الجمعة، 8 يناير 2016

اخريبيش و الأسمر.

في قاعة المطار, جلس عبد السلام الأسمر متكئاً على أحد الكراسي , واضعاً رأسه بين كفيه و قد ارتسمت شفتاه وتلونت بلون الحزن , كانت الكآبة تُشع من وجهه العابس و قد انسحب الأمل من عينيه , و بينما هو كذلك سمع أحدهم يقف بجانبه و يناديه باسمه , نظر الأسمر باتجاه صاحب الصوت فإذ به يجد اخريبيش واقفاً ينظر إليه , سأله عن سبب وجوده هنا فأجاب الأسمر بصوتٍ حزين :" مرحبا بابن عمي اخريبيش , قد مرت قرونٌ على لقائنا الأخير , كيف حالك و أين اختفيت ؟ .... أنا قد خرجت من زليطن منذ بضعة أيامٍ بغية الترفيه عن نفسي وجئت إلى هنا , و أنت مالذي أتى بك إلى هنا ؟! ".

تنهد اخربيش ثم عدَّل جرده و جلس فقال :" قصتي طويلة يا ابن العم , فقد اندلعت الحرب في منطقتي و باتت القذائف و الصواريخ تُمطر علينا في كل يوم , فلملمت بضعة أشياء من بيتي و قررت الخروج هرباً من هذه القذائف المجنونة , ظننت بأنها مجرد أيام و سأعود أتنشق نسيم البحر في كل صباح من عند المنارة , ولكن هذه الأيام طالت و طالت يا ابن العم , كنت أمضي أياماً عند حسين ثم أنتقل لخليفة , ثم لم أعد أحتمل , أصبحت أصحو في كل صباحٍ و بداخلي ألمٌ و حزنٌ على ما أراه و على حال مدينتي و أهلها , ليس هؤلاء أهلي الذين عشت بينهم عقود , ما عدُت أعرفهم يا ابن العم حتى أني تُهت بينهم , فقررت الذهاب للبيضاء حتى أقيم بضعة أيام عند سيدي رافع , و ما أن وصلت حتى وجدت ناساً واقفين أمام منزله مطالبين بهدمه و تدميره مُتحججين بأن هناك قومٌ يقومون بأعمال شِركية عنده عُدت إلى بنغازي .... أنا عُدت و لكن هي لم تعد , مضت الأيام و باتت متشابهة لا تختلف عن بعضها , حتى جئت إلى هنا , لم تختلف الأمور كثيراً عن هناك حاولت زيارة الأندلسي و لكن لم أجده , مررت عليه أكثر من مرة و في كل مرة كانوا يقولون بأنه قد خرج للتو , عندها ضاقت بي الأحوال و قررت أخيراً أنا أقوم باستخراج أوراقي الرسمية حتى أذهب لمصر لعلي أجد عملاً بين ضريح الحسين أو عند المُرسي أبو العباس ,  و أنت مالذي أتى بك إلى هنا ؟!".


نظر الأسمر للسقف ولكن عيناه كانت تنظر لما أبعد من ذلك , ربما كانت تتخيل ما ممر به , تكلم فقال لسانه :" إني ذاهب إلى تونس فقد تم استهداف منزلي منذ أشهر و بالأمس القريب استيقظت على صوت انفجار , أشلاء ... موتى ..... و أنهار دم في كل المكان , شاهدت الفوضى في المستشفيات و الحزن قد غيم على المدينة و لم أحتمل ذلك , لم أحتمل رؤية الخصومة بين أحفادي و أحفادك و هم يعايرون أنفسهم بالموت , كُلٌ  مُنهم يلوم الأخر بأنه لم يساوله في موتاه كالنساء , أنا حقاً تألمت لكل أولئك الموتى سواء كانوا في زليطن أو في بنغازي أو في القبة , كلهم أبنائي و أحفادي , لكن لم أعد أعرف مالذي أصابهم , أتراه مرضٌ أو ابتلاء , قل لي يا اخريبيش هل تعرف ماذا أصابهم ؟!."

حزن اخريبيش و لم يعرف كيف يجيب أو ماذا تراه يقول فاكتفى بالقول بأنه أسفٌ على ما حدث في زليطن و بأنه لم يسمع عن ذلك نظراً لظروفه و مشاكله , ثم نظر كلٌ منهم للأخر و بداخلهما حزنٌ و ألم , ثم قال اخريبيش :" انظر يا عبد السلام , أليس هذا عُمر المختار ؟"

نظر عبد السلام ثم قال :" نعم إنه هو , يبدو بأنه قد قرر الهجرة هو الاخر".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق