الأحد، 16 أغسطس 2015

ضحية نفسه

مسكين و مظلومٌ هو , فقد توفي والده و تركه صغيرًا يحمل مسؤولية  إخوته الصغار و أمه المريضة , و لكنه لم يدع ذلك يوقفه , درس و تخرج و عمل .
صفته المعروفة طيبة القلب , فهو محبٌ للجميع , كريمٌ لا يحرم نفسه أو أصدقائه من شيء, مستعدٌ للجلوس في مقهى أو مطعم و يدفع ثمن الطلبات , و مع ذلك لم يسلم من ألسنة الناس و شرورهم فكل من يحيط به يكيد له المكائد , يأخذون ما يريدون منه و يتركونه ثم يجلسون ليتحدثون بسوء عنه , و هو لا يبالي فقلبه الأبيض يطغى على كل أفعاله , لا يحمل في قلبه أي ضغائن لأي أحد , مصادقٌ للجميع و اجتماعي جدًا , و رغم ما مر به من تجارب مع البشر لم يتعلم أي درس عن البشر .
أما عن اسمه فهو أحمد و هاهو اليوم يبلغ عامه الثاني و الثلاثون دون أن يتقدم خطوة في حياته الشخصية  , فكل وقته لأهله و كل ماله لأصدقائه و لعمله, مثقف محبٌ للكُتب , متابع لأغلب الرياضيات فهو مشجع لنادي ليفربول و متابع لنادي لوس أنجلوس ليكرز  , و غيرها من أنواع الرياضة , و كذلك يهوى الإلكترونات و الأفلام و الألعاب , بل و يعمل بها .
أما عن علاقته بالإناث فهي تميل لطرف واحد ,فكل من يقابلهن يعجبن به , و كل واحدة تريد أن تنال إعجابه , فهو الفرصة التي تضيع شابٌ رومنسي حساس محبٌ لكل أنواع الموسيقى , و لكن هو لا يبالي بهن و لا يهتم , فهو لا يبحث إلا عن الصداقة ففتاة أحلامه لم تأت بعد , لأنه عانى كثيراً .
أتى ليجلس مع أصدقائه ذات مساء في المقهى و بجوارهم كانت هناك طاولة يجلس على أشخاص كان يعرفهم في الماضي و لكنهم تركوه , مر و سلم عليهم ثم ذهب و جلس مع صحبه , سأله أحدهم عن هؤلاء الذين سلم عليهم , فقال بصوت حزين :
" هم رفقة قديمة جمعتنا الأيام في يوم ما و لكن تفرقنا الأن , بسبب ألاعيبهم و كذبهم , و حديثهم الدائم بسوء عني " و بدأ في الحديث عن كل ما حدث معهم .
صُدم رفاقه بالحديث فبدؤوا يواسونه و يخففون من ألمه و هو ينتقل في الحديث من شخص لأخر واصفاً أحداثاً كان هو الضحية فيها .
و على الطاولة الأخرى كان الاثنان الآخران  ينظران باتجاهه و يكتفيان بالصمت دون أن يقول أي منهما حرفاً , نظر أحدهما للأخر و قال :" أراهنك بكل شيء بأنه يجلس الآن و يتحدث عنا و عن مواقفه معنا , و كيف أننا خدعناه ؟"
فرد الأخر مبتسما :" لن أراهنك فهذه حقيقة مثبتة , و هي ليست أول مرة , فالطاولة التي يجلس عليها تتغير و الأشخاص حوله يتغيرون و لكن حديثه لا يتغير , هو الضحية التي نصب عليها الجميع , هو العظيم الذي يفهم في كل أمور الحياة , هو عبقري الموسيقى و الأفلام , هو كازانوفا الذي تريده كل البنات  , هو المجد و صاحب المجد , هو الذي قاوم الحياة ليُثبت للعالم من يكون "
توقف قليلأ ثم نظر لشخص مار بالطريق فأشار إليه و قال :" أترى هذا الذي يمشي ؟!هو صديق لي , قد استدان منه أحمد قبل شهرين مبلغ مالي ليسير  به بعض أعماله و وعده بأنه سيعيده خلال أسبوع , وافق ذاك الشخص فقط لأنه يعرفني , و لكن صديقنا اختفى لفترة و طال الأسبوع و أصبح اثنين و ثلاث حتى مر شهرٌ كامل لا يرد فيها على اتصالاته و عندما يرد يبدأ في المماطلة , عندما يحدثني صديقي هذا عن أمواله أحاول أن أهدئه حتى لا يتشاجر مع أحمد , و لكنه لا يذكر ذاك لا يقول في ظهري إلا الباطل "
قاطعه صديقه الجالس بقربه على الطاولة و قال: " لقد عمل مع عبد الرحمن قبلاً و لم يقصر معه عبد الرحمن في شيء فكانا يخرجان معاً يوزعان بضاعة على المحلات و كانا يتقاسمان كل الأرباح بالمناصفة رغم أن البضاعة هي بضاعة عبد الرحمن , ثم ماذا ؟ اكتشف عبد الرحمن بأنه ينصب عليه و على أشخاص آخرين , و لكن عبد الرحمن لم يجلس على كل طاولة و أخبر الجميع بالقصة , و إذا ما جئت أنت و قلت أمام الناس حقيقته فلن يصدقك أحدٌ منهم و ستصبح أنت الشخص السيئ الذي يشوه سمعة الناس , رغم أن هو شوه سمعة العديد من الناس ذكوراً بحديثه السيئ عنهم و الإناث بقوله عن كل واحدة يعرفها بأنها معجبة به و بأنها كادت أن تحرق نفسها فقط لكي يتحدث هو معها , ربما هو حقا ضحية و لكنه ليس ضحية أحد , إلا ضحية نفسه "
صمت الصديقان و انهيا المحادثة .
(هناك أشخاص كثيرون يحبون أن يظهروا دائماً في دور الضحية لسبب غير معروف , و يشعرون في داخل نفسهم بأن حياتهم يجب أن تكتب في قصة , ولأني أعرف الكثير منهم فلا أجد هدية أفضل من أن أحقق لهم أمنيتهم )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق