزل من عند الله لا يجوز نقاشه , و هذه المشكلة ليست متعلقة بفكر سياسي فقط , و لكن متعلقة بجميع نواحي الحياة , فالشيخ فلان قال و الدكتور علان قال, و من أنت حتى تناقش كلامه أو تعارضه الرأي , أصبحت الغالبية العظمى في بلادنا و للأسف مجرد خيل غطى سائسها عيونها حتى لا ترى شيئا إلا ما يريد السائس أن تراه , أما القلة الفاتحة لعيونها المحاولة للنظر في كل الاتجاهات و بتفكر , باتت قلة مجنونة مجرمة , تعامل كالسفهاء من جميع الأطراف فهذا يسبها و هذا يسخر منها , أصبح الناس في مجتمعنا العربي مجرد نُسخ متشابهة في كل شيء في التفكير في الكلام , و بإمكانك تقسيمهم و فرزهم حسب القنوات التي يشاهدونها , و ربما تكون هذه الأخير هي مصيبة المصائب و سبب كل مشكلة عندنا , فقد ساعد الإعلام بصفة كبيرة على تنويم العقول و تحجيرها , و جعل الناس تضع عقولها على الرف و لا تحاول إجهادها , فلما أفكر في أمور الدين إذا كان الشيخ فلان سيكون على القناة كذا , ولما أفكر في أمور السياسة إذا كان المحلل السياسي فلان سيكون على القناة الأخرى , بل و حتى لما أفكر في طريقة نجاحي و الدكتور فلان أستاذ التنمية البشرية سيكون على تلك القناة , أصبح المواطنون في بلادنا عبيد ينتظرون الأوامر من ذلك الشخص الناطق على شاشة التلفزيون ليقرروا ماذا سيفعلون , حتى أنه سيصعب عليك إقناع مريض على كرسي متحرك في عيادة بأنه مشلول , ولكن أعطين قناة و متحدثاً جيداً و سأقنع أي شخص بأنه مشلول حتى إن كان سليماً معافى .إن أغلب مشاكلنا العربية تدور حول وجود أو غياب العقل , فمثلاً من بين هؤلاء الملايين من العرب كم مئة عقل عربياً سنُخرج , و ركز على (عربياً) , فالآن في هذا العصر و هذه الفترة بدأت مشكلة أخرى في الظهور , مشكلة إن استمرينا في هذا الطريق ستكون أكبر مشكلة موجود بل و ستكون أكبر نكسة في التاريخ العربي المعاصر , و ستؤدي مستقبلا إلى ضياع كل ما هو عربي , ففي هذه الأونة بدأنا نلحظ اختفاء الهوية العربية شيئاً فشيئا , هذه المشكلة بدأت في جيل التسعينات و استمرت و كبرت في جيل مطلع الألفية الثالثة , فأولاً بات العالم العربي بالنسبة لعددٍ كبير من الجيلين مجرد محطة توقف مؤقت قبل الخروج إلى أرض الأحلام أوربا , و كم من شخص صُبغ بلون أوربا , فتجد الاسم عربيا و لكن اللبس و المشية و اللسان أوربي , و ليس هذا الجيل هو الملام وحده بل حتى الجيل السابق مُلامٌ أيضا , فمثلا عندما يُولد طفل لأبوين يحثانه على دراسة اللغة الإنجليزية و ينسيان لغته الأم , العربية , فيصبحان يكافئانه على نجاحه في هذه ولا يهتمان بتلك , فيكبر عالماً بكل قواعد اللغة الإنجليزية , ولكن لا يعرف الفرق بين أخوات كان و أخوات إن (كلهن بنات ناس), عموماً لا ننسى بأنه سيميل للأغاني الغربية بصفة عامة و سينظر بنظرة تعالي على الأغاني العربية و سيعتبرها علامة على الذوق الهابط , ثم يبدأ في قراءة الأدب الغربي باللغة الإنجليزية تاركاً ورائه أدباً عظيماً بالعربي , عندما ينشأ لدينا جيل كهذا , جيل لم يسمع يوماً أم كلثوم أو العندليب أو الشيخ إمام أو فيروز , جيل لم يقرأ للعقاد و أنيس منصور و مصطفى محمود و أبو القاسم الشابي , جيل لم يتغنى بالعربي ولم يقرأ بالعربي , جيل لم يشعر بالعروبة في قصائد محمود درويش , كيف سنطالب من هذا الجيل الإهتمام بمشاكل العروبة ؟

الاثنين، 17 أغسطس 2015

براد الشاهي 4 (يافيروز)


صباحٌ جميل خرجت فيه الشمس و وقفت فيه الأطيار على الأشجار تنشد لحن الحياة , جلست في الحديقة أتناول إفطاري , و دون رغبة مني وجدت نفسي أستمع إلى فيروز من مذياع جارنا الذي اعتاد على التمتع بموسيقى فيروز كل صباح , انسجمت مع هذا التناغم بين صوت العصفور المغرد و صوت فيروز الذي يطرب السامعين , و إذا بفيروز تغني عن شادي و تحكي عنه و عن أيامهم معاً ثم كيف فارقها شادي و كيف انتظرته هي ," آه يا فيروز لستِ وحدك من تركك شادي , ترى هل تعلمين أن شادي هذا بات رمزاً لكل المحبين , ربما كان شادي مجرد فتى في أغنيتك , و لكن شادي الذي في حياتي كان فتاة .
ربما لم نلتقِ أبداً يا فيروز و لكن التقيت بإحساسك في هذه الأغنية , فأحسست بما أحسستِ به أنت و شعرت بكل حرف بل و كل نفس أخذتهِ و  ضاع شادي ".
يا فيروز عندما قلتِ (أنا لحبيبي و حبيبي الي ) ظننت أن هذا هو حال كل الأحبة فأحببت و يا ليتني لم أفعل , فحبيبي لم يرض أن يكون لي , لا أدري لما ,ربما لأنه لم يستمع لك يوماً أو ربما هو يستمع لأغانيك و يفكر بشخصٍ أخر , لا أعرف كل ما أعرفه بأنني (حبيته تنسيت النوم) و هو قد نساني , كذلك (أحببته صيفاً و شتاءً) و لكن يبدو أن حبه خريفي و ربيعي فقط , فقد كتبت اسمه على الحور العتيق و هو لم يقم حتى بكتابة اسمي حتى على رمل الطريق , بل أخذ طريقاً غير طريقي و هجرني و تركني مرميا بجرحٍ (كبر البحر و بُعد السماء) حتى أن الناس سألوني عنه و لم استطع أن أجيب عليهم و لم أقل (راجع و عتلوموني ), رحل و تركني يا فيروز و لم يزرنِ في السنة مرة , و لم أعرف له سبيلاً إلا أنني أرسلت له مع مرسال المراسيل على أمل أن يأت منه رد أو أن يأتي هو بذاته , قلت له (رغم الحاصل من زمان الوقت الكافي للنسيان , عزة نفسي كإنسان , اشتقتلك ) , و ختمت رسالتي ب (كيفك انت؟) , و طالت ليالي الشمال الحزينة , و سهرت الليالي بجانب طاحون المي الذي بات مهجوراً حاملاً مع الناي لأغني , ليالي كثيرة كنت فيها مع القمر جيران , أقول للهوى فيها بأننا راجعين , يا زهرة المساكين , و لكن لم يأت شيء يا فيروز , نزل الثلج كثيراً و ذهب و شادي قصتي لم يأت , هذه قصتي يا فيروز , نعم إنها بشعة كتير و حلوة كتير , و فعلا هي تحدث كل يوم , و رغم ذلك سأجلس انتظر بكرة ف(يا سلام على بكرة يا سلام )".
أنهيت كوب الحليب و الشاهي الذي أشربه في كل صباح و لكن في هذا الصباح كان له طعم مختلف في فمي , فقد امتزجت حلاوة الشاهي بمروره الماضي .

الأحد، 16 أغسطس 2015

ضحية نفسه

مسكين و مظلومٌ هو , فقد توفي والده و تركه صغيرًا يحمل مسؤولية  إخوته الصغار و أمه المريضة , و لكنه لم يدع ذلك يوقفه , درس و تخرج و عمل .
صفته المعروفة طيبة القلب , فهو محبٌ للجميع , كريمٌ لا يحرم نفسه أو أصدقائه من شيء, مستعدٌ للجلوس في مقهى أو مطعم و يدفع ثمن الطلبات , و مع ذلك لم يسلم من ألسنة الناس و شرورهم فكل من يحيط به يكيد له المكائد , يأخذون ما يريدون منه و يتركونه ثم يجلسون ليتحدثون بسوء عنه , و هو لا يبالي فقلبه الأبيض يطغى على كل أفعاله , لا يحمل في قلبه أي ضغائن لأي أحد , مصادقٌ للجميع و اجتماعي جدًا , و رغم ما مر به من تجارب مع البشر لم يتعلم أي درس عن البشر .
أما عن اسمه فهو أحمد و هاهو اليوم يبلغ عامه الثاني و الثلاثون دون أن يتقدم خطوة في حياته الشخصية  , فكل وقته لأهله و كل ماله لأصدقائه و لعمله, مثقف محبٌ للكُتب , متابع لأغلب الرياضيات فهو مشجع لنادي ليفربول و متابع لنادي لوس أنجلوس ليكرز  , و غيرها من أنواع الرياضة , و كذلك يهوى الإلكترونات و الأفلام و الألعاب , بل و يعمل بها .
أما عن علاقته بالإناث فهي تميل لطرف واحد ,فكل من يقابلهن يعجبن به , و كل واحدة تريد أن تنال إعجابه , فهو الفرصة التي تضيع شابٌ رومنسي حساس محبٌ لكل أنواع الموسيقى , و لكن هو لا يبالي بهن و لا يهتم , فهو لا يبحث إلا عن الصداقة ففتاة أحلامه لم تأت بعد , لأنه عانى كثيراً .
أتى ليجلس مع أصدقائه ذات مساء في المقهى و بجوارهم كانت هناك طاولة يجلس على أشخاص كان يعرفهم في الماضي و لكنهم تركوه , مر و سلم عليهم ثم ذهب و جلس مع صحبه , سأله أحدهم عن هؤلاء الذين سلم عليهم , فقال بصوت حزين :
" هم رفقة قديمة جمعتنا الأيام في يوم ما و لكن تفرقنا الأن , بسبب ألاعيبهم و كذبهم , و حديثهم الدائم بسوء عني " و بدأ في الحديث عن كل ما حدث معهم .
صُدم رفاقه بالحديث فبدؤوا يواسونه و يخففون من ألمه و هو ينتقل في الحديث من شخص لأخر واصفاً أحداثاً كان هو الضحية فيها .
و على الطاولة الأخرى كان الاثنان الآخران  ينظران باتجاهه و يكتفيان بالصمت دون أن يقول أي منهما حرفاً , نظر أحدهما للأخر و قال :" أراهنك بكل شيء بأنه يجلس الآن و يتحدث عنا و عن مواقفه معنا , و كيف أننا خدعناه ؟"
فرد الأخر مبتسما :" لن أراهنك فهذه حقيقة مثبتة , و هي ليست أول مرة , فالطاولة التي يجلس عليها تتغير و الأشخاص حوله يتغيرون و لكن حديثه لا يتغير , هو الضحية التي نصب عليها الجميع , هو العظيم الذي يفهم في كل أمور الحياة , هو عبقري الموسيقى و الأفلام , هو كازانوفا الذي تريده كل البنات  , هو المجد و صاحب المجد , هو الذي قاوم الحياة ليُثبت للعالم من يكون "
توقف قليلأ ثم نظر لشخص مار بالطريق فأشار إليه و قال :" أترى هذا الذي يمشي ؟!هو صديق لي , قد استدان منه أحمد قبل شهرين مبلغ مالي ليسير  به بعض أعماله و وعده بأنه سيعيده خلال أسبوع , وافق ذاك الشخص فقط لأنه يعرفني , و لكن صديقنا اختفى لفترة و طال الأسبوع و أصبح اثنين و ثلاث حتى مر شهرٌ كامل لا يرد فيها على اتصالاته و عندما يرد يبدأ في المماطلة , عندما يحدثني صديقي هذا عن أمواله أحاول أن أهدئه حتى لا يتشاجر مع أحمد , و لكنه لا يذكر ذاك لا يقول في ظهري إلا الباطل "
قاطعه صديقه الجالس بقربه على الطاولة و قال: " لقد عمل مع عبد الرحمن قبلاً و لم يقصر معه عبد الرحمن في شيء فكانا يخرجان معاً يوزعان بضاعة على المحلات و كانا يتقاسمان كل الأرباح بالمناصفة رغم أن البضاعة هي بضاعة عبد الرحمن , ثم ماذا ؟ اكتشف عبد الرحمن بأنه ينصب عليه و على أشخاص آخرين , و لكن عبد الرحمن لم يجلس على كل طاولة و أخبر الجميع بالقصة , و إذا ما جئت أنت و قلت أمام الناس حقيقته فلن يصدقك أحدٌ منهم و ستصبح أنت الشخص السيئ الذي يشوه سمعة الناس , رغم أن هو شوه سمعة العديد من الناس ذكوراً بحديثه السيئ عنهم و الإناث بقوله عن كل واحدة يعرفها بأنها معجبة به و بأنها كادت أن تحرق نفسها فقط لكي يتحدث هو معها , ربما هو حقا ضحية و لكنه ليس ضحية أحد , إلا ضحية نفسه "
صمت الصديقان و انهيا المحادثة .
(هناك أشخاص كثيرون يحبون أن يظهروا دائماً في دور الضحية لسبب غير معروف , و يشعرون في داخل نفسهم بأن حياتهم يجب أن تكتب في قصة , ولأني أعرف الكثير منهم فلا أجد هدية أفضل من أن أحقق لهم أمنيتهم )

الخميس، 13 أغسطس 2015

انا و هو

وقفت أمامه و بدأ كلٌ منا في النظر لعيني الأخر , أحسست من نظرته بأنه يعرفني و لمحت في عينيه بريقاُ ليس بغريبٍ علي , حاولت أن أتذكر أين رأيته من قبل , ركزت فيه قبل أن أصاب بصدمة , إنه هو , هي عيناه هي ملامحه , و لكنه تغير كثيراً ترى ما الذي غيره .
يبدو و كأن الدهر قد ترك له ذكريات عديدة ,فقد اعتلى البُؤس وجهه و بات كأرض نفذت منها المياه فأصابها الجفاف , و حتى شفتاه اسودتا بعد أن كان الأحمر هو لونهما قديماً .
مازلت واقفاً أنظر إليه محاولة معرفة سره , و هو كعادته يقف لا يحرك ساكناً , ينظر إلي و أشعر بأنه ينظر لما بداخلي كما أفعل أنا , فقد تسللت إلى ما وراء عينيه , لأنظر و ابحث عن ما أصابه , و لكن لم أجد شيئاً يذكر , لا شيء إلا الظلام الدامس , حاولت أن أقترب من الأشياء لمعرفتها وسط هذا الظلام , وجدت بعض ذكريات الصداقة المكسورة , وجدت ذكرى حب منسي و قد رُمي بعيداً بعيدا , مشاعر و أحاسيس فضل دفنها هناك على أن يصرح بها , صورٌ لأهل و أصدقاء قد رحلوا و بقيت صورهم , طموحات لمستقبل طال انتظارها حتى فُقد الأمل منها, و من بين كل ذاك الظلام صدم عيني نورٌ قادمٌ من بعيد , ذهبت باتجاهه و عندما وصلت وجدت هناك طفلاً صغيراً يجلس وحده , إني أنظر إلى ماضيه , كم كان طفلاً بريئاً و لكن كم غيرته الظروف , كم كان طفلاً بريئاً ولكن ما رآه من الناس و أفعالهم غيره كثيراً , و أي تغيير هذا ؟ ذاك الذي جعلني أنظر لانعكاس صورتي في المرآة و لا أعرفها !!.

19/9/2013

الاثنين، 10 أغسطس 2015

براد الشاهي 3


اعذريني لأنني لم استطع منع عيناي من النظر إليكِ و التأمل فيك , فكيف لأحد أن يستطيع مقاومة النظر لكل هذا الجمال أنتِ حقاً من غنى فيك الصافي " جميلة و ما ريت كيفك جميلة " , نعم لم أرى مثل هذا الجمال قبلاً , شردت عيناي في ابتسامتك و قالت ما استحى الفم عن قوله و كم وددت أن أغني تلك الأغنية لك "جميلة و ماريت كيفك جميلة" و لكن لا أعلم إذا ما كان اسمك ليلى و لكن "ليلة لو باقي ليلة بعمري أبيه الليلة و أسهر في ليلة عيوني و هي ليلة عمر " , نعم ربما لو كان بإمكاني و بيدي لجلست بجانبك ليلة كاملة لا أقول فيها شيئاً إلا أغاني الغزل فيك ف"الليلة دي سيبني اقول و احب فيك" , و كأن كل شعراء الغزل كتبوا ما كتبوه من شعرٍ في وصفك , و ربما لو رآك عنترة لترك عبلة و أحبك أنتِ , و هذا من حظ عبلة , وليس حظها وحدها , فحتى مجنون ليلى لو نظر لابتسامتك لبات مجنونك أنتِ و لو رأى  روميو عيناك لباتت جولييت وحيدة , بل حتى لو مررتِ بجانبك العقاد و الحكيم و عباقرة مصر لما سمع أحد عن مي زيادة , كم هن محظوظات تلك النسوة بأنك لم تأتِ في عصرهم و كم أنا محظوظ بأنكِ كنت في تلك السيارة, وكم أود أن أشكر ذاك الذي وقف يصرخ في "الشيل" و جعلني ألتفت و وقعت عيناي عليك , عندما وقعت عيناي على أجمل ما خلق الله , كم رغبت في أن أنزل و أدق على زجاجك ليس طمعاً , في حديثٍ معك و من أنا حتى أطمع في كلمة تخرج من بين شفتيك , و لكن كل ما طمعت فيه هو نظرة منك , لحظة واحدة تلتقي فيها عيناي بعينيك , ترى ماذا ستقولان ؟ , مالكلام الذي سيدور بينهما ؟ , ربما ستقول عيناي "يا بنت السلطان حني على الغلبان " , و أي غلبان ؟ , حقا من يرى هذا الجمال أمامه و على بعد متر واحد عنه و لا يظفر منه حتى بنظرة لهو غلبان , و لكن ماذا ستقول عيناك أنتِ , لعلها ستغني " يا مجنون مش أنا ليلى ولا بنسمة هواك مايلة " .
انتبهت صديقتك لذاك الأبله الموجود في السيارة المجاورة و الذي تركه عقله و ذهب ليركب معك , و سبح في خياله بعيداً مع هذا الجمال و الرقة , فلا عيب فيك , عينان و كأنهما عينا غزال الريم , و مبسم وُضع هناك بدقة , و لو اجتمع بيكاسو و دافنشي و مايكل انجلو لعجزوا عن رسم مثل هذا الفم , ما أسعدني بوقوفنا هنا جنباً بجنب على هذه الإشارة و ما أتعسني بأن الإشارة باتت خضراء و انطلقتِ أنتِ بعيدا و أصبحت أنا "عايش و مش عايش " , و تركتِ بداخلي حسرة كحسرتي على براد الشاهي ذاك .