الأربعاء، 24 فبراير 2016

ملحد

اليوم الأول من العام الدراسي الجديد , طفلٌ يدخل إلى المدرسة رفقة والده , عالم جديد يُفتح أمامه , في الساحة أطفالٌ تجري و تلعب , في لحظة خاطفة خرج والده و تركه  واقفاً في الساحة وحده , سمع صوت رنين جرس و بدأ الطلبة في تنظيم صفوفهم , مدرسة واقفة تصيح لطلاب السنة الاولى بأن يقفوا في صفٍ هنا , أطفالٌ بالأمس كانوا يلعبون و لا يعرفون معنى القوانين اليوم يُطلب منهم أن يلتزموا بطوابير , دخل الصف , أول مادة ... تربية إسلامية , أعجبه موضوع هذه المادة فقرر و تمنى أن يكون شيخاً أو مدرس تربية إسلامية عندما يكبر , دخل خلوة مسجدهم بعد فترة و بدأ في حفظ القرآن و تعلمه .

بعد أعوام , بات فتى له خمسة عشر , فتىً ُملتزم يحفظ بعضاً من القرآن , يصلي كل الفروض , يحضر في أوقات الفراغ دروساً دينية في مسجدهم , فتى يبدأ عامه الثانوي الأول , جلس بجانبه شابٌ أخر يدعى عبد الله , حاول كلاهما كسر جدار الصمت الواقع بينهما , تعارفاً و جرهما الحديث إلى موضوع الدين , قال هو بأنه يدرس في خلوة كذا , نظر له عبد الله مستنفراً و قال : "شيخها مرجئة " , (مرجئة ؟!!) كلمة جديدة و غريبة على قاموس هذا الشاب , سأل شيخه عنها فنهره الشيخ عن مرافقة قائلها لأنه :" خارجي تكفيري" , كلمات ثلاث جديدة تضاف إلى قاموسه أحس بأنه من الخطر سؤال شيخه عنها , توجه إلى الشيخ جوجل و سأله , و عند جوجل الخبر اليقين , وجد إجاباته و انفتح أمامه عالمٌ أخر , تتبع خيوطه شيئاً فشيئاً , كلمات كثيرة , متصوفة و مبتدعة , رافضية و معتزلة , مرجئة و خوارج , سلفية و جهادية , سؤالٌ لاح في باله بأن من كل هؤلاء ؟ , هل هؤلاء كلهم مسلمون , وجد نفسه عند اليوتيوب يشاهد مقاطع لمناظرات بين مسلمين و ملاحدة  و نصارى , في اليوم التالي كان يقص على شيخه عن ما وجده بالأمس من مناظرات , متوقعاً بأنه سيفرح و لكن كلا , فمن شاهده بالأمس كان صوفياً ,
 " ولكنه مسلم يا شيخ "
هكذا رد ببراءة على شيخه فأخبره الشيخ بأنه مبتدع ليس على منهج السنة , و أننا نحن السلفية أصحاب هذا المبدأ , "سلفية! لقد ظننت بأننا مسلمون " , ردٌ أخر جعل شيخه يجلس على الأرض و يقول له
 "بأننا نعم مسلمون و لكن كنوع من إظهار أننا لسنا كمثل الذين تحزبوا و تفرقوا من المناهج الأخرى نقول بأننا مسلمين سنة سلفيين " .
لم يشأ أن يكمل مع الشيخ هذا النقاش الذي لن يستفيد منه شيء , و قبل أن يكمل الشيخ كلامه  نصحه ببعض شيوخٍ ليشاهد محاضراتهم بدل المبتدعة الآخرين .

أثناء حفظه للقرآن مر كثيراً على آياتٍ تتحدث عن التفكر و التعلم , فأضاف لقراءة القرآن علوماً أخرى , يدرس بعض الفيزياء و الفلك , وقع في حب بعض الفلاسفة فقرأ كتاباتهم و من هنا بدأت المشكلة , في يوم جمعة اعتلى الخطيب المنبر و بدأ يتحدث عن خطر بعض الكتب و البرامج , يأمر أولياء الأمور أن ينتبهوا لما يفعله و يقرأه أبنائهم فبعض القراءات قد تقود إلى المجهول , حذرهم من جعل أبنائهم يقرؤون لفلان أو فلان فبعض هؤلاء يتناول مواضيع لا تناقش و أسئلة لا تُسأل .

جلس بينه و بين نفسه بعد تلك الخطبة , كان عقله يقول بأن في هذا الأمر خلل , تعلمنا في البداية بأن الإسلام واحد و اليوم وجدت أمامي بدل الإسلام عشرة , كل منهم يقول بأنه هو الصحيح و يذم غيره حتى أصبح الأمر أشبه للنصرانية , أقله إن النصارى لم يفعلوا ما فعله هؤلاء , ثم من هؤلاء الذين قال لي الشيخ عنهم , واحدٌ يقول بأن الأرض لا تدور و لو كانت تدور لما وصلت طائرة خرجت من الشارقة إلى الصين لدوران الأرض لأن الصين ستظل تذهب في الاتجاه الأخر , و هذا أخرٌ يقول بأن قيادة المرأة للسيارة تؤثر سلباً على صحتها دون ذكر أي دليلٍ علمي واحد , و اليوم اتى هذا الثالث لينهرنا عن قراءة كل شيء تقريباً , و كأنه يقول لا تفكروا , لا أدري إذا كان الإسلام ديناً كاملاً كما يقول هؤلاء لماذا يخافون إذا من بضعة كتاب بشريون , هل يُعقل أن يكون كتابٌ كتبه إنسان أكثر تأثيراً من كتابٍ كتبه الله ؟! , لماذا الخوف منهم إذا ؟ .. مهلا , هل حقاً هذا دين الله كما يقولون , لا لا أظن ذلك فما رأيته من هؤلاء تقديس لأشخاص تماماً كما كان الأمر في أوربا ... كل هذه الأديان متشابهة , و أنا لن أتبع ديناً يقول لي لا تفكر , ثم هل يعطيني الله عقلاً و يمنعني من استخدامه لأكون كدابة تُساس يميناً و يساراً .... سأنكر وجود كل هؤلاء و أكذبه .

أنهى نقاشه مع نفسه بأن أصبح ملحداً لا يعترف بأي دين أو إله , بالطبع سيأتي مشائخٌ كثر ليلعنوه , و سيأتي العديد ليذموه و يذم الكتب التي قرأها , ربما سيصبح مثلاً يضرب بعد ذلك , و لكن كل هؤلاء لا يدركون بأنهم يوجهون اللوم للجهة الخاطئة , لم يوجهوا الذنب لمن حاول أن يُدخل الدين بطريقة علمية دون أي أدلة و كأنه يستخف بكل العقول , لم يلوموا من أراد أن يطبق مقولة (اطفىء نور عقلك و اتبعني ) , هذه المقولة التي فشل قساوسة عصور الظلام في أوربا في تطبقيها , كان هذا قبل سنوات , عندما كان الحصول على كتابٍ أو معلومة يطلب مشقة , فما بالك باليوم في عصرٍ بات بالإمكان فيه أن ترى أمريكا من مكانك , إن كثرة الملحدين في الشرق الأوسط و كرههم الشديد للإسلام ماهو إلا نتيجة لما ينتهجه بعض الشيوخ في الدعوة بأساليب خاطئة و لهذا أعتقد بأنه إن كان هؤلاء الملحدين مذنبين , فإن ذنبهم في رقبة هؤلاء .


هناك تعليق واحد: