الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

رسائل مغترب (البداية)

"عزيزي أبي (كيفك إنت ؟) , أعلم بأنها أغنية رومانسية و ليس هذا موضعها , و لكن لم أجد في قاموسي أغنية تخص مغترباً يراسل أهله , قد مر شهرٌ تقريبا على فراقكم , أعلم بأننا كنا على اتصال شبه يومي عن طريق هذا الفايبر , و أنك قد تقول بأن زمن الرسائل المكتوبة قد ولىَّ , ولكن لم أجد إلا هذه الطريقة لأهرس بها .
جلسنا في صالة انتظار مطار أتاتورك ننتظر الطائرة المتجهة إلى مطار إيرجان , و الذي سأتحدث عنه لاحقا , لفت انتباهي هنا بأن كل أرضية الصالة مفروشة بسجاد , و بها حائطان من النوع الذي نعرفه , أما الحائطين الآخرين فهما من الزجاج , مشهد لم أره لا في مطار بنينا المفقود أو الأبرق , قد يقول أحد الفرنجة أو ليبي متفرجن ( ينتمي للفرنجة يعني) بأن هذا الأمر هو من تصميم و جماليات المطار و هو في كل مطارات الدول المتقدمة يستحيل أن نراه في ليبيا , ولكن كلاهما أحمق , فمهندسونا المتفطنين الذين صمموا المطارين عارفون بأجواء بلادنا و مناخها , فتخيل مشهد هذا الزجاج في يوم (قبلي) أو كيف ستكون هذه السجادة في يوم ماطر , سيفسد جمالهما و تتسخ , و سيكون لزاماً على الدولة الليبية أن توظف عمال نظافة يقومون بتنظيفهما يومياً , تخيل كم سيكلف هذا ميزانية الدولة .
خرج صوت من مذياع موضوع في ركن الغرف يقول بأن الطائرة قد تأخرت على موعدها نصف ساعة , و عندها كدت أن أصرخ في وجه أحد العاملين , فكيف يقولون بأن الطيارة ستتأخر لنصف ساعة , أيعقل هذا ؟ أي استهتار عندهم جعلهم يقولون بأن تأجل الرحلة لنصف ساعة هو تأخير , ألم يسمعوا عن مواعدينا؟ , إن شخصاً ليبياً مثلي اعتاد على مواعيد طائراتنا , لن يحتمل أن تتأخر طيارته نصف ساعة فقط , و سينظر له كنوعٍ من الترف , و في الواقع بعد أن فتحوا لنا أبواب الصعود قبل ربع ساعة كاملة من الموعد الجديد خشيت أن أكون حجزت و بالخطأ على مقاعد الدرجة الأولى و العياذ بالله , نعم العياذ بالله , فمقاعد الدرجة الأولى هي في المقدمة و إذا ما وقعت الطائرة ستكون هي أول مقاعد تتلقى الصدمة.
صعدنا للطائرة و جلس بجانب رفيق هذه الرحلة المدعو سالم بدر , و فور إقلاعنا توقعت بأن تنزل شاشات من سقف الطائرة تظهر فيها الطائرة و المسافة و الوقت المتبقيين حتى وصولنا , ولكن ذلك لم يحدث و طوال هذه الرحلة لم يكن هناك شيء يستحق الذكر سوى إني اكتشفت بأن الوجبة التي تتناولها في الطائرة ليست دائماً محسوبة في التذكرة , فبعد أن رسم عقلي توقعات لما قد تكون وجبة على هذه الطائرة (الأوربية) صُدمت بأنك إذا أردت أن تأكل عليك أن تدفع , كم هم ماديون هؤلاء الأجانب .
وصلنا إلى مطار إيرجان و هو مطار صغيرٌ هادئٌ يضاهي في حجمه مطار الأبرق , ولكن حاشى لله بأن يكون مثل الأبرق , فالمنطقة الحر و المقاهي الموجودة في الأبرق ليست في إيرجان هذا الموجود في دولة قبرص , و بالمناسبة يا أبي إذا ما كنت تظن أن قبرص هذه هي تلك التي يتكلم سكانها اللغة اليونانية و يقصدها السياح كل  عام بالألوفات , فاسمح لي بأن أصحح معلومات , افتح الخريطة و ابحث عن جزيرة ضئيلة بالقرب من تركيا و اليونان , هل رأيتها ؟! حسناً , نصف هذه الجزيرة هي قبرص التي تظن و للأسف لست هناك , أما النصف الأخر فيدعى , جمهورية قبرص التركية , أو قبرص الشمالية , و هي جزيرة موجودة في أوربا جغرافياً , عاداتها و تراثها و لغتها تركية .
كان يجب علينا بعد وصولنا أن نأخذ حافلة تقلنا من المطار إلى مدينة (فاماغوستا) مقر إقامتنا الجديد , و عند جلوسي في هذه الحافلة بدأت أغنية ذاك المغني التونسي الشهير بالتي (جاي من الريف للعاصمة) تدور في رأسي , فقد صَوَّر لي عقلي بأن ليبيا موطني هي ريف و أوربا هذه هي العاصمة , و لكن ما أن خرجنا حتى وجدت الريف أمامي , مزارعٌ و أشجارٌ على طول الطريق حتى ظننت بأننا نزلنا في مطار الأبرق , و أن هذه الطريق هي طريق المرج , فالتشابه بينهما كبير , اللهم إلا في شيء واحد , وهو أنهم يسيرون على الجهة اليسرى من الطريق , و سياراتهم ذات مقود على الجهة اليمنى ,(ستيرسو يمين) حقا, و ليس كما نقول في بلادنا , هكذا كانت بدايتي في هذا البلد و هذه بداية الرحلة".