الخميس، 4 فبراير 2016

نيكوتين

نصف ساعة اشتد فيها الجدال بيني و بين نفسي حول هل أقوم من سريري الآن أو أتقلب فيه قليلا لعلي أنام من جديد , و بعد أن حلق النوم و طار بعيداً قررت أن أقوم , فتحت النافذة حتى أجدد شيئاً من هواء هذه الغرفة , كالعادة أدخل الحمام أطالع وجهي في المرأة ..... أحمد الله لعدم وجود شخص يُصَبِّحُ على هذا الوجه الكئيب غيري , أدخل المطبخ لأعد كوب قهوة عربية أو تركية , لا تهم المسميات ولا الجنسيات فبلاد القهوة أوطان و كل البُن إخواني , نظرت إلى دولابي فلم أجد شيئاً يُأكل , توجهت إلى البقالة القريبة , حفظ صاحبها مشترياتي فهي يا إما مشروب غازي أو خُبز في وقت الغداء , أو عبوة قهوة و بسكويت في الصبح و المغرب , و إما كيس تبغٍ و معدات التدخين في أي وقت , رجلٌ يبدو بأنه صاحب نكتة , فهو دوماً ما يتفوه بأشياء باللغة التركية و يضحك كل من حوله عند سماعها  , أخذت قهوتي و بشكوطي و دخلت غرفتي , لو رأت أمي هذه الغرفة لقتلتني ملابس و كتب و أطباق في كل المكان , فتحت حاسوبي و أتيت بأحمد فكرون ليغني لي , قلت له بأن غني عن كل شيء و لكن عذرا لا تغني عن ليبيا و لا تطري ليبيا , عدل قيثارته و بدأ يغني عن الهارب في الليالي .

   ارتشفت قهوة ثم أخرجت تبغي و ورقة البفرا من نوع ريزلا , و بدأت في لف سيجارة , قربت اللفافة و ألصقتها ثم ثبتها بين شفتاي المسودتان و أشعلتها , نظرت إليها بقليلٍ من النشوة , شعورٌ بالفخر لأني اعتمد على نفسي في صنع السجائر ,تذكرت كيف كنت مدخنا كسولا قبل بضعة أشهر , عندما كان اعتمادي على السجائر الجاهزة , كيف تعلمت اللف و أتقنته في  بضعة أسابيع , تذكرت كمية التبغ التي أهدرتها في بداية تعلمي .... نفس أخر منها و نفخة باتجاه الشباك ... تذكرت صاحب شباك بوهديمة .. حتما هو نائم الآن , رفيق الدخان و القهوة , لمحت طيف رفيق مشاوير الصباح صاحب التيدا السوداء , بالطبع لم أنسى ذاك الطويل ابن ال بدر , رفقاء سرى في عروقنا دم محمل بالنيكوتين فأصبحنا إخوة , تذكرت أول مرة جرى فيها النيكوتين بدمي , سنوات مرت و مازلت أذكر ذلك الشعور جيداً , كيف تنقلت بين أنواع الدخان من هذا إلى ذاك , كيف جلست أول مرة و في جيبي علبة سجائر لم أعتد على وجودها بعد , كيف حولت كل ركن في غرفتي لمخبأ أخفي فيه دخاني عن عائلتي .
  تذكرت ردة فعل أمي عندما علمت بتدخيني لم تكن كبقية النساء في تصرفها , لا أدري لماذا يتصرف الأهل عند اكتشافهم بأن ابنهم مدخن هكذا , لماذا يعاملون الأمر على انه فضيحة كُبرى , تجد الأب يضرب ابنه و الأم تولول بأن ابنها قد ضاع منها و فقدتها , و كأن الأمر خسارة , تربط الأم رضائها على ابنها بتركه لهذا الإدمان , و يحلف الأب على ابنه بأنه لن يدخل البيت مرة إذا فيلجأ الابن إلى بيت صديقٍ أو قريب هرباً من العقاب الذي سيلحقه نتيجة لهذه الجريمة , و مالجريمة ؟!! إدمان الدخان جريمة لا تساوي شيئاً في بلادٍ تُحكم بالجريمة , لم أسمع عن أمٍ ولولت لأن ابنها السياسي سارق , لم أرى أباً يحلف بأن ابنه الدبلوماسي لن يبيت في البيت ... بالطبع لا فأمهات هؤلاء تتسوق بالخارج و تتنقل بين مجالس النساء تتحدث فخراً بابنها صاحب البدلة السوداء و السيارة المفخرة , أمثال هؤلاء لا يبيتون في المنازل بل في الفنادق ... نفسٌ أخر من الدخان سألت نفسي ماذا لو وجدت يوماً بأن ابني يدخن مالذي سأفعله ؟َ! و الإجابة كانت لاشيء , فأن يدخن و يسكر عندي أهون من يأتي بقذارة أخرى , هنا هو الظالم لنفسه و هو المظلوم , بل إنه أهون علي أن يقتلني الدخان بأمراضه , و أن يفتك السرطان بكل شبر من رئتي على أن أخرج و أعلن بأن فلاناً كافر , أهون علي من أن أتنزه بين شوارع مصر و تونس و أن أنام في فنادقه على حساب الدولة , بينما يقف مواطنٌ اختارني نائباً عنه في شوارع بنغازي أمام مخبز لينال رغيف خبز بعد انتظار ساعات , جرعة أخيرة من النيكوتين ثم رميت السيجارة في منفضة السجائر بجانب أخواتها اللائي ماتت قبلها , و في قلبي أسفٌ على هذه السيجارة التي طالها الظلم و سوء التقدير من الناس .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق