السبت، 23 أبريل 2016

في بنغازي


سألتني تلك الشقراء حفيدة كمال أتاتورك و نحن نجلس في قاعة المحاضرات ننتظر قدوم الدكتورة , قالت لي حدثني عن بنغازي .

" قد مرت أشهر على رؤيتي لبنغازي أخر مرة , و قد شوهتها الحرب في أخر مرة رأيتها , فسأحدثك عن ما رأيته قبل الحرب , في الصباح بنغازي جملية تعانق الحياة و ترقص معها وسط زحام وسط البلاد , و في الليل ترقد بسلام جانب السهارى , في بنغازي رجلٌ كبيرٌ في السن خرج يبحث عن رزقه خلف مقود سيارته , يركب معه شابٌ يقصد الجامعة طلباً للعلم و لشهادة يعمل بها , يتبادلان في الطريق أطراف الحديث و عند الوصول يحلف الشايب للشاب بأن يبقي ثمن الكورسا في جيبه إن لم يكن معه غيره و يحلف الشاب للشايب بأن يأخذ الدينار و النصف فمعه غيرها رغم أنه لا يمتلك إلا ثلاثة دنانير و نصف غيرها , سيشتري لاحقا بدينارٍ قرطاس الأمريكانا و بنصفٍ كوب مكياطة  , و يعود إلى بيته و يشتري بعض الخبز بما تبقى , و الشايب بحاجة الدينار و النصف فمن الصباح لم يجد كورسةً أخرى , لكن في نفوس أهل بنغازي بعض العصرنة , فحتى المحتاج لا يبوح بحاجته , في بنغازي شيبٌ إعتادوا منذ سنواتٍ الجلوس بقهوة لبدة أو بالمقهى الرياضي , يقضون ساعات الصبح بين مقاعدهما , كل الوجوه هناك تعرف بعضها , و من الوجوه فقط تقرأ قصصاً لتاريخٍ قد مر و ولى , في بنغازي شبابٌ وقفوا ليتناولوا فطوراً , و عند الفطور في بنغازي تجد أمامك خياراتٍ ترضى كل الأذوق , فعبد الغفار بتنه و (دحيه) , و حميد بفوله و حرايمه و مشكله , و ال بولفية بمفرومهم , و ملك الفاصوليا إحميدة بفاصوليته الشهيرة , ختم دخولك لبنغازي لا تأخذينه من مطارها بل من أحد هذه المطاعم , و كما يقول المصريون بأن من يشرب من النيل سيعود إليه من جديد , فمن يأكل من هذه المطاعم حتماً سيعود طلباً للمزيد فلن يجد مثل هذا المذاق أبداً , في بنغازي وقت الصباح طلبة جلسوا في مدارسهم ينتظرون إنتهاء دوامهم و أخرون منحوا لنفسهم يوم إجازة يقال لهم معكسين , ينتظرهم عقابٌ شديد صباح اليوم التالي إذا ما إنتبه لهم أحد المدرسين , لكن هكذا أهل بنغازي يحبون خوض المخاطر مدام في الأمر بعض المتعة , في بنغازي وقت الظهيرة يصطف أولياء الأمور أمام المدارس ينتظرون خروج أبنائهم , يقف بعض الشبان أمام إحدى مدارس البنات يسترقون النظر ,بعضهم ينتظر فرصة  ليرمي ورقة بها رقمه و يعود إلى مكانه لينتظر ردة الفعل كصيادٍ القى صنارته و جلس منتظرا خروج سمكة و بعضهم جاء فقط ليراقب أو (يكحل) بمسمانا الشعبي , و أي كان من أطلق هذا المسمى على هذا الفعل فهو رجلٌ بليغ , شبه مراقبة الشاب لفتاة بمن يكحل عينه و يزينها , و في بنات بنغازي توزع جمال الحسناوات الثلاث , في بنغازي وقت الظهيرة لا تشم شيئاً سوى رائحة الطعام الخارجة من كل المطابخ , كل رائحة تحكي لك قصة صاحبة البيت و روعة طبخها , في ما بعد الظهيرة تنام بنغازي بعد أن تناولت وجبة الغداء و شربت بعدها طاسة من الشاهي في عادة بدأت تختفي في بعض المنازل , فبنغازي تدمن شرب الشاهي , تشربه في إفطار عزائزها صباحاً , و بعد غدائها و عشائها , تُقيل بنغازي حتى أذان العصر , تسكن المدينة فلا تسمع فيها شيئاً سوى أصوات بضعة أطفال خرجوا يلعبون الكرة أحيانا و البطش أحياناً , و أحياناً يخرجون في جولة بسيارة يقودها طفلٌ نجح في خطف مفتاح السيارة من جيب والده أثناء نومه , و في أحد الشوارع الخلفية مجموعة مراهقين حصلوا على سبسي واحد فبات يدور بينهم و كانت حينها (تديخنة جو) , بعضهم سيكبر قليلاً و يترك هذا الجو و أخرون سيدمنونه ,  تستيقظ بنغازي شيئاً فشيئا بعد أذان العصر فتبدا جراجات المحلات بالإرتفاع و تعود الحياة بالتدريج إلى المدينة , و تمتلئ الطرق بسيارات الخارجين كلٌ إلى وجهته , شابٌ يحاول اللاحق بتقويته , أخر يسرع ليفتح محله و يسترزق , خلفهما شابٌ ثالث خرج يقصد مقهى يجلس فيه حتى يحل المساء ينظر الأن في سيارة بجانبه بها عائلاتٌ خرجت ربما لزيارة بعض الأقارب و ربما للتسوق و قد تكون خرجت فقط لأنها تريد الخروج , في بنغازي مهما كانت درجة الحرارة فستجد من يجلس على المقاهي بكل أنواعها  , و عندما يحل الليل يكون لبنغازي لونٌ أخر , في بنغازي شوارعٌ تتسع للشباب بإختلاف أنواعهم فهناك البيبسي و دبي و هناك العقيب و أزقة البلاد , و هناك من لا يحب الشارع فيظل في قهوته التي جلس فيها منذ العصر , تتناول بنغازي العشاء من أحد مطاعهما , أحيانا تقرر الجلوس في المطعم و أحيانا تأخذ أكلها و تقصد بيت أحد الأصدقاء أو تخرج للجلوس به على الكورنيش أو عند الكابترانية , هناك تجدين شيخاً يجلس يتأمل سكون البحر و يسبح ربه , و شاعراً يكتب قصائد عن محبوبته و يلقيها على البحر ليأخذ رأيه فيها , و سكرانٌ قادته سكرته إلى هناك فجلس يستمع للصافي عند البحر , و خلف كل هؤلاء متصوفٌ جلس بزاوية الرفاعية يررد بعض المدائح و يعيش في عالمٍ أخر , كل منهم يجلس لوحده , لكنه ليس حقاً لوحده , فبحر بنغازي ينصت لهم , ينصت لتسبيحات الشيخ و كلمات الشاعر , و ترقص أمواجه مع كلمات الصافي و مدائح المتوصف , كذلك يفعل إخريبيش و المنارة , و كل بنغازي , فبنغازي لوحة جمعت كل نقيضٍ في العالم فكان هذا التناقض سر جمالها , لهذا غنى الصافي و قال : تغربت و شفت بلادات إلا هيهات لبنغازي ما لقيت خوات .
هذه هي بنغازي يا بنت تركيا فحدثيني عن مدينة عندكم بهذا الوصف إن كان عندكم مثيلٌ لهذا .

الأربعاء، 13 أبريل 2016

أنا و نزار


هل سكرت البارحة ؟!!
لا , ليس البارحة ,  لماذا أشعر و كأني مكموخ الأن إذا؟! , هل جاء ملاك و سقاني بعض الخمر أثناء نومي ؟ ولماذا سيفعل الملاك ذلك؟ لا لا حتما لم يفعل أي ملاكٍ ذلك ؟ إذا ما سر هذا الشعور الغريب ؟!. انا حتى لم أحلم بها أو أحدثها لأقول بأن الغرام سقاني من الحب كأس أسكرني , لكن أي غرام و أي حب هذا؟!
من أنا؟!
و من هذا الرجل الجالس بجانبي و يحدق بي ؟!
أنا: (صباح الخير يا سيد)
الرجل:( عذراً فصباحي لا يبدأ حتى ألتقى بعيني سيدتي).
أنا ( خف علينا يا نزار يا قباني)
ضحك الرجل الغريب و قال ( لقد عرفتني إذا , رغم أني أعتقد بأنه من غير اللائق أن تحدث رجلاً كبيراً هكذا)
قلت له بنبرة سؤال ( أنت نزار قباني ؟!) فوجدت الرجل يهز رأسه بأن نعم
أنا :(دعني أعرفك بنفسي إذا...)
قاطعني الرجل الذي اتضح بأنه نزار قباني وقال (أنا أعرفك , لقد مررت ببضع تدوينات لك).
عجبا عجبا , نزار قباني يقرأ لي و هو ينظر لي الأن و أن أضع على وجهي ملامح البلاهة .
قطع هو جدار الصمت المبني بيننا وقال ( في الواقع أردت أن أسألك سؤالاً بسيطاً؟)
أشرت له بأن تفضل , فقال (لماذا لم تعد تكتب عن تلك الفتاة)
أنا (أي فتاة؟)
هو( تلك التي كتبت له كلمات الحب)
أجبته (لا توجد فتاة أساساً , تلك الكلمات لم تكن شيئاً سوى عواطف سكير)
قال لي (و هل كنت سكراناً حينها؟)
فأجبته بالنفي , سأل مستغرباً (و كيف تقول بأنه عواطف سكير؟)
قلت له ( منعت نفسي من الخمر فهل أمنع نفسي من عواطفه أيضاً؟)
- ( أنت لا تشرب إذا, لماذا؟!)
-(لأن الخمر حرام)
-( و الدخان حرام لكن مازلت تدخن)
أجبته قائلاً ( لقد قالوا بأن من يذق خمر الدنيا لن يذق خمر الجنة)
-(إذا أنت تطمع في الجنة؟!)
-(طبعاً أليس هذا من حقي؟!)
إستدرك هو الموقف سريعا و قال (لنعد إلى موضوعنا الأساسي يا ولدي قبل أن يطالنا التكفير , إذا تلك الكلمات لم تكن سوى عبثٌ منك ؟ هل تدري كم من أنثى فرحت بكلماتك هذه و ظنت بانك تغازلها سرا؟!)
-(هههههههههههه , عذرا يا سيدي , لكن يبدو بأنك قد أخطأت العنوان فأنا لست من النوع الذي تحلم به الفتيات حتى تفرح إحداهن لظنها بأني معجبٌ بها , أنا من شباب الفريندزون ) .
تعجب الحاج نزار(الفريندزون!!!)
-( نعم من الشباب الذين قد تحلم بهم إحداهن كصديقٍ عادي تلجأ إليه عند حدوث مشكلة بينها و بين محبوبها لعلها تجد عنده حلا و أحيانا يمتد الموضوع فيصبح كأخ , لكن كحبيب !!  بإمكاني أن أكد لك بأني لست من ذاك النوع )
-(وماذا تظن نفسك فاعلٌ بهذا العبث , ألم تعلم بأن قلوب البنات ليست لعبة تتسلى بها؟!)
-(عذرا يا سيدي سأجيبك بإجابة مطولة تحمل شقين , الأول هو من قال بأني أتسلى بقلوب أحد ؟ هل قال أحدٌ بأنك تتلاعب بقلوب السيدات بقصائدك ؟! لا لم يقل أحدٌ ذلك , ستقول بأنك كتبتها لزوجتك بلقيس , سأقول لك بأن ما كتبته هو رسائل مستقبلية لزوجتي التي لم تأتِ بعد , لست مسؤلاً عن من سيظن بأن حديثي له , الشق الثاني من إجابتي هو بأنه إن كنت أنا مذنباً فأنت أيضا مساهم في هذا الذنب فأنت قد ساهمت بشكلٍ كبير في جعلهن يعتقدن بأن كل الرجال مثل نزار يكتبون الكلمات لمحبوباتهم , و نحن لسنا كذلك لذلك لا تلمني  بل لم نفسك أولاً , و سأضيف جواباً أخر و أقول بأن الناس عندما يقرؤون كلاماً عن المشاعر لا يفكرون في ذاك الذي كتب و بماذا شعر عندما كتب , بل يفكرون في أنفسهم , يسقطون هذا الكلام على واقعهم , فإن كان في الكلام معاناة و ألم يفكرون في معانتهم هم و مشاكلهم , و إن كان في الكلام حب و غزل فكلٌ يفكر في محبوبه الحالي أو المنتظر , و يصبح الكاتب مجرد وسيلة حفزت فيهم مشاعر معينة , يصبح الكاتب مجرد وسيلة لا مشاعر لها في نظرهم)
أحسست بدخول تيارٍ بارد من الشباك فنهضت لأغلقه و عدت لمكاني فلم أجد نزار نظرت نحو اليمين و نحو اليسار لم يكن في المكان أبداً , إختفى نزار و حلت مكانه على الكرسي الذي كان يجلس عليه كومة الثياب التي تنتظر منذ أسابيع موعد عودتها إلى الخزانة.
تباً , حتما قد شربت شيئاً في البارحة 

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

و لتحيا دولة الحقراء +18

رمضان - 2015
في مقهى يقع نهاية شارع دبي أكثر شوارع بنغازي حيوية في تلك الفترة , و الذي إستغل الحرب كما إستغلها غيره و إستعاد بريقه الذي بات يخفت في الفترة السابقة للحرب بعد بزوغ نجم شارع فينيسيا , و كأن دبي لم تعد تلائم الليبين و مواصفاتهم فإنتقلوا لأوربا بالتسميات , (أدم) كان إسم ذلك المقهى الذي إمتدت طاولاته أمامه في إنتظار المخاريم القادمين بعد إنتهائهم من وجبات إفطارهم و الذين سيعج بهم المكان و هم يتلقون جرعتهم اليومية من المكياطة , بين تلك الطاولات طاولة جلس عليها ثلاثة مخاريم جرت العادة بأن يكونوا أول المداومين كل يوم , كريم الفقيه , أنس بن غزي و العبد لله , كان انس يسترسل كعادته كل يوم في وصف مائدة إفطارهم قبل أن أستلم أنا من بعده الحديث و أصف ما حشوته في أمعائي بعد يومٍ طويل من الإمتناع عن الأكل , من بعيد جاء (إحميدة) و كل سكان شارع دبي يعرفون إحميدة , الرجل الدرويش الذي يدور في الشوارع على رجليه كل يوم دون أن يشكو يوماً من ألمٍ في قدميه , عرفت إحميدة منذ الصغر بصفته جار بيت جدي , و كانت هذه حالته منذ أن أبصرت ذاك الشارع , جاء و في يده كوب المكياطة , جر كرسياً و جلس بجانبنا , قطع حديث أنس و طلب منا (سبسي) , كان أمامه الإختيار بين الأوريس نعناع , الكاريلا أو المارلبورو الإيطالي , فإختار الأوريس , أشعله و قال بجدية (معمر طلع) , نظر ثلاثتنا نحوه ثم أردف :(و قال من أنتم ) , و إنطلقت منه ضحكة عالية جعلت كل من حولنا ينظر نحونا فلم يكن منا إلا أن ضحكنا , صمت للحظة ثم قال :(حتى الساعدي و صفية طلعوا ) , و أنطلق (إحميدة) بضحكاته حتى بات من المستحيل علينا أن نمنتع عن الضحك ولو للحظة , و بين تلك الضحكات كان (إحميدة) يقول بكلمات متقطعة (و عبد الله السنوسي و سيف و الجماعة كلهم ردوا) .
في ذاك اليوم كنا نضحك على هذه المقولات , و إستمرت هذه الجمل تضحكنا بين الفينة , صباح اليوم إستيقظت على أخبارٍ منتشرة على هذا الفيسبوك تتحدث عن عودة المدعو (الطيب الصافي) إلى ليبيا , و الإستقبال الذي قابله بعض السكان به هناك فتذكرت (إحميدة) و حديثه (الجماعة كلهم ردوا) ,
اللعنة ..
هل علم إحميدة بذلك , نعم إحميدة رجلٌ درويش و لكن متوارثنا الشعبي كان دائماً يتحدث عن أن الدراويش له رؤية بعيدة , و أحياناً يكونن (مرابطين) فهل إحميدة مرابط , أم تراه عرف قبلنا بأنا بلادنا عاهرة ليست إلا , و ثقافة الشارع علمتني بأن العاهرات نوعان ( فلوس و غية ) , واحدة تفعل ما تفعله بحثاً عن المال و طلباً له , و أخرى (غية) تقوم بذلك طلباً للمتعة من رجلٍ تريده هي , فأي أنواع العاهرات بلادي , أم تراها جمعت النوعان , عرفتها تحب صاحب المال و صاحب القوة , من سيجازيها بالمال و من يتحكم بها و يقودها كما يريد وفقاً لرغباته و يعاملها كجارية غنمها في غزوة من الغزوات , و طوال معرفتي بها كانت هي ترحب بالإثنين , و هاهي بالأسبوعين الماضيين فقط تستقبل إثنان من أصحاب الاموال , السراج غرباً و الصافي شرقاً , رغم أنها رحبت كثيراً برجالٍ سبقوهما كانت أفكارهم مختلفة عن هؤلاء فأحبوها حتى ماتوا بحبها , هاهو الصافي اليوم يدخل لينام على سريرها الذي نام عليه قبله رجالٌ ماتزال دمائهم واضحة عليه , لا مشكلة في ذلك عندها طالما أنت من أصحاب المال أو السلطة ,أما إذا ما كنت من (رقادين الريح) فمكانك تحت الأقدام و ربما أسفل من ذلك .
لم أرد يوماً أن أشبه بلادي بفتاة ليل ,لكن هي و ما رأيته منها أجبراني على ذلك , و شعبها الذي رحب بكل أولئك الرجال الذين شاهدوهم يمارسون فيما بدى بأنه مشهد إغتصاب , يقفون الأن مطبلين لمغتصبٍ جديد , ماذا عساهم أن يكونوا ؟! , حسنا ماذا يمكن أن يكون من يسلم إمرأة يعرفها إلى رجلٍ جديدٍ كل يوم و يرسله إلى سريرها مقابل نظيرٍ ما , ماذا عساه أن يكون غير قواد , أليست هذه مهنة القوادين ؟ عجباً !! قالوا بالأمس بأننا بلد الميون حافظ لكنهم نسوا ذكر الخمسة مليون قواد د ,خمسة مليون قواد يعملون لعاهرة واحدة .
صدق ذاك الرجل القائل (فلتحيا دولة الحقراء)
الله يمسيك بالخير يا إحميدة 

الأحد، 10 أبريل 2016

كيف جودي كيف المزرعة.


كالعادة في كل ليلة أخرج لأتمشى قليلاً على قدميِّ , الوجهة مدينة واقعة جنوب المتوسط بلونه الأزرق الجميل تدعى بنغازي , أما مكان الإنطلاق فهو من مدينة في جزيرة في شرق المتوسط أسماها قومها ماقوسا و أسماها المحتل الإنجليزي يوم كان هنا فماقوستا , حرت كثيراً بين الأسماء عند قدومي ولم أعرف لهذا التغيير الذي أجراه الإنجليز سبباً , ألم يعرفوا بأن الأسماء لا تحمل قيمة إلا عند إعتراف الناس بها , جدَّي مثلاً كانت أوراق الحكومة تقول بأن إسمه أحمد , لكن أحداً لم يعترف بهذا الأسم سوى الحكومة فكل من عرفه كان يناديه ب(حمد) لماذا هذا التشبث المستمر حتى اليوم بتغيير أسماء الشوارع و الأحياء عند قدوم حاكمٍ جديد ,نحن من نعطي للأسماء هويتها لا العكس و طالما لا نعترف بالأسماء ستظل مثل قرارات الحكومة الموعودة مجرد حبرٍ على ورق .
و بينما أنا أفكر في هذا اللغز العظيم وجدتني أصدم كتف رجلٍ مسن كان يسير في الإتجاه المعاكس فقال بصوتٍ من إستفاق من شيءٍ مرعباً :" بسم الله " , نظرت إليه و بإرتباكٍ و إحراجٍ شديدين قلت له :" سامحني يا حاج" , فقال :
" أنت اللي سامحني , لم أنتبه لك , غير و الله نخمم."
و بشيء من الفضول و كثيرٍ من النفاق الإجتماعي قلت له :" خيراً إن شاء الله بماذا تخمم؟".
و كأن الحاج لم يصدق سؤالي , وكأنه كان يدور منذ الصباح الباكر بحثاً عن من يسأله هذا السؤال حتى يحكي له و يشكي , خرجت منه تنهيدة طويلة حملت معها هموماً بدت في عمره تقريبا و قال :" هييييه , و الله ماذا أقول لك يا ولدي , فأنا "علي الطلاق"لم أفهم شيئاً في هذه البلاد كنت شاباً في سن المراهقة تقريباً عندما جاء الملازم أول معمر القذافي و أعلن قيامه بثورة أسموها إنقلاباً في ما بعد على نظام الحكم الملكي , و قالوا لنا بأن هذا الملك و حكمه هو حكم إمبريالي رجعي , فخرجنا في الشوارع فرحين بهذا النظام الجديد الذي حل علينا و بهذا الرئيس الذي قال أنه من الشعب , و صرنا نردد قومية و وحدوية , و علمونا بضع مصطلحات صرنا نرددها كل يوم كالإمبريالية هذه مثلٍ , كنا نظنها شيئاً قبيحاً حتى أتى يوم السابع من أبريل في إحدى السنوات و رأيت زملائاً لي يشنقون وسط الجامعة , شبابٌ كانوا من أفضل الناس و قالوا لنا بأنهم أعوانٌ للإمبريالية , و باتت المشانق تنصب يوماً بعد يوم في كل البلاد بطولها و عرضها , شهدنا اياما صرنا فيها نسخاً متشابهة , نرتدي ذات الملابس و ناكل ذات الطعام و كدنا نفكر بذات الطريقة و قالوا لنا بأنها الإشتراكية ثم تغير كل شيء و قالوا بأنها الرأسمالية رغم أني لم أعرف( الرأس من كرعيا ) واتضح بأنه لا فرق بين هذه و تلك (في الحالتين مازلنا رقادين رياح) , قل لي يا ولدي و أنت من جيل العولمة , هل تعرف هذه الأشياء ؟"
لم أرد أن أضع نفسي في موقف المتكلم فأجبته بالنفي لعله يعتقني , لكنه عاد للكلام و قال :
" ثم جائت (التورة المباركة) و قالوا لنا بأن زمن الظلام إنتهى و الأن وقت الحرية وأن زمن (حمد و أحميدة) إنتهى , و عشنا في هذه الحرية (لكن شكلها حرية إستيراد أمريكي غارق) , فهذه الحرية لم تعمر معنا كثيراً فبدل المشانق حلت اللاواصق ,ظهر لحمد و إحميدة أخوان أخران هما (سالم و سلومة), و رحل السابع من أبريل لكن ذكراه باتت تحوم حول باقي الأيام فصرنا كل يوم نسمع عند عمليات إغتيال و قتل بحق أحدهم , حتى معسكر السابع من أبريل و الذي غيروا أسمه مزالت الدماء بركاً حوله , و بدل مؤتمر الشعب العام جاؤوا بالمؤتمر الوطني , و بدل التصعيد جاؤونا و قالوا إذهب لإنتخاب ممثليكم , فذهبنا و غطسنا أصابعنا في أحبار زرقاء و فاز فلان و فلان , ثم فشل هذه المؤتمر فعادوا و قالوا بأن من أنتخبتوهم هم من الأخوان و قد باعوا البلاد و الأن جاء دور مجلس النواب فإذهبوا و صوتوا لهم , يومها أمسكني الحاج عقيلة الكواش صاحب كوشة شارعنا وقال لي (راك تنتخب إخواني) , فقلت له بأنه لا أحد من إخواني رشح نفسه لذلك لم إنتخب إخواني , بل إنتخبت (ولد سيدي) , و جاء مجلس النواب و بدأ عمله فقام الأخوة من المؤتمر وقالوا لا نسلم لكم و صارت عندنا في البلاد حكومتان , إستبشرنا بهذه المجلس خيراً لكن (طلعوا كولاصة كيفهم كيف اللي قبلهم و طلع الإخواني كيفه كيف اللي مش إخواني غير فرق أسماء) و حتى ابن عمي الذي ظننا بأنه يهلك نفسه في العمل , أخبرني أحدهم بأنه في مصر منذ أشهر و قد غاب عن أغلب الجلسات".
فقلت له مازحا :" ياحاج معروفة من أيام المدارس اللي يغيب يديروله إستدعاء ولي أمر".
فرد الشاب متعصبا :" (هذي زمان أيام كانوا عويلة لكن كيف هذوما بعويلهم المفروض عاقلين و عارفين روسهم من كرعيهم , و عيب جغلة كيف هذا يديروله إستدعاء, أول أمس نكلموا في أمه نسألوا عليهم ) فهذا السيد منذ تولى منصبه لم يعد يرد على أحد و قد قالت أمه بأنه مشغول (نعنها شغلتي نا اللي في القاهرة هذي)  , يا أخي حتى في الدين تخيل بأنه في كل يومٍ يظهر لنا شيخٌ بوجهٍ جديد و يقول بأن غيره باطل , في البداية كان أولئك القوم ثم خرج قومٌ أخرون قالوا بأن من قبلهم تكفريون رغم انهم تقريباً متفقون في كل شيء (مش حندوي عليهم أكثر خير ما يكفرني واحد منهم يا وليدي), (وزيدها يا زايد) صباح اليوم توجهت إلى المصرف لأسحب راتبي فقالوا لي (مافيش سيولة يا حاج) , نفس الظروف و نفس الأفكار إختلفت فقط مسمياتهم ,ففي كل الحالات سأعاني انا من نقصٍ في السيولة بينما يجلس السياسي المحترم في فندق بمصر على حسابي أنا , (شن الفرق بالله عليك بين الفاتح و فبراير و بين العلماني و الأخواني ولا بين هذك الشيخ و هذك الشيخ امغير الأسماء؟ كيف حليب جودي و المزرعة زمان , هن الإثنين حليب و هن الإثنين من بقرة غير الفرق في الباكوات , توا بالله عليك شن يفرق شكل الباكو كان الحليب مر و ما ينشرب؟) , لهذا ياولدي سامحني لأني صدمتك فلم أنتبه لك".
قلت له بأني أيضاً كنت أخمم ولم أنتبه , سألني فيما أخمم فأجبته :" في الأسماء يا حاج".
-:" اه !!! أسماء ؟؟؟! لنقنكم إلا جيل تعبان , علي الطلاق جيل يخاف ما يتحشم".

الأحد، 3 أبريل 2016

حياة العكب


دعوتها في هذا اليوم إلى شرب فنجانٍ من القهوة معي , تطلب الأمر مني ساعاتٍ حتى عرفت معنى كلمة (نعزمك) بالإنجليزي أدخلتها مراتٍ على القوقل و حار فيها الشيخ العالم حتى اكتشفت مصادفة بأن (نعزمك) هي النسخة الليبية لفعل (أدعوك) , و أن أدعو شخصاً لشرب القهوة معي هذا شيءٌ نادر الحدوث , فبيني و بين القهوة أسرارٌ كثيرة , بيني و بينها محرابٌ سري لا يجلس فيه سوانا , و إن دعوت أحداً لهذا المحراب فأنا أراه تكريماً مني لهذا الشخص , و رفض الدعوة أو جعل قبولها إحتمالاً كما فعلت هي أراه يحمل بعضاً من الإهانة لقداسة محرابي .
ذهبت أنا إلى محرابي , أقصد إلى المقهى الذي إعتدت الجلوس فيه طلبت كوباً واحداً من القهوة و إنتظرتها , دقيقة .. إثنان.. ثلاثة ... خمسة عشر .. نصف ساعة , أخرجت من حقيبة ظهري كتاباً أقرأه بعد أن قلت بأنها لن تأتي , لكنها قررت القدوم بعد قلبي لثاني صفحة من الكتاب , رحبت بها و جلست أمامي بشعرها الأسود الممتزج بشيءٍ من الأصفر , بقميصٍ كان لونه أزرقاً زرقة البحر , لا أذكر متى بات الازرق أجمل الألوان عندي , طلبت لها كوباً من القهوة و قطعة من كيك الجبنة (تشيز كيك بلغة الفرنجة) , رغم أني لا أفعل ذلك عادة , سألتها عن سبب تأخرها فقالت بأنها كان تكتب عن زهى حديد و تشاهد بعضاً من أعمالها , ثم قالت :

"it's too sad that she died ,isn't it"

تطلب الأمر من مترجم الوافي بعقلي بضع لحظات حتى أدركت بأنها تعبر عن حزنها لوفاة زهى و تسأل إذا ما كنت أشعر بهذا الحزن فقلت لها بأني لا اشعر بذلك الحزن , تعجبت من ذلك و قالت بأن رحيل زهى هو خسارة لكل العالم , قلت لها
:" لماذا تكون خسارة , هي قدمت للعالم مشاريع معمارية جميلة لكنها نالت أموالاً لقاء أتعابها , ألم تسمعي عن أخر مشاريعها التي طلبت مقابله مبلغاً خيالياً , ثم ما نفع أن نضعن مبانٍ جميلة في بضعة أماكن من الأرض بينما يظل باقي الأرض صحراء قاحلة يموت فيها سكانها كل يوم , ثم إنها قالت يوماً بأن الغرب حاربها لكونها عربية و العرب حاربوها لكونها إمراة , أنا عربي ولم أحاربها يوماً, في الواقع قد كنت أقدرها قليلاً قبل سماعي لهذه الجملة , فهي ثارت على كل العادات , أصبحت أول إمرأة تنال إحدى جوائز العمارة , حطمت بعض العادات التي كانت عندنا نحن العرب كونها إمرأة خرجت من مجتمع يؤمن بأن المرأة لا تستطيع تحريك حجرٍ من الأرض , هي ثارت حتى على بعض مباديء العمارة التي تقول بأن العمارة أساساً تعتمد على الوظيفة لا الشكل , و هي قد جائت بعكس هذا , جائت بمشاريع كان الشكل فيها أهم من الوظيفة , لكن في النهاية أنا لم أستفد منها شيئاً كذلك غالبية سكان الأرض لهذا لا أشعر حقاً بالحزن كما يفعل كثيرون اليوم , منهم من لم يعرف من هي زهى قبلاً لكنه رأى بأن العالم يتحدث عن وفاتها فأحس بأنها شخصية هامة , و منهم من ألمته لكونها عربية فقط ".
قالت :" ألا يكفيك كونها مبدعة ؟"
-"هذا العالم مليء بالمبدعين لكن بعضهم لم تتح له الفرصة فقط , من يدري ربما إذا ما أعطينا طفلاً صوماليا فرشاة و ألوان لرسم لوحة أجمل بكثير من بضع التفاهات التي نراها تباع اليوم بملايين الدولارات , و لربما قدم هذا الفتى للعالم فائدة أكبر و أهم , لو أنه نال فقط بضعة عدسات تصويرٍ أمامه , هل سمعتي يوما عن (إحميدة العكب)؟".

سألت بإستغراب :
" who's hmaida alakab, and what's the meaning of alakab".

أدركت بأني قد أوقعت نفسي في فخٍ لم أنبته له ,كيف سأترجم لها معنى العكب , فقلت لها بسرعة حتى أنقذ نفسي بأنه :
"إسم و الأسماء لا تترجم , و العكب هذا جارنا في بنغازي ".

قالت :" أنا أحدثك عن معمارية كبيرة و أنت تحدني عن جاركم ".

قلت لها :" مهلك علي يا حفيدة أتاتورك , فالعكب هذا كان عالماً بل عالماً كبيراً أيضاً , إنه كميائيٌ معروف في حيينا ".

فسألت بلهفة :" جاركم عالم كيمياء ؟ , أي نوع من الكيمياء , هل هي حرارية أم كيمياء علم الكم "

فأجبتها :" هو عالم في كيمياء علم الكيف , عُرف هذا العكب بأفضل أنواع القرابا في بنغازي , و القرابا هي الخمر منزلية الصنع , يشرف عليها بنفسه و لم يشكو أحداً يوماً من قرابته لا حالات تسمم ولا شيء , كما أنه أيضا يبيع طروف الخمسة و العشرة , و لم يقل أحداً بأنه قد إشترى طرفاً مغشوشاً منه , حتى وسط إرتفاع كل الأسعار ظلت أسعار العكب و منتجاته كما هي لم تنقص و لم تزيد ليظهر بذلك مقدار وطنتيه و بأنه غير إستغلالي, و من دخن بفرة لفها العكب بنفسه لن يدخن بعدها بفرة من أحدٍ أبداً , فالعكب فنانٌ في اللف , و على عكس زهى قد إهتم العكب بالوظيفة لا المظهر , فبفرته ذات مفعول سريعٍ سرعة الضوء بل و أسرع ".

سألتني :" و أين هو هذا العكب ؟".

قلت لها بصوتٍ حزين :" لقد مات العكب بعد أن إنفجرت إحدى أنابيب الغاز في بيته بينما كان يعد قرابته , مات بينما كان يؤدي وظيفته في تحضير مهدئات للشعب و قد ضُم لقائمة شهداء الواجب الذين ماتوا أثناء تأدية أداورهم في المجتمع , مات و خلف ورائه سمعة طيبة في كل الحي بل و ان سمعته في المدينة لأنظف من سمعة السياسيين فيها , و مزال السكارى و المزاطيل يترحمون عليه في كل يوم بعد أن حُرموا من مهدئاته و إضطروا لأخذ البضاعة المغشوشة ".

سألتني:" و كيف تعرف كل هذا عن العكب , هل سبق و جربت شيئاً من عنده".

قلت لها بسرعة :"إذكروا محاسن موتاكم , و لنغير الموضوع بسرعة قبل أن أصير أنا أيضاً في عداد الموتى  من قبل الرقابة".

النهاية

ملاحظة : لو قرأت هذه الكلمات و انت من الرقابة فهذا الحوار وهمي بكل مافيه من الفتاة للعكب وكل ماذكر فيه عارٍ عن الصحة أما إذا كنت من من حُرموا من خدمات العكب فراسلني على الخاص حتى أعطيك أرقام موزعين معتمدين لما تبقى من منتجات العكب و من تعلموا الصنعة على يده.

السبت، 2 أبريل 2016

ضوء اخضر



*تحذير , لأصحاب العقول المسوسة هذه التهريسة قد تكون +18 لذلك وجب التنبيه


يوم السبت , منذ صغري كرهت هذا اليوم كرهاً لم أحمله لأي يومٍ أخر , قديماً كان السبت يعني عندي عودتي للمدرسة و لطابور الصباح و لتلك الوجوه الكئيبة التي قيل بأنها لطلبة و مدرسين , ثم صار السبت عطلة فبات أسرع يومٍ يمضى , لم يتعلم هذا اليوم من أخيه الأكبر منه جمعة كيف تكون العطل , و الأن هو أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع , حين تصبح هذه المدينة القاطنة لجزيرة في المتوسط تدعى قبرص , تصبح كراقصة تعمل في ليالي نهاية الأسبوع , تقضي كل أيام الأسبوع كفتاة محتشمة تسير من بيتها للجامعة و من الجامعة للبيت , تنقلب حياتها تماما في نهاية الأسبوع فتظل ساهرة لساعاتٍ متأخرة من الليل تجالس السكارى في الملاهي الليلية , تصحو ظهر السبت مكموخة من أثار شرب الفودكا ليلة البارحة , و بينما صحيت أنا و في رأسي نقصٌ في سيولة الكافيين فحضرت لنفسي كوباً من القهوة صرت أعده كل يومٍ كروتينٍ ممل أقوم به .
على الفيسبوك ظهرت علامة خضراء بجانب إسم صديقٍ لن أذكره حتى لا تكون هذه نميمة أو تشهير ضطت على زر الإتصال , إنتظار , رنين , المزيد من الإنظار ثم :"ألو" جاء صوته بنبرة تدل على أنه قد صحى من نومه للتو , سأل عني و عن حالي فأجبته بأني قد مررت بأسبوعٍ ممل مزال يرفض أن ينتهي , فقال لي بأن هذا الأسبوع قد كان مليئاً بالأحداث , سألته "لماذا مالذي حدث؟!" فقال :" بأن زهى حديد قد ماتت؟!"
لم أكن أتوقع أن يعرف صديقي هذا زهى حديد و لكن مالذي جعل وفاتها شيئاً مهما بالنسبة له , سألته و من تكون زهى حديد حتى يكون خبر وفاتها حدثاً كبيراً في أسبوعي , هنا تركته يتحدث و بدأت أفكر في أن مالذي جعل وفاة زهى حديد شيئاً مميزاً , كل يومٍ يموت مئات المبدعون الذين لم تتح لهم فرصة ليظهروا إبداعهم , ثم مالذي قدمته هي لي حتى يكون رحيلها حدثاً بالنسبة لي , بالأمس إنتقلت إحدى جارتنا من العمارة المقابلة, رفقة إبنتها طالبة الثانوية , حزنت على رحيل هذه الفتاة أكثر من رحيل زهى , فقد حُرمت من مساءٍ جميلٍ في كل يومٍ تخرج فيه هذه الفتاة لنشر غسيلهم في الشرفة المقابلة بينما كنت أجلس في شرفتنا مدعياً بأني أقرأ .
أعادني للمحادثة صوت صديقي الذي قال :" ألو ألو" , طمنته بأني مازلت معه على الخط فقال :
" وفيه حاجة أخرى (إنقطاعٌ في الصوت) خش".
قلت له :" شن اللي خش ؟!"
فأجاب :" السراج السراج خش لطرابلس".
شعرت بأني قد سمعت هذا الإسم قبلاً , ثم تذكرت بأنه رئيس الوزراء الجديد ذاك فقلت له :
" طرابلس ياما خشلها شن الجديد يعني , مالذي سيكون مميزاً في دخول السراج لطرابلس ؟!"
فأجاب :" تي كيف يا راجل , بإذن الله سيهدأ حال البلاد الأن و و و و"
فقلت له :" بس هو ما خشش كله "
رد علي بصوتٍ فيه بعض الشك :" كيف؟!"
قلت له :" هو لم يدخل بكامله , هو دخل طرابلس فقط , و دخول طرابلس ليس له ذاك التأثير , دخول طرابلس فيه فقط بعض المتعة كما دخول طبرق , الدخول الحقيقي هو دخول بنغازي , كل من أراد أن يحكم ليبيا أتاها من بنغازي , و من بنغازي وُلد كل شيءٍ حدث في ليبيا , ثم إنه لم يدخل بعصاه , و حتى يأتِ بتلك العصا سيظل كأنه لم يدخل ".
سألني صاحبي عن أي عصا أتحدث فأجبت :" عصاه السحرية , كل علاقة فعالة بليبيا تستلزم وجود عصا فالسادية الليبية , أقصد السيادة الليبية تتطلب وجود عصا , أنظر لقراتسياني و عصا المارشلات التي كان يحملها ,إدريس السنوسي كان يملك عصا يتكأ عليها و قد تغنى الشعب بها , القذافي إمتلك عصاً هو الأخر , كذلك عبد الجليل حمل عصاه في بداية الثورة , لكنها فُقدت في ظروفٍ غامضة بعد دخول سرت ".
تعجبت من صمت صاحبي هذا فقلت فنادتيه ولم يجب , إنقطعت المكالمة و إختفت العلامة الخضراء تلك فعرفت بأن الخط قد قُطع , و قلت عجباً مر على دخول السراج يومان و مزال الإنترنت ينقطع في ليبيا.