الخميس، 11 يونيو 2015

حوار مع صديقي (الإنسان)


كان يجلس على مقعد الحمام أثناء دخوله الصباحي اليومي لإخراج ما تبقى من أكل الأمس في معدته فإذا به يرى صرصاراً يتجول في ركن الحجرة أنهى ما كان يقوم به سريعا ثم نهض ليحاول قتل ذاك الضعيف , و لكن الصرصار صاح قائلاُ :" أرجوك لا تفعل فما أنا إلا صرصار بسيط خرج يبحث عن رزقه في الليل و هاهو عائد إلى مسكنه بعد أن بدأت الشمس بالشروق"
تعجب ذاك الإنسان و الذي يدعى مالك و قال:" عجباً لم أسمع صرصار يتكلم من قبل "
قال ذاك الصرصار :" نحن نتكلم , و لكن من أنت و ما تكون؟"
أجاب مالك : " اسمي مالك و أنا من البشر " و أخذ يشرح لذاك الصرصار و يحدثه عن البشر و تاريخهم و عن إنجازاتهم و اكتشافاتهم و حروبهم و سلامهم و الصرصار يصغي لحديثه.
و بينما هم كذلك مر رتل من النمل يحمل صرصار ميتا , أما عن سبب الوفاة فهو بسبب سوء المعاملة تحت قدم إنسان ما , حزن الصرصار على مصير زميله و ابن جنسه و بأنه لم يعد أكثر من مجرد غذاء يخزنه النمل للشتاء القادم , نظر مالك إلى الجنازة المهيبة التي حضي بها ذاك الصرصار ثم تذكر بأنه قتل صرصارا وجده في المطبخ هذا الصباح دهساً بالأقدام , فقال: " لقد قتله فضوله , فلو لم يخرج و اكتفى بالإختباء في مخبأه لما مات "
تعجب الصرصار فقال: " عجباً ألم تخبرني منذ قليل بأن البشر يحبون الاستكشاف و أنكم خرجتم لإكتشاف ما في هذا الكون , ثم إذا فعلنا نحن ذلك و خرجنا مستكشفين لما حولنا محاولين البحث عن زرقنا قتلتمونا ؟"
أجاب مالك : " و لكننا لم نزعج غيرنا من الكائنات , فلم نجد في المريخ أثار حياة مثلا"
-الصرصار :" و ما أدراك بذلك , فأنا مثلا حتى هذا الصباح لم أكن أعلم بوجودكم كنا نراكم فقط مجرد جبال تتحرك و تنهار علينا إذا ما خرجنا من مخابئنا في النهار و تقل انهياراتها في الليل و لهذا اخترنا حياة الليل الهادئة "
-مالك :" و لما لا تروننا؟"
- الصرصار :" إن قصر نظرنا لا يسمح لنا إلا برؤية أطرافكم السفلية "
- مالك:" و لكن بعضكم يطير و ارتفع قليلا فربما رآنا "
- الصرصار:" إن أبناء عمنا من الطيارين هم فصيلة أعلى منا و أحيانا كنا نراكم تتقربون منها و بمجرد أن تفرد أجنحتها حتى تتجهون بعيداً عنها , و هذا ما جعلنا نشعر بأنكم جبال مادية تهتم بالمظاهر فإذا كان للصرصار أجنحة و يطير تتركونه و إذا كان زاحفا دستم عليه"
- مالك:" و هل تقصد بأنكم لا تهتمون بالمادة و المظاهر؟"
- الصرصار:" لا , هل سبق و رأيت أنثى صرصار تركت صرصار ما و ذهب لأخر لأنه يسكن في حي أرقى أو يعيش في بالوعة منزل مليونير ما ؟"
- مالك:" و لكنكم صراصير"
- الصرصار:" نعم و أنتم بشر كما قلت , نحن نمتص العديد من الغازات التي ربما كانت ستضر الكون بطريقة ما فقل لي ما هي فائدتكم أنتم كبشر لهذا الكون ؟"
صمت مالك محاولاً التفكير في إجابة ما و قبل أن ينطق عاد الصرصار للحديث فقال:" ورغم هذه الفائدة تأتون لتدوسوا علينا أو لتمطرونا بمادة خانقة لا لشيء و لكن لمحاولتنا استكشاف ما حولنا في هذا الكون كما فعلتم أنتم"
- مالك:" و لكننا لم نلم أحد لما حصل و تحملنا ما حدث لنا نتيجة هذا الاستكشاف , فلم نلم يوماً أسدا لأنه التهم أحدنا في الغابة"
دار الصرصار قليلاً و هو يفكر في كلام مالك ثم عاد فقال :
انتم بعقول والأسد بلا عقل و لهذا هو حيوان , أم أنكم أيضا حيوانات؟"
- مالك :" نعم نحن حيوانات ناطقة بعضنا بعقول و بعضنا لا"
- الصرصار :" في الواقع بعد هذه المحادثة و بعد ما قلت لي عن حروبكم و أسبابها , بدأت أشك في وجود عقولكم , و إن وجدت تلك العقول عندكم فنحن أفضل منكم بكثير , فنحن معشر الصراصير عرفنا  و تأكدنا أن في هذا الكون ما يكفينا جميعا من طعام و ما يأوينا كلنا من مسكن , فتركنا الحروب و اخترنا السلام , أما أنتم فتاريخكم قد فاض بالحروب"
- مالك:" و لكن ...."
- الصرصار :" دون لكن إن الشمس قد أشرقت و الوقت قد تأخر , و الحديث معك فسيطول ,لأنكم كبشر لم تفهموا من هم مِن أبناء جنسكم و من لهم مثل لغتكم فكيف ستفهمني أنا الصرصار البسيط, و لأثبت لك بأننا أذكى أود أخبارك بأنه أثناء حديثنا غافلتك و تحركت حتى وصلت لمسكني و قبل أن تتمكن من القيام و إحضار المطر الخانق سأكون قد دخلت إلى هناك , وداعاً"

(جزء من هذا الحوار دار بيني وبين صديق لي حيث كنت أنا الصرصار)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق