الأحد، 27 ديسمبر 2015

تهريسة طفل

منذ سنواتٍ لا أذكر عددها لأني لم أعُدها يوماً , و ما فائدة عد السنوات التي مضت , فهي قد مضت , مالفارق بين السنة التي مضت و السنتين؟! , فكلاهما بات من الماضي لا يمكن أن تلمس فيه شيئاً ,
كنت طفلاً  كغيري من الأطفال يعيش في عالمٍ سحري من الخيال , تارة يكون فيه طياراً و تارة أخرى يكون فيه طبيباً .
كنت صغيراً في العمر كبيراً في الطموح , فهذا ما كبرت عليه , هذا ما تعلمته , من كل شيءٍ كان حولي , من الأغاني التي تعلمتها في فصول الروضة , كنت دائماً أتخيل ذاك العصفور الذي تتحدث عنه الأغنية التي حفظتها عن ظهر قلب ( يا عصفور يا صغير يا بوجناح حرير ريشك مزال صغير ماتقدرش تطير) , تخيلت ذاك العصفور يقف على كل شجرة رأيتها أمامي , كانت البراءة عنواناً , صباحي كان بين قاعات الروضة مع أطفالٍ أخرين , و مسائي  بين كواكب سبيس تون , تلك الكواكب التي كبرنا بينها و بين أغانيها,  عندما كانت تلك القناة (قناة شباب المستقبل) , تلك كانت أمنياتي , بأن أكبر و أصبح شاب من شباب المستقبل , بأن أكبر مثل ذاك العصفور و أصبح قادراً على الطيران في سماء الوطن .... وطني الذي أحببته و عشقته عندما كنت طفلاً , الوطن الذي تمنيت أن يفنى عمري من أجله يوماً ما , ف(شرف الوطن أسمى مني و من ما قد يجول  بفكري في أي زمن) , تلك كانت كلمات  كبيرة كبر الوطن في عقلي , ربما كنت أرددها في طفولتي دون أن أعرف معانيها , و لكن كان لها طعم مجهول السر.

كبرت و انتهجت ما تعلمته في تلك الرسوم , تعلمت الشرف و عهد الأصدقاء , تعلمت الإصرار و عدم اليأس من حسان صاحب الشعر الأحمر ذاك , كانت تلك الكواكب هي المدرسة التي كنت ارتادها بعد عودتي من مدرستي الصباحية ..... طفلٌ صغير تملئ عقله الأحلام و الأفكار كما تملئ الكتب حقيبة ظهره, و لكن للأسف لم أكبر لوحدي , بل كان وطني هو الأخر يكبر , فما أن وصلت لشبابي حتى شاب وطني , شاب و أصابه الخرف فخرج من بيته و تاه , ضاع مني الوطن فأصبحت أنا ريمي و بات الوطن أمي الذي أبحث عنه , تاه الوطن في برد الشتاء كبائعة الكبريت , لعله وقف مثلها يستجدينا بأن نلقي له اهتماماً , و لكن لم نفعل , كان كلٌ منا يبحث عن مصالحه ولم ننتبه للوطن الواقف هناك يرجو المساعدة , كبرت و لم تعد تلك الأغاني بالنسبة لي إلا مجرد أغاني حفظتها يوماً , فذاك العصفور تعلم الطيران و طار بعيداً و هاجر , و ذاك الأرنب الذي غنينا له ( أرنب أرنوبي أرنب احذر من غضب الثعلب) , كبرنا و اكتشفنا بأن هذا الأرنب هو الثعلب نفسه , و روضتي التي كنت أتغنى بها قائلاً (ما أحلاك انتي يا روضة ) , لم تعد إلا مبنى مهجور بعد أن أصبح روادها الحاليين أطفالاً يلعبون بالسلاح في الشوارع ... أما أنا فقد وقفت في شرفتي ناظراً للغيوم الماطرة في السماء مستذكراً أنشودة تقول ( يا غيمة يا جايبة قطرات امية عندي وردة ذابلة اسقيها ليا ) , نعم ... ولكن ليست الوردة هي التي ذبلت لكن وطني هو الذي ذبل , و قد وجدتنا جارتنا شمسيتها (الرايحة) و ودعتنا , و قطوستنا ماتت برصاصة طائشة وقعت من العدم , و أنا فمازلت أريد (حوش خوالي اللي فيه ظلالية) ظلالية العائلة الدافئة , أه يا أيام الطفولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق