كالعادة مرة أخرى أجد نفسي جالساً وحدي , معتزلاً هذا العالم بكل ما فيه من بشر , ناظراً للسماء و لكن بصري يسبح في مكان أبعد من ذلك , أتجول في مساحات تمتد إلى مالا نهاية حيث ظننت بأن انعتاق روحي سيكون , حيث سأجد ذاتي التائهة الضائعة , هناك حيث سأجد رسالتي , الرسالة التي أؤمن بوجودها و عظمتها , فحياة بهذه الصعوبات لا تستحق الرسالة التي كنت أسير خلفها , فحياة المرء و صعوبتها تتناسب طردياً مع رسالته , كلما زادت الصعوبة زادت عظمة الرسالة التي يحملها , ولهذا قررت بأن رسالتي و مهمتي كبيرة في هذه الأرض , فقبل كل شيء أنا من أوجدني الله لأكون خليفته في أرضه .
غافلني النوم و انتهز فرصة انشغالي بتأملي فهاجمني و سقطت بين يديه مغشياً علي ثم أخذني من يدي في جولة بين ذكرياتي , قبل سنوات عندما كنت شاباً أتجول في الغابة جسداً طاهراً نقياً دون ملابس , عندما لم يكن لدي تشوهات و أخطاء أخفيها عن البشر , اتجول في سلام فلا يوجد شيء أخافه , روح طاهرة تتجول شاكرة الله على نعمة الحب , جلست عند جذع شجرة وسط أشعة الشمس التي أنظر إليها بنظرات شكر على تدفئتي , استندت للجذع ناقلاً له بعضاً من الدفيء و بلمسة حنان , فانحنت الشجرة لتعطيني ظلاً يقيني حر الشمس , نظرت للأعلى فوجدت عصفوراً صغيرا يقف على أحد الأغصان و لم تتمكن عيناي من عدم مغازلته بالنظرات , بل و أرسلت عيناي رسائل عشق و هوى له , فأنطلق العصفور يغني لي أجمل الألحان , تبادلت الحب مع كل دابة كانت تسعى حتى أتت أمامي لتضحي بنفسها و تطعمني من لحمها إذا جعت , هكذا كنت أحببت كل شيء في الطبيعة و أحبني , حتى رأيتها ,ملكة الوادي , تلك من فاقت في جمالها كل شيء عرفته , ليس الاسم مهماً فالمهم انها كانت إنسانة من بني جنسي , و ما أظن أن هناك من بهذا الجمال , لها ابتسامة إذا ظهرت أسرت لجمالها كل ما في الغابة من كائنات , لم أعرف لمقاومتها سبيلاً , فلست من منع قلبه من حب شيء يوماً , كنت أراها كل يوم و لكن لم أقوى على ذلك يوماً , فهي ملكة بكل ما تعنيه الكلمة , لها جمال ملكة , وعظمة ملكة , و هيبة ملكة , و لكن ما أن وقعت في شباك حبها حتى ظهرت رقعة قماش على جسدي استغربت حينها , ولكن لم يمنعنِ ذلك من متابعة ما بدأت , استمرت جلستي تحت تلك الشجرة و أنا أراها هي في كل شيء في دفيء الشمس و ظل الشجر و أراها في لحنٍ خرج من طائر مغرد ,بدأت الأشياء تملني حتى قررت في ذات ليلة بأني سأصارح الملكة بكل شيء سأخبرها بكل ما بداخلي , و عندما حانت اللحظة جلست أمامها و أخرجت قلبي و مددته له و لكنها نظرت إلي باستهجان ثم مضت , و تركتني مليئاً باليأس و الإحباط أما عن قلبي فقد طار ولم أره , فما أصعب أن ترفض الآلهة قربان قدمته لها , في تلك اللحظة نتج عن هذه العلاقة مولود مشوه يدعى الكره و عندها كست الملابس كل جسدي و لم تترك منه شيء .
ذهبت صباح اليوم التالي لمكان جلوسي المعتاد و لكن ما أن رأت الكائنات ملابسي هجرتني , فالشمس غربت , و الشجرة طرحت كل أرواقها لتبحث عن مكان أخر تعيش فيه , كذلك فعل العصفور , هجرتني كل تلك الكائنات فضللت في وحدتي , و بدأ ذاك المولود يكبر شيئاً فشيئاً و في كل يوم ينشر في جسمي كرهاً لتلك الملكة , ولكن أنا مازلت متيماً بها , فكيف لا أفعل و هي أم ولدي , و لو عاد بي الزمن كنت سأقف أمامها مرة أخرى و أقول (أحبك) .
هكذا ولد ولدي و هكذا حصلت على ملابسي.
الأحد، 30 أغسطس 2015
المجنون (عندما حصلت على ملابسي)
الخميس، 27 أغسطس 2015
عقاب ليبي
كالعادة ملل غريب يصيبك في فترة الصباح فلا جامعة ولا دراسة ولا عمل و قد مللت التجول الصباحي بالسيارة فقررت البقاء في المنزل , أو بالأحرى أًجبرت على البقاء فالفوكس رفيق الصباح مُقفل , وقد فُجئت بوجود ثلاثة عمال مصريين في البيت , و لأن المصائب لا تأتِ فرادة قررت شركة الكهرباء قطع التيار في هذا الوقت لطرح الأحمال , فوجدت نفسي جالساً مع العمال أثناء شربهم للشاي و مشاركتهم الحديث , و أثناء ذلك تذكرت لماذا أحب مصر , شعبٌ بسيط , متفائل , و دائم الابتسام على عكسنا نحن الذين نبحث عن الحزن و نجلس عنده , قرر اثنان منهم القيام ل"تشطيب" الأعمال و جلست مع ثالثهم و اكتشفت أنه من صعيد مصر , من أسيوط و أخذ يحدثني عن أسيوط و بساطة شعبها حتى تمنيت أن أزورها, و عندها تذكرت قول ذاك الرجل الذي قال :" لو لم أكن مصرياً لو وددت أن أكون مصرياً" , نعم و حقاً و صدق في قوله , فلو لم أكن ليبياً لوددت أن أكون مصريا , و لكن ترى من أي مُدن مِصر أريد أن أكون , احترت قليلاً ثم وصلت لها , نعم فلا بد أن تكون هي , فلو لم تكن ولادتي و عيشي في بنغازي فلا بد أن يكون فيها , تلك التي دخل حبها قلبي و لكن بنغازي أخذت الجزء الأكبر منه ,و لكن لا بأس بوجود معشوقة أخرى و هي القاهرة , قاهرة المُعز .سمحت لعقلي بأن يذهب في جولة أخذ فيها معطيات بأني ولدت و عشت في القاهرة و قبل أن أبدأ جولتي في عالم الخيال وضعت بعض الموسيقى التصويرية و التي اخترت أن تكون رائعة الشيخ إمام و كلمات أحمد فؤاد نجم (مصر يا أمه يا بهية يا أم طرحة و جلابية) , ثم انطلقت , سأكون طالباً جامعياً في جامعة القاهرة , و لكن بكل تأكيد لن أختار الطب هناك بل سأدرس الأدب و تلك الكلية التي درس فيها (أنيس منصور) من اعتبره أستاذاً لي رغم أن لم ألتق به أبداً , و لكن كما يقول اللغز الشعبي في ليبيا "الميت يسلم على الحي " , فقد التقيت بأنيس منصور في كتبه , سأجلس عند النيل كما فعل أحمد شوقي أمير الشعراء , سأتجول في شوارع القاهرة التي تحمل عديد القصص سواء في مبانيها أو في ناسها و ابتساماتهم , في الزمالك و المعادي و مدينة نصر , و ربما عندما أحتاج لبعض وحدي سأجلس في المقطم أو أتجول في مناطقها القديمة ذات المباني المتآكلة و المُغبرة , لكن ذات النفوس الجديدة الرائعة القاطنة بها ,خان الخليلي و الحسين و السيدة زينب , سأصلي في الأزهر وبكل تأكيد لن أقترب من الباطنية , سأتجول شارع عباس العقاد و بداخلي حسرة لأني لم أكن في عصره و لم أجلس في صالونه , لم أعاصره و لم أقابله وجها لوجها , ربما كنت حينها رفيقاً لأنيس منصور و جليساً لصالونه , سأستمتع بكلامه عن طه حسين و حواراته مع توفيق الحكيم و غيره من الأدباء ولكن للأسف ربما لن أعاصر مصطفى محمود أو السعدني أستاذ الأدب الساخر , فحمداً لله أني جئت في عصر الإنترنت حيث يمكنني أن أعيش كل العصور في عصر , أن أسبح في بحر خيالي مع كلمات الحكيم بينما يدندن لي سيد درويش عن التحفجية , أو سأمزج بين عصرين فأستمع لكايروكي بينما أقرأ لمصطفى محمود . قطع جولتي هناك صوت هاتفي يرن يعلمني بأن صديقي يتصل و الذي أبلغني بدوره أنه في الطريق إلي , أنهيت جولتي في مصر و كلمات أغنية الشيخ إمام ( أهيم شوقاً) عالقة في بالي فقررت أن أشغلها في سيارة صاحبي ذاك , و هذا ما فعلته فور ركوبي و لكنه انزعج من ذلك لا لشيء إلا لأنها مصرية أو "عقاب مصرية " كما قال , ضحكت في داخلي و قلت مصر تلك التي أخرجت للعالم أجيالا من العباقرة في كل شيء نحن ننظر لهم على أنهم "عقاب" , نحن الذين أخرجنا للعالم عباقرة أيضاً ولكن في كل شيء قذر , و لكن رغم ذلك لم ألم صديقي فأنا المخطئ فأغنية الشيخ إمام تلك لا يستحق أن تسمعها أذن "عقاب" ليبي .
الأربعاء، 26 أغسطس 2015
بالعربي
الناظر للوضع العربي سيرى و بلا شك أزمات مختلفة على جميع الأصعدة , سيرى فارقاً زمنياً كبيراً بين هذه الدولة القابعة في الرقعة الجغرافية من المحيط للخليج و بين باقي دول العالم , فهم في عصر و نحن في عصر متأخر عنهم بكثير ,و ليس الوقت الأن وقت مقارنة بيننا و بينهم , فالمقارنة لا تجدي شيئاً و لكن بات لزاماً علينا أن ننظر لأسباب المشكلة و نحاول حلها , علماً بأن حلها سيأخذ أجيالاً و أجيال فالمشكلة مترسبة في عقولنا , ضاربة جذورها في فكرنا , و ربما سنبدأ من هذه الكلمة سرد المشاكل , الفكر لو قلت هذا الكلام لأي شخص يتبع تياراً معيناً سيرمي بالسبب على التيار المضاد له , و سيقولها في كل مكان على منابر المساجد أو على منصات المحاضرات , و حتى على القنوات , و الناس تتابع و تسمع بل و تترك هذا الكلام يدخل عقولها دون أي محاولة منها لفهمه أو مناقشته , و يصبح هذا الكلام كلامٌ منزل من عند الله لا يجوز نقاشه , و هذه المشكلة ليست متعلقة بفكر سياسي فقط , و لكن متعلقة بجميع نواحي الحياة , فالشيخ فلان قال و الدكتور علان قال, و من أنت حتى تناقش كلامه أو تعارضه الرأي , أصبحت الغالبية العظمى في بلادنا و للأسف مجرد خيل غطى سائسها عيونها حتى لا ترى شيئا إلا ما يريد السائس أن تراه , أما القلة الفاتحة لعيونها المحاولة للنظر في كل الاتجاهات و بتفكر , باتت قلة مجنونة مجرمة , تعامل كالسفهاء من جميع الأطراف فهذا يسبها و هذا يسخر منها , أصبح الناس في مجتمعنا العربي مجرد نُسخ متشابهة في كل شيء في التفكير في الكلام , و بإمكانك تقسيمهم و فرزهم حسب القنوات التي يشاهدونها , و ربما تكون هذه الأخير هي مصيبة المصائب و سبب كل مشكلة عندنا , فقد ساعد الإعلام بصفة كبيرة على تنويم العقول و تحجيرها , و جعل الناس تضع عقولها على الرف و لا تحاول إجهادها , فلما أفكر في أمور الدين إذا كان الشيخ فلان سيكون على القناة كذا , ولما أفكر في أمور السياسة إذا كان المحلل السياسي فلان سيكون على القناة الأخرى , بل و حتى لما أفكر في طريقة نجاحي و الدكتور فلان أستاذ التنمية البشرية سيكون على تلك القناة , أصبح المواطنون في بلادنا عبيد ينتظرون الأوامر من ذلك الشخص الناطق على شاشة التلفزيون ليقرروا ماذا سيفعلون , حتى أنه سيصعب عليك إقناع مريض على كرسي متحرك في عيادة بأنه مشلول , ولكن أعطين قناة و متحدثاً جيداً و سأقنع أي شخص بأنه مشلول حتى إن كان سليماً معافى .إن أغلب مشاكلنا العربية تدور حول وجود أو غياب العقل , فمثلاً من بين هؤلاء الملايين من العرب كم مئة عقل عربياً سنُخرج , و ركز على (عربياً) , فالآن في هذا العصر و هذه الفترة بدأت مشكلة أخرى في الظهور , مشكلة إن استمرينا في هذا الطريق ستكون أكبر مشكلة موجود بل و ستكون أكبر نكسة في التاريخ العربي المعاصر , و ستؤدي مستقبلا إلى ضياع كل ما هو عربي , ففي هذه الأونة بدأنا نلحظ اختفاء الهوية العربية شيئاً فشيئا , هذه المشكلة بدأت في جيل التسعينات و استمرت و كبرت في جيل مطلع الألفية الثالثة , فأولاً بات العالم العربي بالنسبة لعددٍ كبير من الجيلين مجرد محطة توقف مؤقت قبل الخروج إلى أرض الأحلام أوربا , و كم من شخص صُبغ بلون أوربا , فتجد الاسم عربيا و لكن اللبس و المشية و اللسان أوربي , و ليس هذا الجيل هو الملام وحده بل حتى الجيل السابق مُلامٌ أيضا , فمثلا عندما يُولد طفل لأبوين يحثانه على دراسة اللغة الإنجليزية و ينسيان لغته الأم , العربية , فيصبحان يكافئانه على نجاحه في هذه ولا يهتمان بتلك , فيكبر عالماً بكل قواعد اللغة الإنجليزية , ولكن لا يعرف الفرق بين أخوات كان و أخوات إن (كلهن بنات ناس), عموماً لا ننسى بأنه سيميل للأغاني الغربية بصفة عامة و سينظر بنظرة تعالي على الأغاني العربية و سيعتبرها علامة على الذوق الهابط , ثم يبدأ في قراءة الأدب الغربي باللغة الإنجليزية تاركاً ورائه أدباً عظيماً بالعربي , عندما ينشأ لدينا جيل كهذا , جيل لم يسمع يوماً أم كلثوم أو العندليب أو الشيخ إمام أو فيروز , جيل لم يقرأ للعقاد و أنيس منصور و مصطفى محمود و أبو القاسم الشابي , جيل لم يتغنى بالعربي ولم يقرأ بالعربي , جيل لم يشعر بالعروبة في قصائد محمود درويش , كيف سنطالب من هذا الجيل الإهتمام بمشاكل العروبة ؟
الاثنين، 17 أغسطس 2015
براد الشاهي 4 (يافيروز)
صباحٌ جميل خرجت فيه الشمس و وقفت فيه الأطيار على الأشجار تنشد لحن الحياة , جلست في الحديقة أتناول إفطاري , و دون رغبة مني وجدت نفسي أستمع إلى فيروز من مذياع جارنا الذي اعتاد على التمتع بموسيقى فيروز كل صباح , انسجمت مع هذا التناغم بين صوت العصفور المغرد و صوت فيروز الذي يطرب السامعين , و إذا بفيروز تغني عن شادي و تحكي عنه و عن أيامهم معاً ثم كيف فارقها شادي و كيف انتظرته هي ," آه يا فيروز لستِ وحدك من تركك شادي , ترى هل تعلمين أن شادي هذا بات رمزاً لكل المحبين , ربما كان شادي مجرد فتى في أغنيتك , و لكن شادي الذي في حياتي كان فتاة .
ربما لم نلتقِ أبداً يا فيروز و لكن التقيت بإحساسك في هذه الأغنية , فأحسست بما أحسستِ به أنت و شعرت بكل حرف بل و كل نفس أخذتهِ و ضاع شادي ".
يا فيروز عندما قلتِ (أنا لحبيبي و حبيبي الي ) ظننت أن هذا هو حال كل الأحبة فأحببت و يا ليتني لم أفعل , فحبيبي لم يرض أن يكون لي , لا أدري لما ,ربما لأنه لم يستمع لك يوماً أو ربما هو يستمع لأغانيك و يفكر بشخصٍ أخر , لا أعرف كل ما أعرفه بأنني (حبيته تنسيت النوم) و هو قد نساني , كذلك (أحببته صيفاً و شتاءً) و لكن يبدو أن حبه خريفي و ربيعي فقط , فقد كتبت اسمه على الحور العتيق و هو لم يقم حتى بكتابة اسمي حتى على رمل الطريق , بل أخذ طريقاً غير طريقي و هجرني و تركني مرميا بجرحٍ (كبر البحر و بُعد السماء) حتى أن الناس سألوني عنه و لم استطع أن أجيب عليهم و لم أقل (راجع و عتلوموني ), رحل و تركني يا فيروز و لم يزرنِ في السنة مرة , و لم أعرف له سبيلاً إلا أنني أرسلت له مع مرسال المراسيل على أمل أن يأت منه رد أو أن يأتي هو بذاته , قلت له (رغم الحاصل من زمان الوقت الكافي للنسيان , عزة نفسي كإنسان , اشتقتلك ) , و ختمت رسالتي ب (كيفك انت؟) , و طالت ليالي الشمال الحزينة , و سهرت الليالي بجانب طاحون المي الذي بات مهجوراً حاملاً مع الناي لأغني , ليالي كثيرة كنت فيها مع القمر جيران , أقول للهوى فيها بأننا راجعين , يا زهرة المساكين , و لكن لم يأت شيء يا فيروز , نزل الثلج كثيراً و ذهب و شادي قصتي لم يأت , هذه قصتي يا فيروز , نعم إنها بشعة كتير و حلوة كتير , و فعلا هي تحدث كل يوم , و رغم ذلك سأجلس انتظر بكرة ف(يا سلام على بكرة يا سلام )".
أنهيت كوب الحليب و الشاهي الذي أشربه في كل صباح و لكن في هذا الصباح كان له طعم مختلف في فمي , فقد امتزجت حلاوة الشاهي بمروره الماضي .
الأحد، 16 أغسطس 2015
ضحية نفسه
مسكين و مظلومٌ هو , فقد توفي والده و تركه صغيرًا يحمل مسؤولية إخوته الصغار و أمه المريضة , و لكنه لم يدع ذلك يوقفه , درس و تخرج و عمل .
صفته المعروفة طيبة القلب , فهو محبٌ للجميع , كريمٌ لا يحرم نفسه أو أصدقائه من شيء, مستعدٌ للجلوس في مقهى أو مطعم و يدفع ثمن الطلبات , و مع ذلك لم يسلم من ألسنة الناس و شرورهم فكل من يحيط به يكيد له المكائد , يأخذون ما يريدون منه و يتركونه ثم يجلسون ليتحدثون بسوء عنه , و هو لا يبالي فقلبه الأبيض يطغى على كل أفعاله , لا يحمل في قلبه أي ضغائن لأي أحد , مصادقٌ للجميع و اجتماعي جدًا , و رغم ما مر به من تجارب مع البشر لم يتعلم أي درس عن البشر .
أما عن اسمه فهو أحمد و هاهو اليوم يبلغ عامه الثاني و الثلاثون دون أن يتقدم خطوة في حياته الشخصية , فكل وقته لأهله و كل ماله لأصدقائه و لعمله, مثقف محبٌ للكُتب , متابع لأغلب الرياضيات فهو مشجع لنادي ليفربول و متابع لنادي لوس أنجلوس ليكرز , و غيرها من أنواع الرياضة , و كذلك يهوى الإلكترونات و الأفلام و الألعاب , بل و يعمل بها .
أما عن علاقته بالإناث فهي تميل لطرف واحد ,فكل من يقابلهن يعجبن به , و كل واحدة تريد أن تنال إعجابه , فهو الفرصة التي تضيع شابٌ رومنسي حساس محبٌ لكل أنواع الموسيقى , و لكن هو لا يبالي بهن و لا يهتم , فهو لا يبحث إلا عن الصداقة ففتاة أحلامه لم تأت بعد , لأنه عانى كثيراً .
أتى ليجلس مع أصدقائه ذات مساء في المقهى و بجوارهم كانت هناك طاولة يجلس على أشخاص كان يعرفهم في الماضي و لكنهم تركوه , مر و سلم عليهم ثم ذهب و جلس مع صحبه , سأله أحدهم عن هؤلاء الذين سلم عليهم , فقال بصوت حزين :
" هم رفقة قديمة جمعتنا الأيام في يوم ما و لكن تفرقنا الأن , بسبب ألاعيبهم و كذبهم , و حديثهم الدائم بسوء عني " و بدأ في الحديث عن كل ما حدث معهم .
صُدم رفاقه بالحديث فبدؤوا يواسونه و يخففون من ألمه و هو ينتقل في الحديث من شخص لأخر واصفاً أحداثاً كان هو الضحية فيها .
و على الطاولة الأخرى كان الاثنان الآخران ينظران باتجاهه و يكتفيان بالصمت دون أن يقول أي منهما حرفاً , نظر أحدهما للأخر و قال :" أراهنك بكل شيء بأنه يجلس الآن و يتحدث عنا و عن مواقفه معنا , و كيف أننا خدعناه ؟"
فرد الأخر مبتسما :" لن أراهنك فهذه حقيقة مثبتة , و هي ليست أول مرة , فالطاولة التي يجلس عليها تتغير و الأشخاص حوله يتغيرون و لكن حديثه لا يتغير , هو الضحية التي نصب عليها الجميع , هو العظيم الذي يفهم في كل أمور الحياة , هو عبقري الموسيقى و الأفلام , هو كازانوفا الذي تريده كل البنات , هو المجد و صاحب المجد , هو الذي قاوم الحياة ليُثبت للعالم من يكون "
توقف قليلأ ثم نظر لشخص مار بالطريق فأشار إليه و قال :" أترى هذا الذي يمشي ؟!هو صديق لي , قد استدان منه أحمد قبل شهرين مبلغ مالي ليسير به بعض أعماله و وعده بأنه سيعيده خلال أسبوع , وافق ذاك الشخص فقط لأنه يعرفني , و لكن صديقنا اختفى لفترة و طال الأسبوع و أصبح اثنين و ثلاث حتى مر شهرٌ كامل لا يرد فيها على اتصالاته و عندما يرد يبدأ في المماطلة , عندما يحدثني صديقي هذا عن أمواله أحاول أن أهدئه حتى لا يتشاجر مع أحمد , و لكنه لا يذكر ذاك لا يقول في ظهري إلا الباطل "
قاطعه صديقه الجالس بقربه على الطاولة و قال: " لقد عمل مع عبد الرحمن قبلاً و لم يقصر معه عبد الرحمن في شيء فكانا يخرجان معاً يوزعان بضاعة على المحلات و كانا يتقاسمان كل الأرباح بالمناصفة رغم أن البضاعة هي بضاعة عبد الرحمن , ثم ماذا ؟ اكتشف عبد الرحمن بأنه ينصب عليه و على أشخاص آخرين , و لكن عبد الرحمن لم يجلس على كل طاولة و أخبر الجميع بالقصة , و إذا ما جئت أنت و قلت أمام الناس حقيقته فلن يصدقك أحدٌ منهم و ستصبح أنت الشخص السيئ الذي يشوه سمعة الناس , رغم أن هو شوه سمعة العديد من الناس ذكوراً بحديثه السيئ عنهم و الإناث بقوله عن كل واحدة يعرفها بأنها معجبة به و بأنها كادت أن تحرق نفسها فقط لكي يتحدث هو معها , ربما هو حقا ضحية و لكنه ليس ضحية أحد , إلا ضحية نفسه "
صمت الصديقان و انهيا المحادثة .
(هناك أشخاص كثيرون يحبون أن يظهروا دائماً في دور الضحية لسبب غير معروف , و يشعرون في داخل نفسهم بأن حياتهم يجب أن تكتب في قصة , ولأني أعرف الكثير منهم فلا أجد هدية أفضل من أن أحقق لهم أمنيتهم )
الخميس، 13 أغسطس 2015
انا و هو
وقفت أمامه و بدأ كلٌ منا في النظر لعيني الأخر , أحسست من نظرته بأنه يعرفني و لمحت في عينيه بريقاُ ليس بغريبٍ علي , حاولت أن أتذكر أين رأيته من قبل , ركزت فيه قبل أن أصاب بصدمة , إنه هو , هي عيناه هي ملامحه , و لكنه تغير كثيراً ترى ما الذي غيره .
يبدو و كأن الدهر قد ترك له ذكريات عديدة ,فقد اعتلى البُؤس وجهه و بات كأرض نفذت منها المياه فأصابها الجفاف , و حتى شفتاه اسودتا بعد أن كان الأحمر هو لونهما قديماً .
مازلت واقفاً أنظر إليه محاولة معرفة سره , و هو كعادته يقف لا يحرك ساكناً , ينظر إلي و أشعر بأنه ينظر لما بداخلي كما أفعل أنا , فقد تسللت إلى ما وراء عينيه , لأنظر و ابحث عن ما أصابه , و لكن لم أجد شيئاً يذكر , لا شيء إلا الظلام الدامس , حاولت أن أقترب من الأشياء لمعرفتها وسط هذا الظلام , وجدت بعض ذكريات الصداقة المكسورة , وجدت ذكرى حب منسي و قد رُمي بعيداً بعيدا , مشاعر و أحاسيس فضل دفنها هناك على أن يصرح بها , صورٌ لأهل و أصدقاء قد رحلوا و بقيت صورهم , طموحات لمستقبل طال انتظارها حتى فُقد الأمل منها, و من بين كل ذاك الظلام صدم عيني نورٌ قادمٌ من بعيد , ذهبت باتجاهه و عندما وصلت وجدت هناك طفلاً صغيراً يجلس وحده , إني أنظر إلى ماضيه , كم كان طفلاً بريئاً و لكن كم غيرته الظروف , كم كان طفلاً بريئاً ولكن ما رآه من الناس و أفعالهم غيره كثيراً , و أي تغيير هذا ؟ ذاك الذي جعلني أنظر لانعكاس صورتي في المرآة و لا أعرفها !!.
19/9/2013
الاثنين، 10 أغسطس 2015
براد الشاهي 3
اعذريني لأنني لم استطع منع عيناي من النظر إليكِ و التأمل فيك , فكيف لأحد أن يستطيع مقاومة النظر لكل هذا الجمال أنتِ حقاً من غنى فيك الصافي " جميلة و ما ريت كيفك جميلة " , نعم لم أرى مثل هذا الجمال قبلاً , شردت عيناي في ابتسامتك و قالت ما استحى الفم عن قوله و كم وددت أن أغني تلك الأغنية لك "جميلة و ماريت كيفك جميلة" و لكن لا أعلم إذا ما كان اسمك ليلى و لكن "ليلة لو باقي ليلة بعمري أبيه الليلة و أسهر في ليلة عيوني و هي ليلة عمر " , نعم ربما لو كان بإمكاني و بيدي لجلست بجانبك ليلة كاملة لا أقول فيها شيئاً إلا أغاني الغزل فيك ف"الليلة دي سيبني اقول و احب فيك" , و كأن كل شعراء الغزل كتبوا ما كتبوه من شعرٍ في وصفك , و ربما لو رآك عنترة لترك عبلة و أحبك أنتِ , و هذا من حظ عبلة , وليس حظها وحدها , فحتى مجنون ليلى لو نظر لابتسامتك لبات مجنونك أنتِ و لو رأى روميو عيناك لباتت جولييت وحيدة , بل حتى لو مررتِ بجانبك العقاد و الحكيم و عباقرة مصر لما سمع أحد عن مي زيادة , كم هن محظوظات تلك النسوة بأنك لم تأتِ في عصرهم و كم أنا محظوظ بأنكِ كنت في تلك السيارة, وكم أود أن أشكر ذاك الذي وقف يصرخ في "الشيل" و جعلني ألتفت و وقعت عيناي عليك , عندما وقعت عيناي على أجمل ما خلق الله , كم رغبت في أن أنزل و أدق على زجاجك ليس طمعاً , في حديثٍ معك و من أنا حتى أطمع في كلمة تخرج من بين شفتيك , و لكن كل ما طمعت فيه هو نظرة منك , لحظة واحدة تلتقي فيها عيناي بعينيك , ترى ماذا ستقولان ؟ , مالكلام الذي سيدور بينهما ؟ , ربما ستقول عيناي "يا بنت السلطان حني على الغلبان " , و أي غلبان ؟ , حقا من يرى هذا الجمال أمامه و على بعد متر واحد عنه و لا يظفر منه حتى بنظرة لهو غلبان , و لكن ماذا ستقول عيناك أنتِ , لعلها ستغني " يا مجنون مش أنا ليلى ولا بنسمة هواك مايلة " .
انتبهت صديقتك لذاك الأبله الموجود في السيارة المجاورة و الذي تركه عقله و ذهب ليركب معك , و سبح في خياله بعيداً مع هذا الجمال و الرقة , فلا عيب فيك , عينان و كأنهما عينا غزال الريم , و مبسم وُضع هناك بدقة , و لو اجتمع بيكاسو و دافنشي و مايكل انجلو لعجزوا عن رسم مثل هذا الفم , ما أسعدني بوقوفنا هنا جنباً بجنب على هذه الإشارة و ما أتعسني بأن الإشارة باتت خضراء و انطلقتِ أنتِ بعيدا و أصبحت أنا "عايش و مش عايش " , و تركتِ بداخلي حسرة كحسرتي على براد الشاهي ذاك .