الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

انا و السيلفيوم

في كوخي الصغير استيقظت , كوخٌ ليس ككل الأكواخ , هناك في بلاد الواق واق الأسطورية خلف كل الجبال و السهول , هناك حيث تتلون السماء باللون الوردي أما الغيوم فما هي إلا قطعٌ خفيفة من غزل البنات , هناك حيث كنت أعيش وحدي و لا يعيش أحدٌ من البشر إلا بضعة ملايين إنسان لم أعرفهم و لم يعرفونِ .
خرجت أتجول في غابات الأمازون المطرية أبحث عن بضعة أغصان نعناع أقطفها لأَعد بها شاهي أشربه بعد غداء اليوم , فالغداء اليوم هو (مكبكة) و بضعة أفخاد من لحم الطائر الأسطوري المسمى عنقاء , بحثت و بحثت و طال بحثي , و بينما أنا كذلك أدور في هذه الغابة مررت بوريقات الكسبر و المعدنوس دون أن أفرقهما عن بعضهما كالعادة , نظرت إليهما طويلاً حتى شردت عن أقدامي التي تابعت السير حتى تعثرت هي و وقعت أنا , في بركة من (زبط الجنة) , نظرت أمامي فإذا بي أجد نبتة السيلفيوم , دُهشت لرؤيتها و سرحت فيها ناظراً حتى أحست بوجودي و انتبهت لنظراتي , ثم نظرت للأرض بخجل , فقلت لها :"أعذرينِ أيها النبتة الجميلة , ولكن أنا الذي تحدثت أساطير بلاده عنك ولم يرك يوما , و عندما رآك تاه في جمالك " .
نظرت هي إلي وقالت :" يبدو لي أيها الشاب أنك من بلاد أجدادي , من ليبيا".
فأجبت موافقا و سألتها عما أوصلها هنا و حدثتها عن أنهم قالوا لنا بأنها انقرضت منذ قديم الزمان , نظرت باتجاهي بينما حركت نسمات هواء آلاسكا الحارة أرواقها كشعر امرأة جميلة , وقالت: "لا أيها الشاب لم أنقرض , ولكن هم أجدادي من ملوا من الحياة هناك و كرهوا بلادك فهجروها " وقبل أن أنطق بحرفٍ واحد قالت: " نعم تستطيع النباتات أن تهاجر , و إنها لقصة طويلة اجلس لأقصها عليك ".
جلست أنا و بدأت هي بالتحدث فقالت:" مل أجدادي العيش هناك فقرروا الرحيل , فحزموا أمتعتهم في حبوب الرحيق و طرحوها أرضاً , و أتت صديقتنا الودودة الريح و حملت هذه الأمتعة و وضعتها على أغصان إخوتنا العمالقة (الأشجار) كان هذا قبل موسم عودة السمان من جديد , لم تمر فترة حتى بدأ السمان بالعودة لوطنها , عندما تقف هذه الطيور على أغصان الأشجار يتم تحميلها بأمتعتنا , و انطلقنا نحو الشمال , نحو بلاد جديدة , عبرنا البحر المتوسط مررنا بدول كثيرة "
صمتت هي لوهلة هنا و قالت:" هل تعلم يا بني سمعت يوماً أحدكم يقول بأن هذه الطيور غبية بإمكانها الهجرة و دائما ما تعود إلى هنا , هل تعلم بأنكم أنتم الأغبياء فهذه الطيور ليست إلا مساجين من السمان يؤدون فترة عقاب إلزامية في بلادك , ألم تستغرب يوما بأن قائدهم لا يتوه عن الطريق , فهو ضابط تابع للسجن يقود الرحلة عبر البحار وحده لا حراسة ولا مراقبة , فمن كان يريد الهرب فليهرب فنهايته لن تكون إلا ميتاً" .
"وصلنا أخيراً لبلاد مجهولة الاسم , قومها غير قومنا في كل شيء لا نفس اللسان ولا نفس الكلام ولا اللباس , رمتنا طيور السمان على متن عربة كنا نظن بأنها تتجه بنا نحو غابة بعيدة , ولكن هذه العربة دخلت سفينة عظيمة مهولة , كل من فيها كان فرحاً بشرٌ و حيوانات , و نحن الممثل عن جنس النباتات , و لا أقول بأننا أحسنا التمثيل حينها , انطلقت هذه السفينة و بعد أيام وليالٍ عانينا من دوار البحر فيها , سمعنا صوت اصطدام مهيب , و اذا بنا ارتطمنا في جبل جليدي مهيب , و بدأنا في الغرق , توزعت عائلتي كل يبحث عن شيء ينجيه من الغرق , و بينما كنت أسبح تقدمت لي قطعة من الخشب أبناء عمومتنا فأمسكت بيها , لم أكن لوحدي عليها , فقد كانت هناك شابة نائمة عليها و شابٌ ممسكٌ بها , و نتيجة لثقل وزنهما و ضعفي أصبحا هما المتحكمان بقطعتي يحركانها يميناً و يساراً حتى غرقت و وقعت في المياه المتجمدة و كنت صغيرة وقتها لا أعرف السباحة , ظلت التيارات ترميني ذات اليمين و ذات اليسار حتى رمتني أخيرا في القاع , ظللت هناك أيام و أسابيع و شهور حتى أخيراً جاء نوعً لم أره في هذا المكان قط أسماك جميلة كبيرة يقال لها "سالمون" , بينما أنا أشاهد لم أنتبه إلا أن شي بحري ما قد داس علي و بأن هذا الشيء قد ابتلعه شيء أخر , أصبحت و لمدة طويلة غير قادرة على الرؤية ثم فجأة في يوم لم يكن كباقي الأيام صدمنا شيء ما , و في لحظات بدأت أسمع صوت شيء ما يأكل شيء أخر و في ثانية كانت السماء أمامي و أمامي أيضا دب بني ضخم كان يأكل ما تبقى من سمكة السلمون ثم تركها , مرَّ الصيف و جاء الشتاء و أنا بداخل و تحللت السمكة بالتربة تحت و أمطرت السماء و امتزج سماد السلمون بالتربة و احتضناني , لأنمو هنا , هنا الحب و الراحة يا بني هنا حيث كل الكائنات تتعاطف مع بعضها عشت لسنوات هنا لم أجد أحدهم يكتب على شجرة جميلة (ذكري من مسعود لمسعودة ) و بذلك يشوه جمال هذا الكائن النقي , لهذا هجرت بلادكم ,
هنا تحترم الكائنات بعضها , أما عندكم فيعبث هذا الإنسان بكل شيء ظنا منه الأقوى و الأذكى , هو ينقش على شجرة لأنه يستطيع , يقتل الطيور و القطط لأنه أكبر حجماً , يضرب الكلاب لأنه يريد ذلك , تصور بأنه عندكم يظن بأن بإمكانه خداع الأسد إذا حاصره في الغابة , صدقني لن يريد الأسد أن يأكل أي منكم ,
فهل يعقل بأن يأكل ملكة الغابة لحم إنسان مُر؟".
هنا سمعت صوت صراخ شخص ما فاستيقظت و اكتشفت بأني كنت أحلم و لكن الصراخ استمر رغم ذلك , فتحت نافذة كوخي و إذ بي أجد سيبتيموس سيفروس يصارع تنين مجنحا أبيض العينين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق