الثلاثاء، 17 مارس 2015

الوطن


وقف في منتصف الفصل مخاطباً تلاميذه و مقتبساً من شِعر أمير الشعراء أحمد شوقي فقال : "وطني لو شُغَلتُ بالخُلدِ عنه ------ لنازعتني في الخُلدِ إليه نفسي"
تردد صوت الأستاذ في أذني ذاك الطالب الجالس في أخر الفصل مسنداً رأسه إلى النافذة متأملاً أشجار المدرسة الطويلة و الشارع الممتد خلف سورها تحت أشعة الشمس الهابطة عليها من السماء مفكراً في بيت الشعر .
"نعم لابد أن تنازعني نفسي للوطن فهنا كل شيء جميل هنا المحبة و الألفة و المودة هنا كل ما أتمنى و هنا كل ما أريد , حقاً ما أجمل هذا الوطن ".
مضى هذا الطالب و مضى به العمر و في كل مرة يفكر بالوطن يتذكر هذا البيت فيزداد حباً فوق حُبه لوطنه .
و بعد سنين ليست بالكثيرة اندلعت الثورة و الحرب في هذا الوطن حتى خرج مشاركاً في كل مظاهرة خرجت مشاركاً في كل تلك الحملات الخيرية مساعداً لكل من يحتاج المساعدة مرددا "بأنه إن لم ننهض لنساعد الوطن على النهوض فلا عيش لنا فيه".
أحس بانتمائه لهذا الوطن و عشقه لترابه و أحس بأن ولادة الوطن الذي يحلم به قد اقتربت .
و بعد أربع سنوات من الثورة جلس في ذات المقهى الذي بات من رواده منذ شهرين , شهران كاملان لم يغب فيهما عنه .
جلس واضعا كوب القهوة أمامه ممسكا بسيجارته متأملاً المارة ذهاباً و إياباً
سحب من السيجارة أول الأنفاس ثم نظر للأشجار السامحة لبعضٍ من أشعة شمس الغروب للمرور بين أغصانها فتذكر قول أستاذه و تذكر الوطن .
خاطب نفسه مفكراً فقال : " أين الوطن و ما هو الوطن ؟ أهو حيث وُلدت و كبرتُ؟
أم هو حيث الذكريات و الأهل و الأصدقاء ؟.
و إذا كان كذلك فأنا في الوطن إذا , و لكني لا أرى في هذا الوطن ما تنازعني إليه نفسي , ألا يجب أن يكون في الوطن مستقبل ؟ ألا يجب أن يكون مشاعر و أحاسيس؟ وليس لي كلاهما هنا , فالمستقبل مُظلمٌ و كل ما لدي من إحساس هو الإحساس بأني في منفى  , و هل يكون الوطن منفى ؟! "
قاطع تفكيره صوت صديقه سائلاً إياه :" فيما سرحت؟.
فردَ : "سرحتُ أبحث عن وطني".
فقال : " و هل وجدته؟".
فنظر إلى السماء و قال : " نعم , وطني حيث لا يمكن أن تُشير إليه بإصبعك و لا أن تراه بعينيك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق