الاثنين، 6 أبريل 2015

ناموسة


كان صوت عقارب الساعة يخرج عالياً مخترقاً سكون الغرفة مع كل ثانية تمر , لم يُداعب النومُ عينيه فتقلب في سريره كثيراً , ثم اكتفى بالنظر إلى السقف متأملاً تشققاتهُ التي رسمتها الرطوبة مُشكلة رسوماً كرسومات مايكل أنجلو على سقف الكنيسة الشهيرة .
و عندما غلبه الملل قام و أخذ معه علبة (الأمريكانا) مُتجهاً إلى بلكونته ليدخن , و فور خروجه استقبله حر يوليو استقبال المشتاق , وقف متأملاً السكون الذي انتهكت حرمته أصوات المكيفات الطاردة لهذا الحر خلف الأسوار و مفكراً فيما يحدث خلف هذه الجدران.
وسط هذا التأمل أحس بوخزةٍ بسيطة في ذراعه نظر ليجد ناموسة استقرت عليها و قد بدأت في اخذ بعض من دمه لتقات عليه همَ بهز ذراعه ليجعلها ترحل و لكن سرعان ما غير رأيه ثم خاطبها قائلاً:- " خُذي ما تريدين فعلى الأقل أنتي تأخذين ما تحتاجينه فقط , لستي كرافع صاحب البقالة و الذي كلما سمع عن زيادة في المرتبات قام هو بزيادة أسعار السلعة متحججاً بجملته الشهيرة "عليا اليمين مش مني جملتها رقت" , أو لستي كذلك الرجل الذي أردت أن أستر على ابنته و لم يستر هو على ما لدي من قريشات  , و قام بشفطها و سحبها مرة بالمهر و مرات بمتطلبات الزواج , و جعلني غارقاً بين ديون و قرض من المصرف يُشفط من راتبي البسيط , إذا اعتبرناه راتباً ".
قطع كلامه صوت فتح باب فنظر باتجاه المصدر ليجد رجلاً يخرج من بيت جاره أنس المهندس النفطي الذي يعمل في إحدى الحقول و الذي رحل عن بنغازي بالأمس متجهاً إلى البريقة ملتحقاً بعمله تاركاً زوجته بالبيت, ظن أنه أخوها و لكنه تساءل و ما الذي يخرج أخاها في هذا الوقت, ثم تذكر بأن لا أخ لها فأخوها الوحيد فُقد بين رمال بن جواد في الثورة , وقف مراقباً لذاك الغريب حتى وصل لسيارته (الأوبل كورسا ) , فتذكر بأنه رآها أكثر من مرة تقف في ذات المكان و كلها كانت في غياب أنس و وجوده في البريقة , فعرف حقيقة الأمر عرف بأنه يأتي لزوجة أنس في غيابه لتفتح له زوجته أبواب البيت و أبواب جسدها .
- " مسكينٌ أنس دفن نفسه بين جبال رمال البريقة الساخنة ليوفر لها لقمة العيش , و لتدفن هي نفسها بين أحضان رجلٍ أخر , أيعقل بأن تكون هذه هي (أمل) التي لم يرها أحدٌ من الجيران دون نقابها؟ , أيعقل أن يكون تحت لباس الطهارة جسدٌ عارٍ يتلذذ به أحدٌ غير زوجها ؟"
نظر باحثاً عن تلك الناموسة فوجدها استقرت على الحائط بعد أن أصابتها التخمة و ارتوت بدمه و قال :-
" رائعة أنتي فليس فيك طمع البشر و لا خداعهم فأنتي صريحة يعرف الكل بأنك تأتين للشرب من دمنا و لكنك تأخذين ما يكفيك و ترحلين".
ثم دخل ليعيد محاولة النوم و يحاول أن يبعد عن رأسه كل ما حدث في هذه الليلة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق