الأحد، 29 مايو 2016

مرشد سياحي 8 (الدلاعة)


اشتهيت في هذا اليوم بينما كنت عائداً إلى المنزل أكل الدلاع, أو ما يسمى بلسان العرب بالبطيخ , مررت على السوق الخارق أو السوبر ماركت , اتجهت رأسا إلى قسم الخضروات و الفواكه , أمسكت بواحدة , وضعتها بجانب أذني و بدأت في "الطبطبة" عليها , سمعت صوتاً ينادي قائلا :"أهمد"
نظرت إلى الدلاعة متفحصاً إياها باحثاً عن مصدر الصوت لكنه لم يكن منها , نظرت خلفي فوجدت تلك التركية الشقراء التي سألتني عن بنغازي يوماً , وقفت أمامي و قالت
:Why you are
#$@!@ ^&#%##@*(&&% *^$@! $%@# ?
حاول دماغي بسرعة ترجمة ما قالته فكانت النتيجة:" لماذا تصفع الماء مالون كأنك تصفع مؤخرة طفلٍ صغير ؟  ...." الماء مالون !! ,
ماذا بحق الجحيم تكون هذه الكلمة , تطلب الأمر مني نصف دقيقة لأستنتج  أنها تتحدث عن البطيخة التي على كتفي , فأجبتها بأني أفعل ذلك حتى أعرف إذا ما كانت جيدة أم لا , سألت بفضولٍ يشابه فضول أهل درنة الشهير "و كيف تعرف ذلك ؟" .
صاح صوتٌ بداخلي قائلا اللعنة !! أنا حقاً لا أعلم , أنا فقط أقوم بها كجزء من العادات , هل أكذب عليها ؟, انتبهت إلى أن صمتي قد طال قليلاً , نظرت نحوها بسرعة و قلت لها
:" ضعي أذنك عليها "
صفعت الدلاعة و قلت :" هل سمعتي هذا الصوت ؟" .
هزت رأسها قائلةً نعم , فأكملت قائلاً : هذا يعني بأنها جيدة ؟" . و لسببٍ مجهول أذهلها هذا , فسألتني بلهفة :" أين تعلمت هذا ؟" .
قلت لها بأنه جزءٌ من عاداتنا . قالت لي :" هلا حدثتني قليلاً عن عاداتكم ؟".
ضحكت قليلاً و قلت لها :" الأمر معقد و هي كثيرة لا أعلم سرها كلها , مثلا لدينا عادة بأن نضم يدنا إلى صدرنا بعد مصافحة أحدهم , و لا أعلم سر هذا الشيء المتعب أحياناً , فمثلا في بعض المناسبات يكون الرجال صفاً يجب عليك أن تمري عليه و تسلمي عليهم فرداً فردا و تخيلي أن تسلمي على عشر رجالٍ مثلاً و تضمين يدك إلى صدرك بعد كل مصافحة , أحيانا أشعر بأني شيعيٌ في يوم عاشوراء أثناء قيامي بذلك , و على ذكر المناسبات , لدينا معتقدٌ غريب عند كبار السن بأن كل شابٍ يتمنى الزواج , و عندما تقابلين أحدهم أثناء عُرسٍ ما , لن تسمعي شيئاً منهم سوى "عقبالك" و هو دعاء بأن يكون زواجك قريباً , و أحياناً تلحق بجملة "نفرحوا بيك" , كان هناك عجوزٌ طاعنة في السن تقول ذات الجملة عندما تقابلني :" عقبالك تفرح بوك و أمك ان شاء الله " , ذات مرة التقيت بها في عزاءٍ فتمنيت لو أستطيع أن أقول لها :" عقبالك تفرحي زوجات أبنائك ان شاء الله ". و في تقاليدنا أيضاً , أن إندلاق القهوة يعني وجود مبلغٍ مالي في الطريق لصاحب القهوة و أن الحذاء المقلوب يعني قرب سفر صاحبه , و هناك أيضاً بضع أمثلة تقال دوماً رغم أني لا أفهمها فمثلاً هناك (شارعين و دردوحة) و يتم إستعمال هذه الجملة لوصف مدينةٍ أو دولةٍ صغيرة الحجم , و منذ أن أبصرت هذه الدنيا و الناس تستعمل هذه الجملة لوصف مكانين في العادة , درنة و مالطا , و الدرودحة في قاموس مختار المذراح تعني الطربق المنحدر من أسفل إلى أعلى و يقال للجزء العلوي منها , علوة , و قد ذكر ابن بطبوطة في كتابه أن أشهر العلوات في بنغازي علوة سيدي حسين التي و تقول الغيطة الشهيرة:" سيدي حسين امية حلوة , تدردح من فوق العلوة " و سيدي حسين هي منطقة شعبية سميت نسبة لوالٍ صالح قطن بنغازي قبل قرون , أما الغيطة فهي لونٌ من ألوان الفن الشعبي المنتشرة في بنغازي في المناسبات و الأفراح , و على ذكر الفن الشعبي في الأفراح فهناك أيضاً شيء يدعى الكشك .." قاطعتني بوقاحة الفرنجة و قالت
: what’s kshk ?
أردت أن أقول لها و هل فهمتي معنى الغيطة حتى تسألي عن الكشك لكني لم أفعل فقلت لها في محاولة لترجمة الكلمة :" كشكي-جنق " متبعاً قاعدة إضافة الإي إن جي لأي فعل بالإنجليزي , و أكملت شرحي لها عن الكشك فقلت :" يجتمع مجموعة من الرجال يلقي عليهم أحدهم أهزوجة فيبدؤون بترديدها مصحوبة بتصفيقٍ يشكل إيقاعاً موسيقياً , يتخلل هذا عرض فني من فنانة استعراضية نطلق عليها لقب هجالة , و ينتشر هذا الفن في الجزء الشرقي من البلاد و عند أهل البادية و نحن نتطير من عدة أشياء و نعتقد بأنها نذير شؤوم و تجلب سوء الحظ , في المعتقد الشعبي أن صوت المقص يجلب الأشياء السيئة لذلك نهانا أهلنا عن اللعب بالمقص , كذلك يعتبر صوت طرق معالق الأكل ببعضها البعض .. ".
-"مهلا , أنتم تستعملون ملاعق الأكل ؟, ألا تأكلون بأيديكم كما في الأفلام ؟"
اللعنة على هوليوود التي أفسدت كل شيء ,قلت لها :" كلا , هؤلاء السعودييون و لسنا مثلهم , نعرف الملاعق ولا نعيش في الصحراء و لا نمتطي الجمال كما في الأفلام كوسيلة مواصلات "
مرت بقربنا حينها عائلة ليبية مكونة من أبٍ و أمٍ و ابنتهما , و ما أن رآني الأب حتى عرف بحدسه الليبي بأن من يقف أمامه أيضاً ليبي فما كان منه إلا أن أعطاني نظرة تقول لي :" لو راجل بحت في بنتي", لم أهتم بهم بل عاودت الحديث مع الفتاة و قلت لها : من عاداتنا أيضاً أن نكون (نقصيين) و أن نتخذ وضعية دفاعية عند وجود أي ليبيٍ في الجوار و خصوصاً إذا كان شاباً و كانت بصحبتنا فتاة أو امرأة و الأن فلنخرج بسرعة حتى لا أصادف هذه العائلة مرة أخرى في ممرٍ أخر فيظن الوالد بأني ألحقهم لا سامح الله".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق