الأربعاء، 26 أغسطس 2015

بالعربي

الناظر للوضع العربي سيرى و بلا شك أزمات مختلفة على جميع الأصعدة , سيرى فارقاً زمنياً كبيراً بين هذه الدولة القابعة في الرقعة الجغرافية من المحيط للخليج و بين باقي دول العالم , فهم في عصر و نحن في عصر متأخر عنهم بكثير ,و ليس الوقت الأن وقت مقارنة بيننا و بينهم , فالمقارنة لا تجدي شيئاً و لكن بات لزاماً علينا أن ننظر لأسباب المشكلة و نحاول حلها , علماً بأن حلها سيأخذ أجيالاً و أجيال فالمشكلة مترسبة في عقولنا , ضاربة جذورها في فكرنا , و ربما سنبدأ من هذه الكلمة سرد المشاكل , الفكر لو قلت هذا الكلام لأي شخص يتبع تياراً معيناً سيرمي بالسبب على التيار المضاد له , و سيقولها في كل مكان على منابر المساجد أو على منصات المحاضرات , و حتى على القنوات , و الناس تتابع و تسمع بل و تترك هذا الكلام يدخل عقولها دون أي محاولة منها لفهمه أو مناقشته , و يصبح هذا الكلام كلامٌ منزل من عند الله لا يجوز نقاشه , و هذه المشكلة ليست متعلقة بفكر سياسي فقط , و لكن متعلقة بجميع نواحي الحياة , فالشيخ فلان قال و الدكتور علان قال, و من أنت حتى تناقش كلامه أو تعارضه الرأي , أصبحت الغالبية العظمى في بلادنا و للأسف مجرد خيل غطى سائسها عيونها حتى لا ترى شيئا إلا ما يريد السائس أن تراه , أما القلة الفاتحة لعيونها المحاولة للنظر في كل الاتجاهات و بتفكر , باتت قلة مجنونة مجرمة , تعامل كالسفهاء من جميع الأطراف فهذا يسبها و هذا يسخر منها , أصبح الناس في مجتمعنا العربي مجرد نُسخ متشابهة في كل شيء في التفكير في الكلام , و بإمكانك تقسيمهم و فرزهم حسب القنوات التي يشاهدونها , و ربما تكون هذه الأخير هي مصيبة المصائب و سبب كل مشكلة عندنا , فقد ساعد الإعلام بصفة كبيرة على تنويم العقول و تحجيرها , و جعل الناس تضع عقولها على الرف و لا تحاول إجهادها , فلما أفكر في أمور الدين إذا كان الشيخ فلان سيكون على القناة كذا , ولما أفكر في أمور السياسة إذا كان المحلل السياسي فلان سيكون على القناة الأخرى , بل و حتى لما أفكر في طريقة نجاحي و الدكتور فلان أستاذ التنمية البشرية سيكون على تلك القناة , أصبح المواطنون في بلادنا عبيد ينتظرون الأوامر من ذلك الشخص الناطق على شاشة التلفزيون ليقرروا ماذا سيفعلون , حتى أنه سيصعب عليك إقناع مريض على كرسي متحرك في عيادة بأنه مشلول , ولكن أعطين قناة و متحدثاً جيداً و سأقنع أي شخص بأنه مشلول حتى إن كان سليماً معافى .إن أغلب مشاكلنا العربية تدور حول وجود أو غياب العقل , فمثلاً من بين هؤلاء الملايين من العرب كم مئة عقل عربياً سنُخرج , و ركز على (عربياً) , فالآن في هذا العصر و هذه الفترة بدأت مشكلة أخرى في الظهور , مشكلة إن استمرينا في هذا الطريق ستكون أكبر مشكلة موجود بل و ستكون أكبر نكسة في التاريخ العربي المعاصر , و ستؤدي مستقبلا إلى ضياع كل ما هو عربي , ففي هذه الأونة بدأنا نلحظ اختفاء الهوية العربية شيئاً فشيئا , هذه المشكلة بدأت في جيل التسعينات و استمرت و كبرت في جيل مطلع الألفية الثالثة , فأولاً بات العالم العربي بالنسبة لعددٍ كبير من الجيلين مجرد محطة توقف مؤقت قبل الخروج إلى أرض الأحلام أوربا , و كم من شخص صُبغ بلون أوربا , فتجد الاسم عربيا و لكن اللبس و المشية و اللسان أوربي , و ليس هذا الجيل هو الملام وحده بل حتى الجيل السابق مُلامٌ أيضا , فمثلا عندما يُولد طفل لأبوين يحثانه على دراسة اللغة الإنجليزية و ينسيان لغته الأم , العربية , فيصبحان يكافئانه على نجاحه في هذه ولا يهتمان بتلك , فيكبر عالماً بكل قواعد اللغة الإنجليزية , ولكن لا يعرف الفرق بين أخوات كان و أخوات إن (كلهن بنات ناس), عموماً لا ننسى بأنه سيميل للأغاني الغربية بصفة عامة و سينظر بنظرة تعالي على الأغاني العربية و سيعتبرها علامة على الذوق الهابط , ثم يبدأ في قراءة الأدب الغربي باللغة الإنجليزية تاركاً ورائه أدباً عظيماً بالعربي , عندما ينشأ لدينا جيل كهذا , جيل لم يسمع يوماً أم كلثوم أو العندليب أو الشيخ إمام أو فيروز , جيل لم يقرأ للعقاد و أنيس منصور و مصطفى محمود و أبو القاسم الشابي , جيل لم يتغنى بالعربي ولم يقرأ بالعربي , جيل لم يشعر بالعروبة في قصائد محمود درويش , كيف سنطالب من هذا الجيل الإهتمام بمشاكل العروبة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق