الخميس، 10 ديسمبر 2015

حبيبتي الأولى

قد هجرتك و رحلت فاعذريني
ليس الفراق مني بل على الفراق
أنت أجبرتيني
فضلتي علي هؤلاء الطامعين ورفضتيني
أحببتك و عشقتك ولكن يبدو أنك
لم تحبيني
قدمتك على كل شيء
و بحبك أنتِ عذبتيني

قد مرَّ شهرٌ أو اثنان على فراقك , لا أعرف ولكن ها أنا برفقة أخرى و للأسف لم انساك , مازلت أراك فيها, أقارنك بها , أقارن إنحنائتها بإنحنائتك , دفيء حضنك بحضنها , ولا أعرف لماذا؟ مالذي فيك لا يُنسى؟ مالجمال الذي تملكينه و لا تملكه غيرك؟ أنتِ من أبشع مما رأت عيناي أبداً , ولكن يبدو بأنه الحب الذي يُعمي العين و يُوقف العقل.

هجرتك و لم أكن نادماً على ذلك , فقد سئمتك , سئمت كل أولئك الرجال الذين يستغلون كل شيء فيك , و الذي كنتي مادية معهم , فالبسطاء منهم جعلتيهم يقفون بالطوابير تحت شباكك لينالوا لحظة فرحٍ معك , و أصحاب البدلات يعبثون بلحمك في كل ليلة , أذكر وقوفي في طوابيرك رفقة البسطاء, سمعت أحادثيهم عنك و صبرت عليها كثيراً , رأيتهم كل يوم يأتون طامعين فيك , وصبرت على كل ذلك , لم أغر و لم أفكر يوماً أن أنطق أو أعترض بل كنت ذلك الذي إحتمل كل عيوبك , كل قرفك و مزاطك , لهذا رحلت و لهذا تركتك , فإلى متى سأظل صامتا ؟.
بالأمس رأيت بعض الصور القديمة لك , صور حركت مشاعري و عبت بذاكرتي , عندها أدركت بأنك قد كنتِ جميلة في يومٍ ما , بل رائعة الجمال , تذكرت كل ما أعجبني فيك , تذكرت الحضن الدفيء الذي لطالما وجدته فيك , تذكرت كم مرة سرت أتجول بين أحضانك حيث وجدت نفسي , ربما لم أرى الكثير , ولكن كل اللوائي رأيتهن لم تكن مثلك يوماً , رأيت صوراً لمنزل العائلة القديمة في خريبيش, فسبح عقل حتى وصل إلى شواطئ طفولتي , عندما كان يأخذني والدي إلى هناك , تذكرت أول مرة لامست فيها ماضيك و ماضيَّ أنا , عندما دخلت من ذلك الباب و نظرت فوقي إلى السقف , كانت المرة الأولى لي في منزلٍ من هذا النوع, منازل أهلنا القديمة , دخلت إلى المنزل و تجولت في غرفه أو ما تبقى منها , رغم أن أغلبه كان مهدما لكبر سن حجارته , و لكن شيء ما في هذا المنزل جذبني , و كأني تربيت فيه طول طفولتي , ربما لأنه ضم بعض ذكريات العائلة , أو ربما تراه شجرة الورد البلدي تلك ذات الرائح الخلابة , أراني أبي تفاصيل الحاضر من البيت و حاولت تخيل المفقود منه , ثم خرجنا من البيت , خرجنا سائرين ولكن جزء من قلبي ظل هناك , وفي ذاك اليوم جزء أكبر من قلبي أصبح لك , استمر أبي في الحديث عن الشوارع و البيوت , و أنا كنت طفلاً مبهوراً يمشي سعيداً و كأنه في محل حلوى , ربما كانت هذه الشوارع ألذ من الحلوى بالنسبة لي, كنت بشوارعك أجمل ما عندي.
تحسر أبي كثيراً على أيامهم تلك , و ها أنا اليوم أتحسر على أيامي و أيامه , قد كنت حقي رائعة , ولكن منذ أن عاشرتي زمرة الفاسدين هؤلاء الذين جاؤوا من شرق البلاد و غربهم طمعاً فيك , منذ أن رحبتي بهم و أسكنتهم داخلك و بالقرب منك , وأنتي مثلهم فاسدة , شوهوك , فأريتي من يحبك هذا الوجه المشوه لك , لم تعودي أنتي التي أعرفها , لم تعودي تلك التي فُتنت بها , ولكن ستظلين دوماً حبيبتي الأولى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق