الجمعة، 4 مارس 2016

يا أبي (خاطرة)

من دون سابق مقدمات و دون أي إنذارات قبلها , حل بي شوقٌ إلى لمة الأهل في البيت , في هذا اليوم كان الإشتياق كبيراً , أكبر من أي يومٍ مضى , كان لابد لهذه الحنين أن يكون مصحوباً بموسيقى تصويرية , و كالعادة لن أجد أفضل من اليوتويب مصدراً , بدأت السهرة الفنية صحبة الفنان إبراهيم الصافي , و تركت اليوتيوب يغير الأغاني لوحده , و أنا أفكر في كل ما فات و كل ما سيأتي , و الخوف كل الخوف مِن ما سيأتي , تلت فقرة الصافي فقرة للرائع أحمد فكرون بعنوان المدن الكبيرة , لم أعلم قبلاً بأن هذه الأغاني ستكون ذات نكهة أخرى في الغربة , لم أعلم بأن كل ثانية فيها ستكون ذات تأثير على كل كياني , بعد فكرون أتى دور مغنٍ أخر لم يسبق له أن إعتلى مسرحي قبلاً , تركت كل شيء و انتبهت له , كان المغني ناصر المزداوي أما الأغنية فكانت شنطة سفر , هو حتما سيتحدث عن كل شيء أشعر به ,  عشت مع موسيقى الأغنية و كلماتها حتى وصل إلى فقرة قال فيها: "كيفك يا أمي كيفك يا بوي " , هنا انقطعت علاقتي بالأغنية و بدأت في التفكيرفي هذا الشخص الذي ذكره , لا ليست أمي , فأمي أحداثها في كل يومٍ تقريبا , لكن بوي هو من فكرت فيه , ترى كيف حاله و ابنه الوحيد يعيش بعيداً عنه , كم اشتقت لصوته و رؤيته , كم أحسست بالذنب على كل يومٍ ضعيته بعيداً عنه في بنغازي , لجوءٌ سريع إلى الفايبر و البحث عن اسمه ثم إتصال , جاء صوته من الناحية الأخرى كما عهدته دوماً عندما يرد على الهاتف :
-"الو السلام عليكم"
-"و عليكم السلام و رحمة الله , خيريابابا كيف حالكم" ,  بابا .دائماً ما كنت أسرق هذه الكلمة في كل مرة أكلمه فيها , و كأني أشعر بالخجل منها .

-" الحمد لله بخير كيف حالكم  انتوا و كيف حال اللي معاك ".

-" نحن بخير يا أبي و من معي بخير , لكن أنا أعاني ".

بصوت أبٍ خائف قال :" شن فيه"

-" ابنك يشتاق لك يا والدي , لا أصدق بأن 5 أشهر فقط مرت على فراقكم , لقد كانت خمس سنواتٍ علي , تذكرت في الصباح وصيتك لي يوم وقفنا في المطار , (دينك , أخلاقك , علمك) , كان هذا أخر ما وصيتني به , و على عكس كل مرة كنت توصيني على شيء فأتي أنا بعكسها , هذا المرة مازلت تحت توصيتك , مازلت أسمع صوتك في كل يوم أستيقظ فيه يوصيني بهذه الثلاث , لقد عرفت اليوم يا أبي قيمة كل مرة نهرتني فيها عن شيء بالقوة , عرفت قيمة كل ما كنت تفعله , قيمة صراخك  و غضبك , قيمة عطفك و حنيتك , قيمة كل كلمة قلتها لي عندما سألتك عن شيء ,  لقد أردت أن تربي رجلاً يعتمد على نفسه يوماً , و هاقد جاء اليوم يا أبي , بالمناسبة لقد أريت بعض الصحب صورة لك , كلهم أجمعوا بأني اشبهك كل الشبه , لا تدري كم أسعدتني هذه الكلمات , فاليوم قد اكتشفت أي أنسان عظيمٍ أنت , اليوم لم أعد أتمنى شيئاً سوى أن أستمر على دربك و أكون مثلك , اليوم صرت أتمنى أن أكون أنت , و أدركت أيضا يا أبي بأنني و ان صار عمري اثنان و عشرون عاماً أو حتى اثنان و سبعون , فسأظل ذاك الطفل الذي جاء في شتاء عام 1994 , سأظل ذاك الذي زحف على الأرض ليرتمي في حضنك و إن فرقتنا المسافات فستكون دوما معي هنا , فيكفي بأني في كل مرة سأكتب فيها إسمي سألحقه بعمران بن عمران "
لم ينطق أبي و طال سكوته , نظرت إلى هاتفي فوجدته قد نفذ من الشحن وقرر أن ينهي لوحده هذه المكالمة التي ربما لم يحتمل كمية العواطف الكامنة بها .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق