الجمعة، 25 ديسمبر 2015

براد شاهي 7 ( بكرج القهوة)

ها أنا ذا , بعد أن كتبت و أطلت( براريد الشاهي) , و عبرت فيها عن كل ما جال في خاطري و خيالي , ثم قررت اعتزال الشاي و هجر كل إدمانه , وجدتني قد وقعت في إدمانٍ أخر , إدمان القهوة , تبدل البراد فبات بكرجاً , و تبدلت الطاسة فأصبحت فنجاناً أستحضره أمامي كل صباحٍ , أَمَتِع أنفي برائحته , و تستمع عيناي بالنظر إليه ... لماذا أحببت القهوة ؟.... لا أدري ولا أعلم , ولكن يبدو بأن الله خلقني رجلاً لا يستطيع إلا أن يُحب شيئاً , فإن لم تكن الشاي سيكون القهوة, و إن نسيت كلاهما .... لا أريد التفكير في ما بعد القهوة .

حديث العهد هو إعجابي بالقهوة , لا أعلم سبب إعجابي بها , أتراه لونها ؟ أم لعله عطرها الزاكي ؟ , قد يكون تناقضها و امتزاج المرورية بالحلاوة فيها , ما أعلمه هو أني أُعجبت بها , و أدمنتها حتى أصبحت هي وحدها خليلتي في كل صباح , لا بل في كل اليوم , أجلس لها اليوم كله أخاطبها و أشاركها تفكيري فتسمعه يخرج عاليا من عقلي رغم أني لا أنطق , هي كل شيء جميلٌ ربما أكون قد تخيلته يوماً , و لكن لن أحدثها عن ذلك يوماً , ولما أحدثها عن ذلك ؟! , لماذا تُخبر أحدهم عن مشاعر و أحاسيس ؟! .

كان هذا هو السؤال الذي جال بخاطري منذ همسات الصباح الباكر اليوم , فكرت فيه لساعات و ابتعدت عنها حتى لا تشوش على تفكيري , فلقلبي قدرة تشويشٍ علي لا يمكن لي أن أقاومها , ولا يمكن لعقلي المُتبجح بحكمته دائماً أن يقاوم هذا العقل , عقلي الذي دائما كان يقول بعدم جواز البوح بالمشاعر , و ضرتها بالصحة , فهو الذي دائماً كان يقول بأن الاعتراف بالمشاعر ضُعف و ما هو إلا تقديم ذراعيك لسجان حتى يقيدهما بسلاسل ضخمة ثم يتحكم فيك كما يشاء , أعادها عقلي مرات و مرات , أما قلبي فقد كان يكفيه القول بأن هذا الاعتراف لن يكون مثل غيره , أحمقٌ هو قلبي فالسجان هو سجان مهما كان شكله و كلامه .

بدأت مناظرة بين قلبي و عقلي , وقف فيها القلب محامياً عن بكرج القهوة , أما العقل فكان المدعي العام , تنحنح قلبي في بدلة المحاماة مُغنيا :" قاضي البلاج يا قاضي مشتاق للصيف الماضي و جيت على الحبايب لقيت مكاني فاضي" , ثم بدأ في الحديث عن حاجتي أنا لشيء أحبه , و أنه ليس ذنب المتهم بل هو ذنبي أنا , فجاء رد عقلي قائلاً للقاضي المجهول الجالس على كرسيه بالأعلى , بأن هذا القلب الذي يدافع الآن عن المتهم هو الذي شبكنا و أوقعنا في كل هذا "و اللي شبكنا يخلصنا" ,  هكذا استمرت الجلسة و في كل مرة يبدأ أحد أعضائي هذه - و اللذان لا أملك أدنى سيطرة عليهما – في الحديث , في كل مرة يقول أحدهما شيئا فترتسم على شفتيه ابتسامة النصر ظناً منه أنه المنتصر , قبل أن يبدأ الآخر في الرد عليه فيُسكته و يُفحمه , كان هذا ما حصل في أخر مُرافعة لقلبي و الذي ظن بأن هذا القاضي سينطق بالحكم لصالحه , بأنه سيأمرني بأن أعترف للقهوة بحبي لها , قبل أن يستدعي العقل شاهده الوحيد , دخلت نفسي من باب القاعة شاحبة اللون , أمرها القاضي بأن تبدأ الحديث , فبدأت بالحديث عن أول حُب لها :" أول مرة تحب يا قلبي و أول يوم اتهنى ", ثم استمر في الحديث عن ذاك الحُب الكارثي الأول حتى وصل ل:" ياما على نار الحب قالولي ولقيتها من الجنة " فالتفت حينها تجاه القاضي و قال :" بأن كل هذا كذبٌ يا سيدي القاضي" , فالحب بالنسبة لي لم يكن الا صفعات تلقيتها مِن من كان حبيباً , سواء كان الحبيب الأول الذي (سافر من غير وداع ساب في قلبي جراحه) أو الثاني الذي كان لسان حال الواقع يقول عنه (لست وحدك حبيبها) بل كل الذكور كذلك .
بدأ القاضي في النطق بالحكم بعد أن أنهى الطرفين كلامهما فقال.............
اللعنة لقد نفذ فنجان القهوة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق