الاثنين، 22 يونيو 2015

مرشد سياحي

تبا ... ما أطول هذه الساعات بين العصر و المغرب ,  فهي يومٌ كامل لا ينقضي إلا بطلوع الروح , ساعات  جعلتني أدرك بأن صيامي حتى العصر عندما كنت صغيراً لم يكن صياماً , فصيام الفجر حتى العصر "حمادة" و صيام العصر حتى المغرب " حمادة تاني خالص".
جلست أتساءل كيف كنت أقضي هذا الوقت قديماً و تذكرت "سوق الحوت" و آآه من سوق الحوت ذاك المكان الذي كنا نقضي فيه هذه الساعات الطويلة , و لكن و أسفاه على سوق الحوت الذي بات محوراً و اختفى منه الباعة  المفترشون للأرض و أتى مكانهم جنودٌ و بدل ضوضاء السوق حلت ضوضاء الحرب.
و حتى (تمتيع بوهديمة ) مع أني لست من عشاقه لم يكن هنا في هذا الموسم , فجلست أسبح بين أفكاري و في دماغي و الذي و إن صام فمي عن الطعام فلن يصوم هو عن التفكير , خطر ببالي سؤال ماذا لو كنت مرشداً سياحياً في بنغازي , الآن في هذا الوقت و هذه الأوضاع , إنه أمر يستحق التفكير , فقررت المباشرة في هذه الوظيفة اليوم:
"أهلا و سهلا بك عزيزي السائح على متن رحلات شركة (تهريس) للسفر و الصياعة عذرا  أقصد السياحة .. أود أولاً الاعتذار عن غياب زميلي في هذه الرحلة (أنس بن غزي) و الذي يصادف اليوم الثالث و العشرون من يونيو ذكرى ميلاده و الذي كان من المفترض أن نتصل به لمرافقتنا و لكن يبدو بأن شحن هاتفه قد نفذ وذلك لإنقطاع الكهرباء عنهم لتخفيف الأحمال و التي باتت عندنا عادة في رمضان فيبدو أن مولدات الشركة العامة للكهرباء تصوم مثلنا و أيضاً أريد أن أنوه إلى أن أهل هذه المدينة باتوا من ذوي الخبرات في الكهرباء و إنقطاعها فعندنا مثلا كتاب (كيف تعيش بدون كهرباء لثلاث أيام ) و أيضا (القاموس الوافي في عصر الضي الطافي) , عموماً  , هذا الوقت الآن هو وقت الذروة هنا, ففي هذا الوقت تخرج الكائنات البنغازية محاولة تمضية الوقت بين العصر و المغرب في الشوارع , إذا نظرت على يمينك الآن ستجد كائناً غريباً يخرج في هذه الأوقات و لا تراه إلا في موسم رمضان و هم (المحششين) كما يطلق عليهم ولكن تحشيشهم ليس بفضل عشبة ما و لكن بفضل الصيام و من صفات هذا الكائن أنه مقرون الحاجبين يكاد يكون مغمض العينيين شاحب الوجه , تكون ملابسه خالية من أي تنسيق و لم يداعب المشط شعره فبات كإنسان الكهف الأول أما رائحة الفم فهي دليل على رحمة الله عندما جعل هذه الرائحة أطيب من المسك عنده و تقوده رغبته أو تحشيشه فلو مثلاً حشش هذا الكائن على (السوشي الياباني) لذهب إلى طوكيو لإحضاره , يكثر هذا الكائن عند طوابير خبز التنور و هو سريع الغضب و ( خلوقه في خشمه) أي أنه من الممكن أن يتشاجر معك لأنك نظرت إلى فردة الخبز التي أخذها و قد يخرج بندقية الكلاشنكوف من سيارته لهذا السبب , و هذا الكلاشنكوف حديث العهد برمضان فأيام (البوخوصة) قد ولت , أما البوخوصة هو سلاح أبيض يُعرف في بلاد النيل المجاورة ب(مطوى قرن غزال), و ايضا يشتهر بكثرة السباب الذي يختمه بجملة اللهم اني صائم
و نصيحة لك عزيزي السائح إذا ما رأيت هذا الكائن سارع بالابتعاد عنه  حتى لو كان صديقك و لا تقترب منه إلا بعد أن يداعب دمه بعض النيكوتين بعد (ٍسبسي الفطور) و عجبي لهذا السبسي و لفوائده فهو يحول الشيطان إلى ملاك في لحظات .
و لقلة بختك عزيزي السائح ففي هذا الرمضان لا يوجد هناك سوق الحوت و هو مكان تكثر فيه هذه الكائنات الحشاشة فهي تجد ما في خاطرها هناك , حيث أن هذا السوق ليس للأسماك كما يقول اسمه و لكنه مكان يكثر فيه الباعة المتجولين و الذين يبيعون كل ما قد تشتهيه في هذا الشهر , ك( هريسة طرزان و ولد زوبي و كذلك سي مفتاح المهشهش بصياحه المشهور "حليب البقر عاللبن" و كذلك البحري المعروف بملابس و إكسسوارات النادي الأهلي الليبي بلونه الأحمر و غيرهم مثل عيت مخلوف ) , أما عن الموقع الجغرافي يحده شمالاً شط الشابي , و جنوباً شارع العقيب و شرقاٌ سوق الربيع و شارع المهدوي و غرباً فياتورينو.
أما الآن و بما أن الساعة تشير إلى أن عشر دقائق فقط تفصلنا على أذان المغرب فأنصحك عزيزي السائح بالإبتعاد عن الطريق لأن موعد سباق الشربة قد حل , فهذا الوقت يصبح السائقون في الشوارع أفضل من شوماخر في الفورميلا ون , فهو سباق الشربة , و هو سباق تشهده شوارعنا كل عام و نقطة البداية فيه هي أي مكان يكون فيه السائق الآن و أما خط النهاية فهو على مائدة الإفطار أمام صحن الشربة الذي يحضر في كل عام رفقة رمضان , أما عن هدف هذا السباق فهو الوصول إلى النهاية قبل أذان المغرب  , و هو رالي يقام في كل عام في شوارعنا و لكن لا جوائز مالية فيه ولا رعاة ولا إعلانات  , فهي أمور قد تفسد هذه الهوية الليبية للسباق و تفسد متعته و قد تفتح بلادنا للسياحة و رؤوس الأموال الأجنبية و هو أمر لا نريده , فيكفينا سارقي الأموال أقصد رؤوس الأموال الليبية ,  و التي تراعي الإنسان الليبي البسيط في كل شيء حتى أن هذا الإنسان يدعو لهم بحُسني الخاتمة . أقصد حُسن الخاتمة .
و ختاماً في هذه الجولة أود أن الفت إنتباهك عزيزي السائح إلى أن هذا الوقت هو أكثر وقت تكثر فيه المشاجرات التي تكون عادة بسبب سرعة القيادة كهذه السيارة التي تتجه نحونا الآن".
تي غادي يا .... اللهم إني صائم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق