الجمعة، 6 مايو 2016

مرسال لحبيبتي (2)


 بضعة صحون نسيت إخراجها للمطبخ ملابس متسخة و أخرى نظيفة , وردة ذابلة على الأرض هذه معالم غرفتي التي أجلس فيها , لم أستطع منع نفسي كالعادة من التفكير فيها , مايزال لساني يريد البوح لها بتلك الكلمة و لم أعرف هل يجب علي قولها؟! و إذا كان هذا واجبا فكيف عساني أقولها؟! ولأني لا أستطيع التعبير عن نفسي إلا بالكتابة , وجدتني أكتب لها رسالة أخرى
عزيزتي بنغازي و من غيرك عزيزتي .
اعذرينِ عن قساوة رسالتي الأخيرة و لكن لم يكن بيدي حيلة, مشاعري و أحساسي قد كانت مبعثرة كالأشياء الموجودة في الغرفة الأن , أشتاق لك كثيراً و يا ليتك تعلمين هذا , أشتاق لك كإشتياق شارب الخمر الذي قد شعبن و إمتنع عن الشرب , كإشتياق مدخنٍ لسبسي الفطور في رمضان , أشتاق لك كإشتياق المرسكاوي للصافي و كإشتياق مواطن فيك لراتبه ,لكنني كنت أنكر فالشوق عندي ضعف , و لم أرد أن أضعف , حاولت نسيانك لكني لم أستطع , كيف لي أن أنساك و فيك كل ذكرياتي حلوها و مرها , كيف أنساك و فيك أهلٌ و صحبٌ أشتاق لأيامهم , كيف لمن جلس و شاهد زرقة بحرك عند الشابي لحظة غروب تلونت فيها سمائك بالأحمر , كيف لمن شاهد هذه اللوحة بأن ينساك ؟!, كيف لمن اشتم رائحة سبخك الممتزجة بعطر وردك البلدي زهري اللون أن ينساك ؟! , كيف لمن سار بين أحياء التي مر عليها الترك و الطليان و الإنجليز و رحلوا أن ينساك , كل المدن تمر علي مثل مرروهم و ترحل مثل رحيلهم و وحدك أنت الباقية دائما و أبداً في ذاكرتي , تبقين بسكونك و صخبك , بأفراحك و أحزانك , بشيبك و شبابك , أقول مرة أخرى بأنك لوحة جمعت كل التناقضات فكان هذا سر جمالها , سرٌ لن يفهمه أحد إلا من عاش فيك , و جمالٌ ألهم أبنائك فخرج منهم مبدعين في كل المجالات , منهم رسامين كالزواوي , اعبيدة , فتحي العريبي و عبد القادر بدر  خلفهم الوكواك ينحت تماثيله , في غرفة جانبهم جلس كتابٌ و أدباءٌ ألهمتيهم فخرجت منهم كلمات داعبت الأوراق كلهم يحكون عنكِ , فرفيقٌ يكتب أشعاره عنك , و يحكي الفاخري قصصك و كذلك يفعل الأصفر , بينما يجلس النيهوم على أعلى منارتك يتأمل فلسفتك , و على جدرانك يا حلوتي أشعارٌ و قصائد غناها الصافي و بونقطة و من قبلهم كان الشعالية و محمد صدقي, و فيها سيمفونية عزفها فكرون على قيثارته , ثم أذعاتها بناتك الحميدتان العنيزي و بن عامر و خديجة الجهمي , بين أزقتك الضيقة حكايات لأطفال لعبوا الكرة هناك يوماً كالعس و ونيس , كمونة و معتز , و حتى اليوم ما يزال هذا السر ملهماً لأبنائك , و ستظلين تخرجين المبدعين يوماً بعد يوم , أرى فيك مالكاً* يحمل لواء الرسامين يسير معه بن غزي* بقلمٍ و مفكرة يكتب فيها كلاماً يلقيه بعدها من شباكه على بحر جليانة الذي يحتضن سالماً* و هو يسبح , يراقبهم من أعلى من توفيقٌ و سامي و سلوى و غيرهم مِن من رواك بدمه .
ستظلين دوماً ملهمتهم و سيظلون دوما أبنائك , و سأظل أنا أحمل الشوق بداخلي على أمل أن ألقاك قريباً .

*مالك الحداد: رسام شاب من بنغازي
*أنس بن غزي: صاحب مدونة شباك
*سالم بدر : بطل ليبيا في السباحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق