الخميس، 2 يوليو 2015

مرشد سياحي 7

عزيزي السائح المخدوع الزائر لبلادنا في هذا اليوم يجب علي من ناحية المصداقية أن أحدثك عن مشاكل بلادنا و عيوبها بعد أن حدثتك عن ميزاتها بالأيام الماضية , و بكل صراحة لا أعرف عما أتحدث فكل شيء هنا يسير على ما يرام .فقطاع الصحة يشهد تقدما و تطورا كما سبق و أشرت إليكم في جولة سياحية سابقة , أما قطاع التعليم فهو قطاع عظيم بحق , فالطفل يدخل للمدرسة بعمر الست سنوات لا يفقه في الدنيا شيء و لا يعرف حتى كيف يفك الخط , و يدرس ست سنوات إبتدائية و ثلاثة إعدادية ثم ثلاثة ثانوية , و يصبح "نابغتون عظيمتون" و له أن يقرر بعد ذلك في أي مجال يريد التخصص فإذا كان من أصحاب النفس الطويل و البال الهانئ فهو طبيب , و على ذكر الطب فهنا كل من يرتدي (البالطو الأبيض) هو دكتور , حتى فني الأشعة يسمى دكتوراً .أما إذا كان هذا الطالب النجيب من محبي الإبداع و الابتكار و أصحاب الأحلام  فهو من أهل الهندسة و هكذا مع باقي الكليات إلا الاقتصاد  فهي الأم الحنون التي تأوي كل من ناله الفشل من باقي الكليات , و هي كلية غريبة بصراحة فهي الكلية الوحيدة التي ما أن تدخلها صباحاً حتى تداعب أنفك رائحة الشاورما المنتشرة في أرجاء الكلية , و سوف تقابل في طريقك بعض الكائنات و التي تبدوا و كأنها إناث و لكنها وحوش تظهر طبيعتها عندما تصل إليها رائحة هذه الشاورما فتجدهن يقفن بالطوابير ليأخذن (نص شاورما دجاج) في الساعة الثامنة صباحاً ( شن شكل بطونهن مش عارف) , و في هذه الكلية ظاهرة طبيعية غريبة و هي طابور العرض , هي ظاهرة تكون أمام الكافتيريا , فيصطف الشبان أمام الباب عن اليمين عن الشمال و تبدأ البنات في السير وسطهم كل على حسبت خطوتها و خفتها و رشاقتها , في منظر مشابهة للعديد من الحيوانات في موسم التزاوج .نترك قطاع التعليم و نتجه لقطاع أخر و هو قطاع البيئة يا بيئة ,  فنحن أناس محافظون على البيئة محترمون لها عاطفون على ما فيها , فإذا تجولت عزيزي السائح في شوارع المدينة ستجد أكوام من النفايات تسد الشوارع و أحيانا بعض الأكياس البلاستيكية و أكواباً ورقية , و قد تظن بأن ذلك إهمال و تلويث , و لكنك مرة أخرى تسرع في الحكم و تسيء الظن , فما فهمك أنت في هذه الأشياء (و شن فهم الحمير في ضرب الكلاكس) , فهذا الشيء يا أستاذي الميستر الأجنبي هو فن جديد من أنواع الفنون لا تجده إلا في بلادنا و هو الفن (الكنايسي) على وزن السريالي .أما عن عمل جهاز البيئة هنا فهو على خير ما يرام يعملون في شهر ثم يمنعون عنهم مرتباتهم في شهر أخر فيضربون عن العمل و تُضرب أكياس القمامة السوداء عن ترك شوارعنا فتتكدس و تتكدس حتى يأخذ هؤلاء العاملون رواتبهم , و هكذا تواليك .في هذا اليوم مثلا خرجت في نهار رمضان أبحث عن مكان أضع فيه أكياس القمامة التي تكدست منذ بداية رمضان فيبدوا أن العمال صائمون لا يريدون العمل , و جلت و درت في شوارع بنغازي أبحث عن برميل واحد أرمي فيه قمامتي , ولم أجد فالبراميل عندنا نادرة الوجود و اذا ما وجدتها فستراها كحواجز في نقاط أمنية (و لو كنت راجل أنزل اعزق كناستك فيها ) .سأل أحد السواح المزعجين المثرثرين الذين يريدون معرفة كل شيء :" و لكن ماذا تفعلون في هذه الحالات هل لديكم خطط بديلة ؟"فأجبت :" يا أيها السائح يبدو أنك لم تعرف بلدنا بعد فنحن نمتلك خطط لا تعرفونها فنحن هنا لدينا جهاز الكاوة , و هي قطعة خالية من الارض ذات مساحة كبيرة نوعا ما , و هي الحل البديل لهذه المشكلة , و من صفاتها بأنه تكتسي بلون التراب البني أحياناً و بلون الأكياس الأسود أحياناً أخرى .و من الأكياس السوداء ننتقل إلى الذهب الأسود و الطاقة , و هو متوثر في بلادنا بكثرة حتى لو أنك صورت بلادنا من الأعلى بكاميرا تكشف ما في باطن الأرض لظهر لك اللون الأسود (باين علينا في عملنا ) .قام ذات السائح المزعج بأسئلته المزعجة فقال :" و لما نشاهد طوابير على محطات الوقود ؟" .فأجبت :" إنه بسبب الفراغ الذي نعانيه فكل شيء لدينا متاح و لا مشاكل لنا فقررنا أن نفتعل أزمات و هذه الأزمات تتبدل بشكل دوري فعندنا أسبوع أزمة الوقود ثم أسبوع أزمة الكهرباء يليه أسبوع أزمة الخبز و أخيرا أسبوع أزمة الغاز و القمامة , و هكذا , و الطوابير عندنا متحضرة و متقدمة فمثلاُ يحق للمرأة أن تنزل من سيارتها و تجتاز كل الطابور لتصل لأوله و تأخذ ما تريده ثم تخرج , فبلادنا هي جنة لمن يريد العيش فيها ( و يا ليبيا يا جنة ) , و نحن كذلك نمتلك ثروة بشرية و حيوانية و مائية و نباتية أو كنا نمتلك ذلك فنبتة السيلفيوم لم تكن إلا في ليبيا و لكنها اختفت كذلك نتملك حيوان الودان المهدد بالانقراض و لكننا ننفرد بنوع خاص من الدواب لا تملكونها و هم الحمنسان , و هي الفصيلة الأولية للحمير , فهذا الحمنسان يمشي على اثنتين و يرتدي الملابس و لا يقوم بشيء الا التحدث و لكنه تطور لاحقا فتجرد من ملابسه و صار يمشي على اربعة و امتنع عن الكلام و اكتفى بالعمل الشاق فقط .و أخيراً نصل لقطاع المال و الاقتصاد و هو  أمر متروك لرؤساء الأموال المعروفين في بلادنا (حفظهم الله و أدام عليهم نعمته) .و هنا ايها الأخوة الفرنجة من بلاد ما وراء البحر نصل لختام جولتنا السياحية و التي ما هي إلا سخرية من واقعنا المؤلم و الذي للأسف تجاوز القرن الحالي و عاد بنا إلى الخلف إلى العصر الذي تحدث عنه الأستاذ محمود السعدني في (حمار من الشرق) إلى العصر الحميري , و لكن ذلك لا ينفي بأنه هناك بصيص من الأمل تراه في ابتسامة طفل يلعب في الشارع وسط الحرب , وسط الدمار .                                                                                        النهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق