الجمعة، 20 مارس 2015

الملام

                                         


في ليلة مُمطرة مُظلمة كانت الكهرباء فيها مقطوعة و القمر أيضاً اختبأ خلف الغيوم , وقف لينظر باتجاه السماء خلف زجاج نافذته الذي صدَ عنه قطرات المطر الهاجرة لغيوم السماء الباحثة عن مَسكنِ جديدٍ لها في الأرض , لعلها تكون شيئاً أخر غداً , نظر إلى القمر وقال:
"حتى أنت هجرتني يا رفيق وحدتي ,لقد كان وجودك ما يصبرني على غيابها فحتى إن لم أرها و لن أراها أبداً و لكن وجودك كان يشعرني بوجودها ,فأنا و هي ننظر لك  و أنت ما تجمعنا بعد أن باعدتنا المسافات .
و لكن هل تنظر هي فعلا لك ؟ هل تراها يا صديقي ؟ و هل تقف وحدها أم تشاهدك رفقة حبيبٍ أخر و هذا ما جعلك تختبئ خلف السُحِب خجلاً مني ؟".
دار قليلاً في غرفته ثم جلس على الأرض وسط كل ذاك الظلام , توقفت الأمطار فعم السكون كل المكان و لكن , كم كان ضجيج تفكيره صاخباً ," و هل مازلت تُحبها هي أو غيرها ؟ أو مازلت تريد أنثى بعد كل ما ذُقت من غدرهن ؟ بعد كل ما رأيته منهن ؟.
و ما ذنبي إن خُلقت بقلب ؟ لا ليس ذنبك بل ذنبهن , فدائماً ما صورن أنفسهن على أنهن ذاك الكائن الآدمي الشكل الملائكي الطابع و لكن سرعان ما اكتشفتُ بأن  الطابع شيطاني , فيستحيل بأن تكون تلك الأفعال أفعال ملاك بل و حتى بشر بل هي أفعال وحش.
ألم تسمع بقصة السيدات أولاً ؟ ألم تتفق تلك الأنثى مع حبيبها على الانتحار وعندما انتحر هو تركتها ميتاً خلفها و ذهبت و تزوجت رجلاً غيره ؟
فكم من أنثى تلاعبت بعقول و قلوب شباب و أخذت تسخر منهم رفقة صديقاتها فالمُحب إذا أحب خُدِر و إذا خُدِر تصرف دونما وعي و فعل أفعالاً غبية , وهي جلست هنا على عرشها تشاهدهم و تسخر منهم , تحاول أن تبقيهم على نفس المسافة منها حتى لا يشعر أحدهم بأنها تميل لغيره فيذهب و يتركها و تخسر دمية من دُماها.
و كم من أنثى نصبت شِباك الحب أفخاخاً تصطاد بها الشباب فإن وقع فيها أحدهم بدأت تتلاعب به و بغيره و لكنها , تثق بي ".
ضحك ساخراً من نفسه و قوله و قال :" و ما أدراك بذلك ؟ أتعرف كم مِن شخصٍ غيرك تناديه حبيبي ؟ أتعلم كم مِن مرة فدت بها رجلاً بعينيها ؟ ألم تكن رجلاً معها و عاملتها بإحسان ؟ و مالنتيجة ؟ غدرت بك و هجرتك بعد أن أسرت قلبك و تركتك جسداً بلا روح بعد أن أهديتها روحك , فهي أفعى لا تعرف حبيباً أو قريب و لكنها تزرع سُم أنيابها في الجميع .
ألا تعرف بأنها أنثى تُخلص لذاك الرج الذي يتغزل بها كثيرا حتى و إن كانت تعلم بأن هذا الغزل يُقال لعشرةٍ غيرها ؟ فهي لا تُحب من يتركها حرة و لكن تُحب من يربطها بقيودٍ و يجرها بسلسلةٍ مغلولة إلى عُنقها ".
نظر إلى القمر يأمل أن يظهر كما كان يأمل عودتها لأشهرٍ و لكنه لم يكن هناك .
عاد لتفكيره فقال :" و رغم ذلك سترتبط بأنثى و لكن ,ليس حُباً فيها , لكن كذكر العنكبوت الذي لو فكر في مصير قرينه الذي قتلته أنثى بعد التزاوج و رفض أن ينال نفس المصير لإنتهت سلالته , و ستكون أنت ذاك العنكبوت الذي لا يُريد الأنثى لكونها أنثى و لكن , ليحافظ على نسله".
 
يقول عباس العقاد :
" خـل الملام فليس يثنيها 
حب الخداع طبيعة فيها
هو سرها وطلاء زينتها
وطبيعة في النفس تحييها
وسلاحها فيمـا تكيد بـه
من يصطفيها أو يعاديها
وهو انتقام الضعف ينفذها
من طول ذل بات يشقيها
انت الملوم اذا اردت لها
مالم يرده قضاء باريهـا
خنها ولا تخلص لها ابدا
تخلص إلى اغلى غواليها"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق