السبت، 12 ديسمبر 2015

براد شاهي 6 (الشاهي أم القهوة؟)

صباحٌ أخر خرجت فيه متجهاً إلى الجامعة في بداية يومٍ دراسيٍ أخر , انتظرت في محطة الحافلات قليلاً قبل أن تأتي , شققت الصفوف و قاتلت حتى تمكنت من الصعود وسط جموع الطلبة , و بمعجزة من أعلى وجدت مقعداً شاغراً ينتظرني من بعيد , أسرعت إليه و جلست , فأخر ما تريده في هذه الحافلات أن تظل واقفا في هذا الزحام , جلس في المقعد الذي أمامي فتاةٌ زنجية ذات شعرٍ أحمرٍ فأدرت رأسي ناحية النافذة , و جعلت عيناي تتأملان الطريق و كل شيءٍ في الخارج , أما عقلي فقد سبح بعيداً .... إلى أين ؟! ..... لا أعرف ولكنه لم يكن هنا في هذه الحافلة ولا في هذا البلد , بل ولم يكن في هذا الكون أصلا , سبح إلى كونٍ أخر , إلى عالمٍ موازٍ تجلس فيه حسناءٌ بيضاء ذات شعرٍ كستنائي و عينان عسليتان , بدلاً عن هذه السمراء الموجودة أمامي الآن .
و بينما أنا كذلك داس أحدهم على قدمي فقطع حبل أفكاري و أعادني من عالمي إلى عالمهم , نظرت فوجدت أن الحافلة قد توقفت و بدأ البعض ينزل منها , لم أهتم لذلك ولكن أسندت رأسي إلى النافذة و أدرت عيناي للخارج محاولاً العودة لعالمي , ولكن عبثاً حاولت , أوقفني عن محاولاتي رائحة عطرٍ أنثوي
جميلٍ , اقتحمت أنفي و جَعَلَت عيناي تبتعدان عن الخارج و تنظران لمصدر هذه الرائحة , صُدمت حين رأيت بأن تلك الفتاة الزنجية قد ذهبت و جلست مكانها أخرى , كانت هي التي رأيتها في عالمي الموازي , نفس الشعر , ذات العينين ... هل ما أراه حقيقي أم أني مازلت أسبح في خيالي ؟ لم أزعج رأسي بكثرة الأسئلة , و حتى لو حاولت إزعاجه , فعقلي قد توقف عن التفكير بي و بما حولي , قد ذهب عقلي معها , و تركت عيني تأمل ما خلقه الله في الخارج و بدأت تتأمل في التي خلقها الله قبل سنوات ثم أجْلسها أمامي
 الآن , لم تكن مثل ما رأيت من نساءٍ أبدا , أتراها عربية أم أعجمية ؟ كل ذلك لا يهم , ملامحها و لونها كانت تدل بأنها من حوض المتوسط , ما أجمل المتوسط و ما أجمل نساء المتوسط , نظرت إلى كتبها التي في يدها فعرفت بأنها تركية , نعم إنها تركية كتلك اللائي نراهن في المسلسلات , إنها سلطانة من عهد السلاطين , و ماذا عساي أن أكون في ذلك العهد ؟ ... سأكون أي شيء سأكون خادماً في قصر السلطان, حتى أتمكن في رؤية هذا الجمال في كل يوم و سأكون شاكراً و مسبحاُ لله على ذلك , فعندما يُرى هذا الجمال يجب ذكر الله بعده وقبله , و هذا ما فعلته , شكرت الله على قيام تلك و جلوس هذه أمامي حتى أنظر و أتمعن النظر , ولكن لن أفعل شيء غير النظر , فحتى لو كتبت أصابعي شعراً  لهذا الجمال و غنت عيناي هذا الشعر , فإن لساني هو دائماً أبكم أمام كل جميل , لا ينطق إلا في خيالي , تخيلت بأني علاء الدين و هي ياسمين , و هذه الحافلة ليست حافلة بل هي بساط الريح يأخذنا إلى حيث نريد , لم ترمش عيني منذ أن جلست , و الحمد لله بأني مرتدٍ لنظاراتي و إلا لانتبهت هي بأن هناك من يحدق بها منذ قعودها , ولكن ليس الذنب ذنبي فحتى الأطيار و الأشجار التي كانت تنشد أناشيد الصباح في الخارج , امتنعت عن الغناء و وقفت تراقبها مأسورة من جمالها .
فجأة قامت على قدميها و خرجت , سُحبت مرة أخرى إلى الحافلة و نظرت حولي فوجدت بأن محطتي قد فاتت , لم أهتم إلى ذلك فمحطتي عند هذه الجميلة , نزلت و سرت خلفها قليلاً مفكراً في أن أخاطبها لعلي أعرف موعد قدومها ورحيلها , ولكني عدلت عن ذلك , وفضلت جعل رؤيتها صدفة كما حدث اليوم , فأجمل الأشياء تلك التي تأتي دون تخطيطٍ مسبق , اللهم إلا لو كانوا ضيوفاً جاؤوا لمنزلكم .
شعرت برغبة في أن أكتب عنها , ولكن لم يكن عندي قلمٌ أو ورقٌ حينها فأبقيت عقلي منشغلاً بالتفكير بها حتى لا أنسى أي تفاصيل عنها , و في المساء عدت إلى المنزل , وبدأت في الكتابة بينما أشرب بعض القهوة , بعد أن اعتزلت الشاي , و عندما أكملت تساءلت , هل يمكن أن تحل القهوة مكان الشاي ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق