الاثنين، 29 فبراير 2016

في الغربة (1)

مللت التواجد في غرفتي بعد أن صارت مزدحمة بأفكاري المتخبطة في كل الجدران حتى باتت تخنقني , قررت الخروج في جولة يومية أقوم بها , ساعة أمارس فيها التوحد مع نفسي وسط شوارع هذه المدينة , ثم اللجوء إلى مقهى صغير وقعت في حبه منذ المرة الأولى التي جلست فيها فيه , ربما لأنه يذكرني بطيب الذكر (بكرج) .

بدأت في السير شاقاً الشوارع الخالية , غريبٌ خلوها هذا , تقريباً لا أحد يمشي هنا , مررت ببضعة مجموعات من الناس لكنها لم تكن تركية , خليطٌ من الإخوة العرب و الأشقاء الأفارقة ربما مجموعة من أصحاب العيون الضيقة و اللغة الروسية و الذين جاؤوا من دولة تدعى (شيئا ما-ستان) , أين الأتراك ؟! , أين اختفوا ؟! مالذي حدث لهم؟! جاء صوتٌ في رأسي يقول بسخرية "أكلتهم الأسماك", فكرت في بضعة أسئلة باتت تدور في رأسي كل يوم , أسئلة من نوع (من الذي أتى أولا الدجاجة أو البيضة؟ ) , ثم وجدت بأن أقدامي قد سحبتني إلى ذاك المقهى المركون في أحد الشوارع الخلفية .

جاءت قهوتي و أخرجت كتاباً عن مبادئ الفلسفة , كم تصبح قراءة الكتب مملة عندما تكون من ضمن منهجك الدراسي , في الطاولة المجاورة جلس ابن صاحب هذا المقهى و مُعد القهوة فيه يتحدث مع أصدقائه بغضبٍ عن خسارة فريقه البارحة , شاءت الأقدار أن يكون مشجعاً للأرسنال , ذاك الفريق الذي هزمناه البارحة , صارحته بتشجيعي للمان يونايتد و على فمي ابتسامة ساخرة تقول نعم لقد فعلناها و هزمناكم بفريقنا الثاني , عُدت إلى الكتاب و لكن أذني لم تعد , ظلت مزروعة على تلك الطاولة حتى سمعتهم يتحدثون عن مبارة مهمة الليلة , بشكتاش سيواجه فنربخشة الليلة , لهذا السبب كانت الشوارع خالية , هم يجلسون الآن في المنازل ينتظرون بداية القمة , بعضهم حتما يجلس في مقاهيٍ تعرض المبارة , ذِكر مبارة اليونايتد و الأرسنال ثم ذكر المقاهي أعادني سنة للوراء حينما كنت أجلس في مقهىً مُنتظراً مبارة اليونايتد في مثل هذا الوقت من السنة الماضية , لم أكن لوحدي , كان معي دوماً ذاك البدين ذو النظًّرات المُسمى بأنس , أحياناً تواجد كريه أخر بنظرات يقال له الفوكس , أو ملعونٌ ثالث بنظراتٍ هو الأخر سُمي بخالد , اللعنة من هؤلاء العميان الذي أرافقهم؟! .

لم يكتفي عقلي بتذكر هذا قرر البحث في ذكرياتي عن أشياءٍ أكثر فكتب جملة (مبارة قمة) حتى يسهل عليه البحث , خرجت للسطح أيامٌ جميلة مضت , أيام مباريات النصر و الأهلي , كم لهذه الذكريات طعمٌ حلو , نحن في مطلع شهر مارس , وكل نصراويٍ يتذكر هذا التاريخ بفرح , بينما يحاول كل أهلاوي نسيانه , و لن يفلح , انه شهر ال3 ,عندما احتفل كل محبٍ للغلالة الخضراء بفوزٍ جميل على الجار و العدو بثلاثية جميلة , فوزٌ جاء في يوم الثالث و العشرون من شهر ثلاثة في يوم الثلاثاء تحت قيادة مدرب له في يده ثلاث أصابع .

أغلقت كتابي و بدأت في مقارنة بين بنغازي و فماغوستا , تشابهت المدينتان في أشياء عديدة , فان كانت بنغازي حكية تن كما يُقال هنا , فهذه المدينة هي "حكية" أصغر منها , توجد في كلاهما سبخة , الفارق ربما يكون اللغة , و أيضاً وجود الحرب , عندما كنت عائداً على الأقدام نحو المنزل في ظهيرة هذا اليوم , سمعت صوت رصاصٍ و اشتباكات , ردة فعلي كانت بأن وقفت في منتصف الطريق باحثاً بسرعة من مصدر الصوت , لم أدرك بأني أمر بالقرب من معسكر و أن هذه الأصوات ما هي إلا تدريبٌ للجيش داخل هذا المعسكر , كل ما فكرت فيه هو وجود اشتباكات قريبة , ضحكت على نفسي قليلاً كضحكي على هؤلاء القوم في أحد الأيام قبل أشهر , كان ذاك اليوم هو مناسبة وطنية هنا , أعطونا عطلة فخرجت متجهاً إلى بيت المدعو سالم بدر لشرب القهوة , عندما ظهرت خمس طائرات حربية في استعراضٍ احتفالا بهذا اليوم , نظرة خاطفة للسماء ثم عدت بالنظر للأرض فوجدت بأن الشارع و أسطح المنازل و شرفها قد امتلأت بناسٍ خرجوا ليصوروا هذه الطائرات المحلقة في السماء , على شفتاي ابتسامة و بداخلي شخصٌ يقول لهم لقد رأيتها و سمعتها تقصف و تضرب كما رأيتها تسقط و تنفجر , ثم سؤالٌ عن الطريقة التي غيرت بها الحرب تفكيرنا و جعلته مختلفاً عن هؤلاء .

حسنا يجب علي الآن كتابة كل هذا الكلام  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق