الثلاثاء، 16 فبراير 2016

جاك دانيل

أمامي جهاز حاسوب محمول يُعرف باسم لابتوب , على يسار كوب زجاجي به شراب  درجة لونه بين الأحمر و الدمي صُنع في مصنع شخص اسمه جاك و لقبه دانيل , أخذت رشفة منه ثم الثانية , بدأ الأشياء تصبح أجمل أمامي , نسيت كل شيء كان يُتعبني , نظرت إلى تاريخ اليوم فوجدت بأننا في فبراير .. اييه يا فبراير , أنا أذكر وجود حدثٍ ما في هذا الشهر , حسناً هناك عدة أشياء , عيد الحب , عودة دوري أبطال أوربا , قرة العنز , هناك شيء ناقص , عصرت دماغي كما عُصر العنب لصنع هذا الشراب الذي بجانبي , على ذكر الشراب دعني أخذ رشفة أخرى منه ... حسناً مالذي حدث في هذا الشهر ؟ .... نعم إنها ثورة السابع عشر من فبراير , الله الله يا ثورة , لأول مرة أكون خارج البلاد في مثل هذه الذكرى , ترى لو كنت هناك هل سأخرج للإحتفال ؟... دعني أقول بأني هناك ماذا سأفعل .... رشفة أخرى من الكوب الذي بجانبي.

أنا الآن في بنغازي سيارات و ناس في كل مكان , بعضهم يرفع علما مبتهجاً و البعض يسب و يلعن في سره كل هؤلاء الذين تسببوا في تعطليه عن مشواره , حل الظلام فجاءت أضواء السيارات و المحلات , مياه على الأرض نتيجة لأمطار سابقة هذا اليوم , و أنا أمشي في هذا الشارع مقسوم الأحاسيس بين الأسى و الفرح , من بعد رآني رجلٌ بلاقط صوت يسمى عند الغرب مايكروفون , خلفه كان رجل أخر بكميرا ضخمة على كتفه , بدؤوا بالسير نحوي , تباً كم أكره هؤلاء المذيعين , يذكرونني بأستاذة المدارس , عندما تكون جاهزاً للإجابة عن سؤال لا يسألونك , و يحدث العكس عندما لا تكون جاهزاً , كذلك هؤلاء يتركون كل الناس التي أمامهم و التي قد تموت فرحا إذا ما وقفت خمس ثوانٍ أمام العدسة و يبحثون عن أمثالي ,
سألني المذيع  أن ماذا تقول في هذا اليوم ؟
ااه حسنا , حاولت الابتعاد عن اسطوانة السياسيين الأولى التي تضم ترحماً على الشهداء و عودة للمفقودين و شفاء للجرحى , حككت رأسي قليلاً و قلت :" أرسل سلاماً و تحية , سلامٌ على من ماتوا في هذه الثورة , سواء من هذا أو من ذاك فإن كانت الراية مهمة , فالأهم هو النية , و كم من شخص مات تحت رايتنا ذات الثلاث ألوان و في نيته سرقة و نهب , و آخرون ماتوا تحت اللون الواحد و في نيتهم دفاعٌ عن أرض , سلامٌ على كل من مات ظلماً في كل عهد , فالظلم ظلمٌ مهما كان الظالم و المظلوم , سلامٌ على من سُرق بيته و ماله , سلامٌ على كل إنسان نام في بيته فأيقظته صوت قذيفة سقطت على غرفة أولاده , سلامٌ على كل طفلٍ خرج يلعب في الشارع و لم يعد أقول لكم بأن لكم جنة  تسعدون فيها .....
المذيع :" هل أكملت؟"
أنا :" كلا انتظر فأنا بحاجة إلى رشفة أخرى "
عدت إلى غرفتي في قبرص شربت من الكوب رشفة أخرى, ثم عدت مسرعاً إلى بنغازي , وقفت أمام المذيع مرة أخرى و بدأت أقول :
" تحية إلى كل من قَتَلَ و دَمَّرَ و شرَّدْ , تحية إلى كل من هتف و قال صفيهم بالدم , و تحية إلى من طبق هذا المقولة بعد فبراير , تحية إلى كل أولئك الذين تراقصوا في ساحة العزيزية و اليوم هم من جنود و حراس الثورة , تحية إلى أولئك المتراقصين أمام المحكمة الذين صدعوا رؤوسنا اليوم بعد أن دلهم أحدهم على كلمة نكبة فحفظوها و باتوا يعيدونها كببغاء مزعج يعيد ما لا يفهم , تحية إلى كل فاسدٍ و فاسدة صوت لهم الشعب يوما ليكونوا نواباً لهم , ثم جاءت همزة بعد الألف فأصبحوا نوائب للشعب , تحية إلى شعب يستمع إلى سفيه بالليبي و زملائه من رويبضات القوم , تحية إلى شعب يحركه مراهق من وراء قناع التواصل الإجتماعي مخفيا وجهه , تحية إلى بائع ذمة نسي بأنه بالأمس القريب عمل كجاسوس مزدوج يوصل المعلومات لصاحب المال الأكثر و اليوم بات محللاً سياسياً يكشف المؤامرات من قلب لندن , تحية لمن دمر بيوت الناس فوق الأرض و تحتها , تحية إلى سجناء و مغتربين جاءونا من خلف الأسوار و جعلناهم سياسيين يقودوننا كما يريدون , تحية إلى تلك النسوة المولولة على فقيدها العقيد كنساء صعيد مصر, ألا يعلمن بأن من مات لا يعود , و بأنه إن ذهبت عصا فهناك مليون عصا في ليبيا , تحية إلى السادة أعضاء المؤتمر و البرلمان أصحاب العشق الممنوع , أقول لهم ناموا قريري الأعين في فنادق مصر و تونس و زيدوا مرتباتكم  و اصرفوا ما تريدون من أموال على أنفسكم و عائلاتكم فالمال مال أبوكم نعن بوكم ,
أقول لكل هؤلاء بأننا سنتقابل يوماً في جهنم ربما , و قسماً بأن ألم عذاب ربي يومها لن يمنعني من ضربكم,
أخيراً أقول بأني لست نادما لشيئين , الندم لا يصلح ما مضى , ولو كان الندم ينفع لنفع الشيعة , ليست هي  النكبة بل نحن النكبة , ثانياً كيف لي أن أندم و أنا في كل يوم أرى شهداء كما تقول تلك الدنيا :" بيصرخوا في وشنا , ما تهربوش مننا , احنا اندفنا هنا , يا أيها الجبناء ".

عدت إلى الغرفة , رشفة من الكوب ....ماهذه الورقة في الكوب ؟!! .... إنه كوب شاي , إذا مالذي جعلني أشعر بما شعرت به ؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق