الجمعة، 7 أغسطس 2015

على الرصيف

في المدينة وسط الزحام و الضجيج , شخصان أحدهما يرتدي بدلته و قد ارتجل للتو من سيارته و يتجه إلى مقر عمله , قطع الطريق بيسر نظراً لازدحام السيارات ثم شق طريقا بين الناس الخارجين خلف لقمة عيشهم , و عندما اقترب من مدخل الشركة تعثر برجل أحدهم و سقط أرضا , نظر إلى ما أسقطه , فإذا به شخصٌ ما جالس على الأرض , نهض و نفض التراب عن بدلته ثم نظر إلى الطرف الأخر في هذا الحادث , فإذا به لا يلقي له اهتماما , من هو هذا الجالس ؟ إنه الشخص الأخر , رجل ذو ملابس رثة و ملامح تقول بأنه شاب , يجلس مفترشاً الأرض وقد اختبأ قليلاً عن أشعة الشمس .نظر إليه و ظن أنه متسولٌ ما , فقام بإخراج بعض النقود و أعطاها له , نظر إليه الجالس على الأرض و قال له :"دع نقودك عندك فأنا لا أتسول ".فسأله في تعجبٍ :" ولما أنت جالسٌ هنا ؟"فقال :" لأنني لم أجد مكاناً أخر أجلس فيه و لا عمل ولا دراسة بسبب الحرب , مللت الجلوس في البيت ولا أملك مالأ يجعلني أجلس في أحد المقاهي , بالأمس جلست في ما بدا لي بأنه حديقة عامة فإذا بأحدهم يخبرني بأنها مخصصة للعائلات , و فجر اليوم قررت البقاء في المسجد بعد الصلاة , و إذا بالقيم يخبرني بأنه يجب علي الخروج منه , عجباً حتى بيوت الله لا يحق لنا البقاء فيها و يطردوننا منها ! فخرجت أدور بين الشوارع حتى وجدت نفسي جالساً هنا ". فسأله :" و من أنت ؟" فقال :" مواطنٌ حي أعيش هنا " - "لم يكن هذا ما قصدته "قاطعه قائلا :" أعلم ما تقصد و لكن ألا تجده غريباً أن أقول اسمي  لرجلٍ لا أعرفه ؟"- " إن الغريب هو جلوس إنسان على الطريق هنا وسط الازدحام"نظر إلى الأرض قليلاً وقال :" و مالغريب في ذلك ؟ فأعظم المعالم على الطريق وسط الزحام , ابتداء من ضريح عمر المختار و منارة اخريبيش مثلا , و حتى في أوربا كبرج ايفل و برج بيزا , كلها تقف على الطريق و لم يتكلم أحدٌ عنها ".نظر إليه صاحب البذلة قليلا مفكراً فيما سيقوله ثم استأنف حديثه فقال :" و لكنها جماد هذا الفرق بينك و بينها , طبعاً إلا إذا كنت تعتقد بأن البشر و الجماد سواء "ضحك مستهزأً و قال :" بالطبع لا , فالجماد هنا أكثر قيمة من البشر , ألم تسمع عن أولئك الذين صرخوا و بُحت حناجرهم استنكاراً لاختفاء غزالة ما  بينما تلون شط الشابي بلون الدم الأحمر و لم يهمهم ذلك ؟ ثم إن الجماد جماد , لا يؤذي أحد ولا يزعجه على عكس البشر "نظر الرجل إلى ساعته و في داخله القلق من أن يكون قد تأخر عن دوامه ثم قال :" ولكن يمكن للجماد أن يكسر عظامك و يؤذيك ".فأجابه بصوتٍ مقهورٍ يملؤه الألم :" صدقني إن ألم العظم المكسور لأهون و أخف من ألم القلب المكسور , ثم إن كسر العظام يُشفى و يبرى و لكن ما يشفي كسر القلب ؟" هنا أحس الموظف بأن موعد رحيله قد حان فاستدار و دخل مقر عمله تاركاً الرجل الأخر جالساً على الرصيف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق