الأربعاء، 20 يناير 2016

على الرصيف 2

دخل ذاك الموظف لمقر عمله و الذي ظهر أنه مكتب حجوزات طيران , و بعد قليل وقفت سيارة فخمة أمام المكتب , ثم ارتجل منها شابان بملابس غريبة على الموضة المنتشرة هذه الأيام و كذلك بستريحات شعرٍ أغرب أحدهما ابن أحد رؤوس الأموال المعروفة في البلاد و و المعروف أيضاً طريقة حصوله على ماله , أما الأخر فهو صديق منتفع , نظرا إلى ذاك الجالس على الأرض بنظرة استحقار و تعالي , ثم دخلا إلى المكتب و هما يتحدثان عن ليلة البارحة التي كان الخمر جليسهم فيها , و بعدها بقليل خرجا و في حوزتهما تذاكر سفر و قبل أن يركبا السيارة قال أحدهما للأخر متحدثاً عن الشخص الجالس :" لن يصلح حال البلاد مدام أمثال هذا هنا , يجلس يستول كي يؤمن حشيش ليله ", تضايق الرجل مما سمع و قال :" و أمثالي لن يختفوا مدام أمثالك يعبثون بكل فلسٍ في البلد ".
عدل ذاك الشاب عن قراره في ركوب السيارة و اتجه نحو الشخص قائلاً :" و ما أجلسك هنا ؟" .
فأجاب :" لا عمل و لا دراسة ".
فسأله ذاك الشاب و هو يمرر يده على خصلاتٍ من شعره نزلت على عينه :" و لما لا تخرج إلى دولة أخرى ؟"
فردً :" طبعا بالنسبة لك الأمر في غاية السهولة لا يلزمك إلا تأشيرة و سيتكفل والدك بالباقي , و لكن على عكس والدك قرر والدي أن يختار الطريقة الصعبة في الحياة , اختار العيش في الطبقة المتوسطة مرتاح البال حول أن قرشه الذي تحته هو حقاً له , على أن يكون من أصحاب الأموال و الثروات الهائلة التي ربما سيبيت كل ليلة يفكر فيما إذا كان استحق هذه الأموال , و عن نفسي راضٍ بأن أرث منه ضغط الدم و السكر و أنا أعرف بأنها نصيبي , على أن أرث منه أموالاً هي ليست لي ".
صمت ذاك الشاب قليلاً ثم قال :" أنتم الفقراء هكذا تنظرون لكل شخصٍ ناجح و تحسدونه بل و تجعلونه سارقاً".
انطلق صوت ضحك الرجل ثم قال:" أنتم الأغنياء كثر مالكم حتى ضاق نظركم و فهمكم , إن النجاح ليس بالمال بل بسمعة و إنجاز , ثم إن أعظم الناجحين بل و أعظم شخصيات الكون لم تكن إلا فقيرة , فالمال لا يصنع شيء و لكن الفقر و المعاناة يصنع كل, من الأحياء الفقيرة خرجت عقولٌ غيرت مجرى التاريخ , فيكفينا نحن الفقراء شرفاً بأن الأنبياء كانوا مثلنا فقراء , عذرا فالمرء لا يُحسد على ماله بل يُحسد على خلقٍ يعيش به و عقلٍ يُفكر به ".
أجاب ذاك الشاب بغضبٍ  فقال :" ليس هذا ما نتحدث عنه , و لكن أكبر دليل على أنك لا تفعل شيئاً سوى الجلوس و حسد الناس , هو تركك لعديد الفرص في هذه البلاد , مثلاً صديقي هذا تقدم لبعثة طيران على حساب الدولة" .
قاطعه سريعاً فقال :" أراهنك على أن صديقك لا يريد مجال الطيران و كل همه و كل ما جعله يتقدم لهذه البعثة هو أنها على حساب الدولة".
أُحرج ذاك الشاب و احمر وجهه خجلا و لم يعرف بما يجيب , فعاد الرجل و تابع حديثه , فقال :"  هكذا أنتم لا ترون في هذه البلاد سوى أنها خزنة أهلكم المليئة بالأموال و التي تنظرون كل فرصة لتأخذوا منها ما تيسر"
رد ذاك الشاب :" كلا هذه بلادي و التي اشتقت لها في الغربة , اشتقت لشوارعها و ريحها "
عاد ذاك الرجل و في صوته ملل من هذه المحادثة :" أكاد أقسم بأنك لا تعرف شوارعها ولا أزقتها , فقط تدعون بأنكم منها , هل تعرف الصادق النيهوم أو الكوني ,هل جلست و استمعت للصافي أو حتى امعيلف , هل تعرف شيئا عن شارع الشريف و المهدوي  , هل تعرف كيف تتعشى أو تتغدى فيها بدينارين فقط , و لأجيبك عن موضوع البعثة فسأقول بأنها تحتاج لأكتافٍ و ظهر و للأسف ليس خالٌ في المؤتمر أو عمٌ في البرلمان , ستقول بأن الأمر لا يحتاج لشيء سأجيب بأنه لن تعرف قيمة العامود الفقري في هذه البلاد حتى تجلس مشلولاً و ها أنا ذا جالس ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق