الأحد، 30 أغسطس 2015

المجنون (عندما حصلت على ملابسي)

كالعادة مرة أخرى أجد نفسي جالساً وحدي , معتزلاً هذا العالم بكل ما فيه من بشر , ناظراً للسماء و لكن بصري يسبح في مكان أبعد من ذلك , أتجول في مساحات تمتد إلى مالا نهاية حيث ظننت بأن انعتاق روحي سيكون , حيث سأجد ذاتي التائهة الضائعة , هناك حيث سأجد رسالتي , الرسالة التي أؤمن بوجودها و عظمتها , فحياة بهذه الصعوبات لا تستحق الرسالة التي كنت أسير خلفها , فحياة المرء و صعوبتها تتناسب طردياً مع رسالته , كلما زادت الصعوبة زادت عظمة الرسالة التي يحملها , ولهذا قررت بأن رسالتي و مهمتي كبيرة في هذه الأرض , فقبل كل شيء أنا من أوجدني الله لأكون خليفته في أرضه .
غافلني النوم و انتهز فرصة انشغالي بتأملي فهاجمني و سقطت بين يديه مغشياً علي ثم أخذني من يدي في جولة بين ذكرياتي , قبل سنوات عندما كنت شاباً أتجول في الغابة جسداً طاهراً نقياً دون ملابس , عندما لم يكن لدي تشوهات و أخطاء أخفيها عن البشر , اتجول في سلام فلا يوجد شيء أخافه , روح طاهرة تتجول شاكرة الله على نعمة الحب , جلست عند جذع شجرة وسط أشعة الشمس  التي أنظر إليها بنظرات شكر على تدفئتي , استندت للجذع ناقلاً له بعضاً من الدفيء و بلمسة حنان , فانحنت الشجرة لتعطيني ظلاً يقيني حر الشمس , نظرت للأعلى فوجدت عصفوراً صغيرا يقف على أحد الأغصان و لم تتمكن عيناي من عدم مغازلته بالنظرات , بل و أرسلت عيناي رسائل عشق و هوى له , فأنطلق العصفور يغني لي أجمل الألحان , تبادلت الحب مع كل دابة كانت تسعى حتى أتت أمامي لتضحي بنفسها و تطعمني من لحمها إذا جعت , هكذا كنت أحببت كل شيء في الطبيعة و أحبني , حتى رأيتها ,ملكة الوادي , تلك من فاقت في جمالها كل شيء عرفته , ليس الاسم مهماً فالمهم انها كانت إنسانة من بني جنسي , و ما أظن أن هناك من بهذا الجمال , لها ابتسامة إذا ظهرت أسرت لجمالها كل ما في الغابة من كائنات , لم أعرف لمقاومتها سبيلاً , فلست من منع قلبه من حب شيء يوماً , كنت أراها كل يوم و لكن لم أقوى على ذلك يوماً , فهي ملكة بكل ما تعنيه الكلمة , لها جمال ملكة , وعظمة ملكة , و هيبة ملكة , و لكن ما أن وقعت في شباك حبها حتى ظهرت رقعة قماش على جسدي استغربت حينها , ولكن لم يمنعنِ ذلك من متابعة ما بدأت , استمرت جلستي تحت تلك الشجرة و أنا أراها هي في كل شيء في دفيء الشمس و ظل الشجر و أراها في لحنٍ خرج من طائر مغرد ,بدأت الأشياء تملني حتى قررت في ذات ليلة بأني سأصارح الملكة بكل شيء سأخبرها بكل ما بداخلي , و عندما حانت اللحظة جلست أمامها و أخرجت قلبي و مددته له و لكنها نظرت إلي باستهجان ثم مضت , و تركتني مليئاً باليأس و الإحباط أما عن قلبي فقد طار ولم أره , فما أصعب أن ترفض الآلهة قربان قدمته لها , في تلك اللحظة نتج عن هذه العلاقة مولود مشوه يدعى الكره و عندها كست الملابس كل جسدي و لم تترك منه شيء .
ذهبت صباح اليوم التالي لمكان جلوسي المعتاد و لكن ما أن رأت الكائنات ملابسي هجرتني , فالشمس غربت , و الشجرة طرحت كل أرواقها لتبحث عن مكان أخر تعيش فيه , كذلك فعل العصفور , هجرتني كل تلك الكائنات فضللت في وحدتي , و بدأ ذاك المولود يكبر شيئاً فشيئاً و في كل يوم ينشر في جسمي كرهاً لتلك الملكة , ولكن أنا مازلت متيماً بها , فكيف لا أفعل و هي أم ولدي , و لو عاد بي الزمن كنت سأقف أمامها مرة أخرى و أقول (أحبك) .
هكذا ولد ولدي و هكذا حصلت على ملابسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق