الأحد، 10 أبريل 2016

كيف جودي كيف المزرعة.


كالعادة في كل ليلة أخرج لأتمشى قليلاً على قدميِّ , الوجهة مدينة واقعة جنوب المتوسط بلونه الأزرق الجميل تدعى بنغازي , أما مكان الإنطلاق فهو من مدينة في جزيرة في شرق المتوسط أسماها قومها ماقوسا و أسماها المحتل الإنجليزي يوم كان هنا فماقوستا , حرت كثيراً بين الأسماء عند قدومي ولم أعرف لهذا التغيير الذي أجراه الإنجليز سبباً , ألم يعرفوا بأن الأسماء لا تحمل قيمة إلا عند إعتراف الناس بها , جدَّي مثلاً كانت أوراق الحكومة تقول بأن إسمه أحمد , لكن أحداً لم يعترف بهذا الأسم سوى الحكومة فكل من عرفه كان يناديه ب(حمد) لماذا هذا التشبث المستمر حتى اليوم بتغيير أسماء الشوارع و الأحياء عند قدوم حاكمٍ جديد ,نحن من نعطي للأسماء هويتها لا العكس و طالما لا نعترف بالأسماء ستظل مثل قرارات الحكومة الموعودة مجرد حبرٍ على ورق .
و بينما أنا أفكر في هذا اللغز العظيم وجدتني أصدم كتف رجلٍ مسن كان يسير في الإتجاه المعاكس فقال بصوتٍ من إستفاق من شيءٍ مرعباً :" بسم الله " , نظرت إليه و بإرتباكٍ و إحراجٍ شديدين قلت له :" سامحني يا حاج" , فقال :
" أنت اللي سامحني , لم أنتبه لك , غير و الله نخمم."
و بشيء من الفضول و كثيرٍ من النفاق الإجتماعي قلت له :" خيراً إن شاء الله بماذا تخمم؟".
و كأن الحاج لم يصدق سؤالي , وكأنه كان يدور منذ الصباح الباكر بحثاً عن من يسأله هذا السؤال حتى يحكي له و يشكي , خرجت منه تنهيدة طويلة حملت معها هموماً بدت في عمره تقريبا و قال :" هييييه , و الله ماذا أقول لك يا ولدي , فأنا "علي الطلاق"لم أفهم شيئاً في هذه البلاد كنت شاباً في سن المراهقة تقريباً عندما جاء الملازم أول معمر القذافي و أعلن قيامه بثورة أسموها إنقلاباً في ما بعد على نظام الحكم الملكي , و قالوا لنا بأن هذا الملك و حكمه هو حكم إمبريالي رجعي , فخرجنا في الشوارع فرحين بهذا النظام الجديد الذي حل علينا و بهذا الرئيس الذي قال أنه من الشعب , و صرنا نردد قومية و وحدوية , و علمونا بضع مصطلحات صرنا نرددها كل يوم كالإمبريالية هذه مثلٍ , كنا نظنها شيئاً قبيحاً حتى أتى يوم السابع من أبريل في إحدى السنوات و رأيت زملائاً لي يشنقون وسط الجامعة , شبابٌ كانوا من أفضل الناس و قالوا لنا بأنهم أعوانٌ للإمبريالية , و باتت المشانق تنصب يوماً بعد يوم في كل البلاد بطولها و عرضها , شهدنا اياما صرنا فيها نسخاً متشابهة , نرتدي ذات الملابس و ناكل ذات الطعام و كدنا نفكر بذات الطريقة و قالوا لنا بأنها الإشتراكية ثم تغير كل شيء و قالوا بأنها الرأسمالية رغم أني لم أعرف( الرأس من كرعيا ) واتضح بأنه لا فرق بين هذه و تلك (في الحالتين مازلنا رقادين رياح) , قل لي يا ولدي و أنت من جيل العولمة , هل تعرف هذه الأشياء ؟"
لم أرد أن أضع نفسي في موقف المتكلم فأجبته بالنفي لعله يعتقني , لكنه عاد للكلام و قال :
" ثم جائت (التورة المباركة) و قالوا لنا بأن زمن الظلام إنتهى و الأن وقت الحرية وأن زمن (حمد و أحميدة) إنتهى , و عشنا في هذه الحرية (لكن شكلها حرية إستيراد أمريكي غارق) , فهذه الحرية لم تعمر معنا كثيراً فبدل المشانق حلت اللاواصق ,ظهر لحمد و إحميدة أخوان أخران هما (سالم و سلومة), و رحل السابع من أبريل لكن ذكراه باتت تحوم حول باقي الأيام فصرنا كل يوم نسمع عند عمليات إغتيال و قتل بحق أحدهم , حتى معسكر السابع من أبريل و الذي غيروا أسمه مزالت الدماء بركاً حوله , و بدل مؤتمر الشعب العام جاؤوا بالمؤتمر الوطني , و بدل التصعيد جاؤونا و قالوا إذهب لإنتخاب ممثليكم , فذهبنا و غطسنا أصابعنا في أحبار زرقاء و فاز فلان و فلان , ثم فشل هذه المؤتمر فعادوا و قالوا بأن من أنتخبتوهم هم من الأخوان و قد باعوا البلاد و الأن جاء دور مجلس النواب فإذهبوا و صوتوا لهم , يومها أمسكني الحاج عقيلة الكواش صاحب كوشة شارعنا وقال لي (راك تنتخب إخواني) , فقلت له بأنه لا أحد من إخواني رشح نفسه لذلك لم إنتخب إخواني , بل إنتخبت (ولد سيدي) , و جاء مجلس النواب و بدأ عمله فقام الأخوة من المؤتمر وقالوا لا نسلم لكم و صارت عندنا في البلاد حكومتان , إستبشرنا بهذه المجلس خيراً لكن (طلعوا كولاصة كيفهم كيف اللي قبلهم و طلع الإخواني كيفه كيف اللي مش إخواني غير فرق أسماء) و حتى ابن عمي الذي ظننا بأنه يهلك نفسه في العمل , أخبرني أحدهم بأنه في مصر منذ أشهر و قد غاب عن أغلب الجلسات".
فقلت له مازحا :" ياحاج معروفة من أيام المدارس اللي يغيب يديروله إستدعاء ولي أمر".
فرد الشاب متعصبا :" (هذي زمان أيام كانوا عويلة لكن كيف هذوما بعويلهم المفروض عاقلين و عارفين روسهم من كرعيهم , و عيب جغلة كيف هذا يديروله إستدعاء, أول أمس نكلموا في أمه نسألوا عليهم ) فهذا السيد منذ تولى منصبه لم يعد يرد على أحد و قد قالت أمه بأنه مشغول (نعنها شغلتي نا اللي في القاهرة هذي)  , يا أخي حتى في الدين تخيل بأنه في كل يومٍ يظهر لنا شيخٌ بوجهٍ جديد و يقول بأن غيره باطل , في البداية كان أولئك القوم ثم خرج قومٌ أخرون قالوا بأن من قبلهم تكفريون رغم انهم تقريباً متفقون في كل شيء (مش حندوي عليهم أكثر خير ما يكفرني واحد منهم يا وليدي), (وزيدها يا زايد) صباح اليوم توجهت إلى المصرف لأسحب راتبي فقالوا لي (مافيش سيولة يا حاج) , نفس الظروف و نفس الأفكار إختلفت فقط مسمياتهم ,ففي كل الحالات سأعاني انا من نقصٍ في السيولة بينما يجلس السياسي المحترم في فندق بمصر على حسابي أنا , (شن الفرق بالله عليك بين الفاتح و فبراير و بين العلماني و الأخواني ولا بين هذك الشيخ و هذك الشيخ امغير الأسماء؟ كيف حليب جودي و المزرعة زمان , هن الإثنين حليب و هن الإثنين من بقرة غير الفرق في الباكوات , توا بالله عليك شن يفرق شكل الباكو كان الحليب مر و ما ينشرب؟) , لهذا ياولدي سامحني لأني صدمتك فلم أنتبه لك".
قلت له بأني أيضاً كنت أخمم ولم أنتبه , سألني فيما أخمم فأجبته :" في الأسماء يا حاج".
-:" اه !!! أسماء ؟؟؟! لنقنكم إلا جيل تعبان , علي الطلاق جيل يخاف ما يتحشم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق