الخميس، 27 أغسطس 2015

عقاب ليبي

كالعادة ملل غريب يصيبك في فترة الصباح فلا جامعة ولا دراسة ولا عمل و قد مللت التجول الصباحي بالسيارة فقررت البقاء في المنزل , أو بالأحرى أًجبرت على البقاء فالفوكس رفيق الصباح مُقفل , وقد فُجئت بوجود ثلاثة عمال مصريين في البيت , و لأن المصائب لا تأتِ فرادة قررت شركة الكهرباء قطع التيار في هذا الوقت لطرح الأحمال , فوجدت نفسي جالساً مع العمال أثناء شربهم للشاي و مشاركتهم الحديث , و أثناء ذلك تذكرت لماذا أحب مصر , شعبٌ بسيط , متفائل , و دائم الابتسام على عكسنا نحن الذين نبحث عن الحزن و نجلس عنده , قرر اثنان منهم القيام ل"تشطيب" الأعمال  و جلست مع ثالثهم و اكتشفت أنه من صعيد مصر , من أسيوط و أخذ يحدثني عن أسيوط و بساطة شعبها حتى تمنيت أن أزورها, و عندها تذكرت قول ذاك الرجل الذي قال :" لو لم أكن مصرياً لو وددت أن أكون مصرياً" , نعم و حقاً و صدق في قوله , فلو لم أكن ليبياً لوددت أن أكون مصريا , و لكن ترى من أي مُدن مِصر أريد أن أكون , احترت قليلاً ثم وصلت لها , نعم فلا بد أن تكون هي , فلو لم تكن ولادتي و عيشي في بنغازي فلا بد أن يكون فيها , تلك التي دخل حبها قلبي و لكن بنغازي أخذت الجزء الأكبر منه ,و لكن لا بأس بوجود معشوقة أخرى و هي القاهرة , قاهرة المُعز .سمحت لعقلي بأن يذهب في جولة أخذ فيها معطيات بأني ولدت و عشت في القاهرة و قبل أن أبدأ جولتي في عالم الخيال وضعت بعض الموسيقى التصويرية و التي اخترت أن تكون رائعة الشيخ إمام و كلمات أحمد فؤاد نجم (مصر يا أمه يا بهية يا أم طرحة و جلابية) , ثم انطلقت , سأكون طالباً جامعياً في جامعة القاهرة , و لكن بكل تأكيد لن أختار الطب هناك بل سأدرس الأدب و تلك الكلية التي درس فيها (أنيس منصور) من اعتبره أستاذاً لي رغم أن لم ألتق به أبداً , و لكن كما يقول اللغز الشعبي في ليبيا "الميت يسلم على الحي " , فقد التقيت بأنيس منصور في كتبه , سأجلس عند النيل كما فعل أحمد شوقي أمير الشعراء , سأتجول في شوارع القاهرة التي تحمل عديد القصص سواء في مبانيها أو في ناسها و ابتساماتهم , في الزمالك و المعادي و مدينة نصر , و ربما عندما أحتاج لبعض وحدي سأجلس في المقطم أو أتجول في مناطقها القديمة ذات المباني المتآكلة و المُغبرة , لكن ذات النفوس الجديدة الرائعة القاطنة بها ,خان الخليلي و الحسين و السيدة زينب , سأصلي في الأزهر وبكل تأكيد لن أقترب من الباطنية , سأتجول شارع عباس العقاد و بداخلي حسرة لأني لم أكن في عصره و لم أجلس في صالونه , لم أعاصره و لم أقابله وجها لوجها , ربما كنت حينها رفيقاً لأنيس منصور و جليساً لصالونه , سأستمتع بكلامه عن طه حسين و حواراته مع توفيق الحكيم و غيره من الأدباء ولكن للأسف ربما لن أعاصر مصطفى محمود أو السعدني أستاذ الأدب الساخر , فحمداً لله أني جئت في عصر الإنترنت حيث يمكنني أن أعيش كل العصور في عصر , أن أسبح في بحر خيالي مع كلمات الحكيم بينما يدندن لي سيد درويش عن التحفجية  , أو سأمزج بين عصرين فأستمع لكايروكي بينما أقرأ لمصطفى محمود . قطع جولتي هناك صوت هاتفي يرن يعلمني بأن صديقي يتصل و الذي أبلغني بدوره أنه في الطريق إلي , أنهيت جولتي في مصر و كلمات أغنية الشيخ إمام ( أهيم شوقاً) عالقة في بالي فقررت أن أشغلها في سيارة صاحبي ذاك , و هذا ما فعلته فور ركوبي و لكنه انزعج من ذلك لا لشيء إلا لأنها مصرية أو "عقاب مصرية " كما قال , ضحكت في داخلي و قلت مصر تلك التي أخرجت للعالم أجيالا من العباقرة في كل شيء نحن ننظر لهم على أنهم "عقاب" , نحن الذين أخرجنا للعالم عباقرة أيضاً ولكن في كل شيء قذر , و لكن رغم ذلك لم ألم صديقي فأنا المخطئ فأغنية الشيخ إمام تلك لا يستحق أن تسمعها أذن "عقاب" ليبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق