الأحد، 26 يونيو 2016

البس لبستك

حدثونا في مدارسنا قديماً عن الغزو الثقافي كثيراً , نبهونا إلى الفكر القادم من الغرب لكنهم أبداً لم يحدثونا عن الغزو الثقافي القادم من شرقنا , ليس خفياً على أحد إنتشار أزياء تقليدية لشعوبٍ أخرى بين كل فئات المجتمع من شبابٍ و شيب ,و  تتلخص فكرة إنتشار هذه الملابس ببساطة يرجع لثلاثة أسباب ألا و هي :

1- إرتباط هذه الملابس بمجموعات ذات خلفية إسلامية  , ربما من يتذكر بنغازي قبل سنوات سيتذكر معها صوراً لأشخاصٍ يرتدون الزي الأفغاني , حيث إرتبط هذا الزي بمن كانوا يحاربون الإتحاد السوفييتي في أفغانستان سبعينات القرن الماضي , ثم إنتشر هذا الزي و إتخذته الجماعات المقاتلة بعد ذلك كلباسٍ لها إسوة "بقادة الجهاد" .
على الطرف الأخرى نرى إنتشار الجلابيب السعودية عند أصحاب الفكر السلفي إسوة بدعاة السلفية و من باب إتباع الصالحين و تقليدهم , لكن الأمر الذي خفي على هؤلاء هو أنهم يقلدون تقليد العمي , فمشائخ السلفية الكبار قد إتخذوا من هذه الجلابيب لباساً لهم لأنها ملابسهم التقليدية و لأن هذا ما لبسه أبائهم و أجدادهم من قبلهم , و لم يرد في أي نص ديني بأن هذه الملابس كانت هي ملابس المسلمون الأوائل .

2- من منظورٍ مرتبط بالمنظور الأول من الممكن أن نستنج سبباً ثانيا لإنتشار هذه الثياب , لكن هذه المرة سيكون مرتبطاً بعامة الناس , للتوضيح أكثر اقصد أي مسجدٍ كان يوم الجمعة وقت الصلاة , سترى أفراداً من كل الفئات العمرية ترتدي الأثواب الخليجية بإختلاف أنواعها من إمارتي إلى سعوديٍ و عماني , و قد اتخذ هؤلاء من هذه الثياب ملابس خاصة بيوم الجمعة تطور الأمر بعد ذلك لتصبح هذه الملابس الغريبة علينا ملابساً للأعياد أيضاً حتى إذا ما زرت محلاً يبيع هذا النوع من الثياب ستجد أكواماً من البشر تتدافع لتشتريه و تترك الزي الليبي التقليدي -و الذي أراه في نظري ذو جمالٍ و هيبة أكثر - , تتركه على جنب دون حتى النظر إليه , سبب تدافع هؤلاء هو رؤيتهم للثوب الخليجي كثوبٍ مرتبط بدافعٍ دينيٍّ أيضاً من باب تقليد مشائخ أرض الحرم و لكنه تقليدٌ أعمى أيضاً فبالإضافة إلى تناسي هؤلاء بأن هذا الزي هو الزي التقليدي للمشائخ إياهم فقد وصل هذا التقليد إلى إرتداء ثياب نومٍ سعودية و الخروج بها في الشارع و الذهاب إلى صلاة الجمعة بها .

3- أخيراً و ليس أخراً إنتشرت هذه الملابس بين الشباب كنوعٍ من الأناقة و كعلامة على الغنى و الثراء , تعدى الأمر هنا إرتداء الثوب فقط بل وصل أيضاً إلى إرتداء العقال و الشماخ و التصوير بها .
و من وجهة نظري أرى بأن هذه الظاهرة هي الأخطر لأن في ذلك تقليدٌ ينم عن جهلٍ و تخلفٍ و يُظهر عقدة نقصٍ كبيرة لأنه تقليدٌ راجعٌ إلى سببٍ سطحي تماماً و قد يظن أحد هؤلاء بأن الناس تنظر إلى لباسه هذا بنظرة إعجاب , لكنهم يجهلون بأن فئة كبيرة من الناس تنظر لهم نظرة إحتقارٍ و استهزاء , و مثل هؤلاء كمثل الطائر الذي أعجبته مشية الحمام فحاول تقليدها ثم فشل في ذلك و نسي مشيته , فصار يقفز قفزاً , و أقول لهم ما قاله مغني راب ليبي ذات مرة  :" البس لبستك , امشي مشيتك , شكلك شين لما حاولت تكون غيرك ".

ختاماً أود القول بأن السبب وراء حديثي حول هذا الموضوع , هو ما شعرت به من أسى و أسف عندما رأيت الزي الليبي يضيع بين هذه الأزياء المستحدثة و التي لا تمت لنا بصلة أبداً , خصوصاًَ أن وراء الزي الليبي تاريخ و حضارة أكبر و أقدم من تلك الأزياء , ثم لا ننسى بأن التمسك بما تركه الأوائل من موروث ثقافي كان سبباً في تقدم من تلاهم , و لنا في شعب اليابان خير مثالٍ على ذللك , فرغم تقدم هذا الشعب و تطوره مزال محافظاً على كل مواريثه الثقافية إبتداءً من زيه التقليدي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق