الأحد، 24 مايو 2015

الراحلة




... استيقظ ذاك الصباح و بداخله حزنٌ و همٌ كبيرين بدأ يجول بعينيه في المكان باحثاً عنها ,
و لكنها لم تكن هنا , أو إنها لم تعد تسكن هنا , فقد رحلت و تركت بداخله جرحٌ يصعب مداواته , رحلت و أخذت معها كل شيء و لم يكن ما أخذته مادي , لا بل أخذت الفرحة و البهجة منه و من كل المكان.
جلس يحاول أن يستعيد شريط ذكرياتهما معا فهنا لعبا و هنا نام ليلة بين أحضانها الدافئة, و هناك جلسا معاً و علت أصوات ضحكاتهم و بين أصوات الذكريات , انسابت دمعة ساخنة من عينه و تدحرجت على خده ثم سقطت عن وجهه باتجاه يده الموضوعة على الطاولة , ثم لحقتها أخريات , لم يحاول مسحها أو منعها بل تركها تتابع سقوطها لعلها تخفف عنه وحدته , لعلها تكون أنيسة له بعد أن رحلت أنيسة حياته .
قرر الخروج و الذهاب إليها ليشكو إليها همه و ما أصابه من بعدها , و في طريقه إلى مسكنها الجديد بدأ شريط الذكريات في الدوران مجدداً  و غاص هو بين بحار الذكريات حتى أنه لم يدرك بأنه وصل إلى هناك فليس هو من كان يقود في الطريق لا , بل هو الحنين و الإشتياق.
وصل إلى هناك و جلس و بدأ يناشد لعله يجد من يجيب :" كم اشتقت إليك و إلى حضنك الدافئ , و كم كان غيابك مؤثراً فأنتِ الشمس التي أضاءت لي حياتي و أنت القمر في الليالي المظلمة , و بدونك لا شمس لا و لا عندي قمر, أعلم بأني لن أجد من يحل مكانك, و من ذا التي تفعل , من التي في حنان صدرك و دفئ حضنك, أنتِ تلك الغيمة الماطرة في حياتي و , و بدونك لا مطر فيها , بدونك باتت حياتي صحراء ميتة, بدونك لا حياة في حياتي,
أذكر حسنك و جمالك فأنتِ من استحى القمر من جمالها, و انحنت أزهار البستان خجلاً من عطرها,يا ذات الحضن الدافئ ما أقسى الدنيا في غيابك , و ما أمرها , لما رحلتِ و تركتينِ لما؟ ... إنهار في وسط المكان وتساقطت قطرات الدمع من عينيه و أخذ يكرر مراراً وبصوتٍ يملؤه الحزن "لما؟" و لكن أحداً لم يرد و لا حياة لمن كان ينادي .
تماسك قليلاً و نهض فقال: " أردت أن أتي إليك لأحدثك عن أحوالي , رحمك الله يا أمي "
بدأ في المشي خارجاً تثقله الهموم تاركاً خلفه قبر أمه الراحلة .


رحم الله جميع أمهاتنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق